من غياب قلب… يعود مهرجان الارز!

يبدو قضاء بشري وكأنه يعيش في غيمة ما من خارج منظومة البلد الغارق حتى الثمالة في الازمات، أشدها قسوة ربما القمامة المنتشرة المتعمشقة بين المنازل في الاحياء والشوارع، مذ دخول القضاء يبدو لبنان مختلفاً، لبنان لعله الحقيقي الاصيل، الاخضر المترامي النظيف المنظّم الخالي حتى من مستوعب للقمامة، اذ لا يخدش النظر لا اكياس سوداء ولا حتى ورقة طائرة في الهواء، نظافة وتنظيم مطلق ، هي اوامر صارمة من اتحاد رؤساء بلديات القضاء ومن نواب المنطقة بان تحافظ البلدات كافة على بهائها والقها خصوصا في زمن انطلاق مهرجانات الارز الدولية.
هناك فوق، الارز تحت السحاب بقليل، أشجار الارز المنذورة للخالق تتماهى على كفه مباشرة ، هذه شجرته الاثيرة لا شك، هذه دعوته الملحة للحفاظ عليها، اشجار تفرض هيبة غريبة على المكان والقادمين اليه. ثمة جلبة طارئة على المكان، ضجيج قريب بعيد اذ لا يسمح حتى لضجيج الآلات الاقتراب من الغابة، ممنوع بيئياً، تراها من بعيد وكأنها تراقب بدقة وبحكمة ما يجري من حولها، وما يجري كبير ومثير كي لا نقول مذهل.
من غياب خمسين عاماً يعود المهرجان، ليس هيّنا ان تسجّل حضوراً برّاقاً منافساً لمهرجانات دولية عريقة كمهرجانات بعلبك او بيت الدين، هو استحقاق ، او لعله امتحان لنوّاب المنطقة اولا ، وللهيئة المنظمة أولاً وآخراً.
دنيز طوق: «كل ليلة في شي جديد وفي مفاجأة»
لن تكون فيروز هنا كما كانت بداية الستينيات، ولا صباح ووديع الصافي بطبيعة الحال، هذه ثلاثية مستحيلة نادرة ، ثلاثية صارت من الحلم ، صارت هي الحلم، ولكن هناك الكثير الكثير ما يؤهل المهرجان لاحتلال المرتبة الاولى تنظيمياً على الاقل، ولا نحكي هنا عن البرنامج الفني المنوع، اذ هي مسألة اذواق وجمهور.
مهرجان استثنائي مسرحه أرزة
التحضيرات البالغة الدقة تبدأ مذ لحظة انطلاق الحافلات المخصصة للنقل من المناطق كافة، وصولاً الى بشري حيث يستقبل الضيوف بالورود صبايا وشباب من بشري، كما يتوزع عدد آخر منهم على الفنادق ومداخل الموقع لارشاد الناس ومساعدتهم في تنقلاتهم، واضيفت سبعة مواقف جديدة الى المواقف السابقة لاستيعاب السيارات والحافلات.
««مهرجان استثنائي بكل معنى الكلمة» تقول دنيز طوق رئيسة لجنة التنظيم لمهرجانات الارز، «شكل المسرح مختلف وتعمّدنا ان يكون على شكل ارزة للايحاء بان المسرح هو في قلب الغابة، علماً اننا بعيدون كفاية عن الغابة وباشراف الاونيسكو وذلك حفاظاً على بيئة الارز وكي لا نتسبب باي ضرر له» تؤكد طوق.
البرنامج الفني المعلن يتخلله مفاجآت لا تفصح عنها طوق «كل ليلة في شي جديد وفي مفاجأة»، هي ليست بأسرار بقدر ما هي بمثابة هدية للجمهور المقبل بكثافة على المهرجان الى درجة ان بطاقات أول حفلين بيعت بالكامل، اما باقي الحفلات فما تبقى منها سوى القليل القليل ومقدر أن تباع البطاقات بالكامل في اليومين المقبلين كحد اقصى.
لماذا اقتصر المهرجان على فنانين لبنانيين؟
تقول طوق انه اختيار متعمد ايضاً «نحنا منعتبر انو فنانينا عالميين بالنسبة النا ولاهل البلد».
المفاجآت تباعاً
ليلة الافتتاح (السبت 1 آب/اغسطس) هي العنوان، او لعلها المفتاح السحري لباقي ليالي المهرجان، غير المفاجأة والابهار في الشكل، ثمة الكثير مما ينتظر الجمهور في المضمون، النائبة ستريدا جعجع ستفتتح المهرجان ومن بعدها تنطلق المفاجآت تباعا ولن تتوقف قبل آخر ليلة حيث يحضر اهل بشري مفاجأة من العيار الثقيل تقول طوق، اذ ولاول مرة في لبنان سيقدم بعض الاهالي من الكبار في السن نسبيًا استعراضاً فولكلورياً تراثياً لبنانياً صرفاً كتحية تقدير ووداع لمن حضر وشجع وبارك هذا المهرجان.
وماذا بعد؟ «بس تجوا وتشوفوا بتعرفوا ماذا بعد» تضحك طوق وتمضي في الاستعدادات مع الفريق المتخصص الذي يربط الليل بالنهار لينجز كل ما يجب في الاوقات المحددة وليستحق مهرجان الارز اسمه ، وليكون الحضور من غياب نصف قرن على قدر الشوق للحنين، للمكان، للثقافة، لحب الحياة، لحضارة لبنان وقيمه وصورته العريقة.
تخرج من المكان وتبقى مسمّراً فيه، هو مكان بالاساس استثنائي، هنا يسكن الله بوجه من وجوهه، شجرة الارز الخالدة هي حضور من حضوره، هنا بعض كثير من لبنان، ما تبقى من روح لبنان الاصيلة وانت ابن البلد فكيف تنفصل عن روحك؟ هذه هي المقاربة، لذلك لا تخرج من المكان لو خرجت وتعد الارز انك عائد لتكون اول الحاضرين في مهرجانه العائد من غياب حنين من غياب قلب…
فيرا بو منصف