سياسة عربية

من داخل «جحيم» الموصل… مشاهد وشهادات عن الحياة في ظل «داعش»!

نشرت شيكة «بي بي سي» مقاطع فيديو حصرية حصلت عليها من مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، تكشف كيف يُمارس تنظيم الدولة الإسلامية سلطته على الحياة اليومية للناس فيها، بعد مرور عام على سيطرته عليها.

وتظهر أشرطة الفيديو التي صورت بشكل سري وحصل عليها مراسل «بي بي سي» تفجير جوامع في المدينة، واجبار النساء على ارتداء الخمار والنقاب وتغطية كامل اجسادهن.
وقال سكان في المدينة انهم يعيشون في خوف من التعرض للعقاب وفقا لتفسير الجماعة المتطرف للشريعة الإسلامية.
كما تحدثوا عن استعدادات يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة تحسباً لهجوم القوات الحكومية.
وكان سقوط الموصل فاتحة تقدم خاطف لمسلحي التنظيم في مناطق في شمال العراق وقطع طرق امداد القوات العسكرية وأجبر الآلاف من السكان على الفرار من بيوتهم.

اضطهاد النساء
وتكشف أشرطة الفيديو المصورة خلال أشهر عدة من السنة واقع الحياة تحت تنظيم الدولة الإسلامية. وتظهر المجموعة الأولى منها كيف تجبر النساء على لبس النقاب وتغطية مجمل أجسادهن، ونرى أحدى النساء تؤنب لعدم تغطية كامل أصابع يديها.
تقول هناء: «إن تنظيم الدولة متزمت بشأن لباس النساء، إذ يجب أن تغطي المرأة كامل جسدها من الرأس إلى اخمص القدم بالسواد».
وتتابع: «في أحد الأيام شعرت بالضجر في البيت فطلبت من زوجي أن يرافقني إلى الخارج. لم أكن غادرت البيت منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة. بينما كنت أجهز نفسي للخروج قال لي زوجي إنه حتى لو ارتديت الخمار (رداء طويل يغطي شعر الرأس والعنق والأكتاف كلياً، لكنه لا يغطي الوجه تماما) سأجبر على ارتداء النقاب (الذي يغطي الوجه). صدمت من ذلك وفكرت في البقاء في البيت في تلك اللحظة، لكنني في النهاية رضخت».
وذهبنا الى مطعم لطيف على النهر، اعتدنا أن نزوره باستمرار خلال فترة خطوبتنا. وحالما جلسنا قال لي زوجي إن بأمكاني الكشف عن وجهي، فليس ثمة وجود لرجال تنظيم الدولة الإسلامية هنا، والمكان ملتقى للعوائل.
وكنت سعيدة في تلبية طلبه، لذا كشفت عن وجهي مع ابتسامة عريضة. ولكن سرعان ما جاء صاحب المطعم ورجا زوجي أن يطلب مني إخفاء وجهي ثانية لأن مقاتلي التنظيم يقومون بزيارات تفتيش مفاجئة، وأنه سيجلد إذا رأوني بهذه الصورة.
سمعنا قصصاً عن جلد رجال لأن زوجاتهم لا ترتدي قفازات في أيديهن. ومنع والدا امراة أخرى من قيادة السيارة. أما من يعترضون فيهانون ويضربون.
استجبنا لطلب صاحب المطعم. وبدأت اتساءل مع نفسي كم بات واقع الحال غارقاً في القسوة والجهل. وعندما غادرنا المطعم رأيت أباً يبحث عن ابنته التي كانت غارقة في بحر من السواد».

الاضطهاد الديني للأقليات
وتكشف أشرطة الفيديو عن كيفية مصادرة تنظيم الدولة الإسلامية لبيوت الأقليات الدينية والاثنية. إذ أصبح العديد من الأحياء السكنية التي كانت عامرة بالأقليات مهجورا الآن.
تقول مريم (الطبيبة النسائية المسيحية): «عُرفت بأنني قارئة نهمة ولدي مجموعة كبيرة من الكتب. وواصلت مجموعتي النمو مع مغادرة العديد من الأصدقاء والعوائل للعراق وارسال كتبهم إلي لأنهم يعرفون أنني لن أغادر البلاد وسأعتني بها».
تعرضت لتهديد ومضايقات من «متطرفين سنة» قبل السيطرة على الموصل، لكنني واصلت عملي في توليد النساء من كل الديانات والطوائف. لا أفرق أبداً بين مرضاي وأؤمن أن الجميع يستحقون رعاية متساوية.
على الرغم من ذلك، اضطررت للمغادرة مع سقوط الموصل، هربت بجسدي دون أذى لكن روحي بقيت هناك، في المكان الذي تركته: في البيت مع كتبي.
بعد انتقالي إلى أربيل (في اقليم كردستان العراق) تلقيت أخباراً صادمة عن مصادرة تنظيم الدولة الإسلامية لبيتي، وتعليمه بحرف (ن) (في اشارة إلى كلمة نصارى التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية لوصف المسيحيين)، اتصلت هاتفيا، فورا، بأصدقائي في الموصل ورجوتهم أن ينقذوا كتبي.
ولكن كان ذلك متأخراً. إذ عاودوا الاتصال بي قائلين إن كتب مكتبتي رميت في الشارع. على أن بعض الجيران تمكنوا من إنقاذ بعض الكتب القيمة التي ظلت مخفية».

تخويف وعقاب وتعذيب
وتظهر مقاطع الفيديو مساجد ومراقد مقدسة تفجر. ويتحدث السكان عن العقوبات القاسية التي يواجهها أي شخص يخالف تفسير «الجهاديين» للشريعة الإسلامية، الذي فرضوه في عموم «دولة الخلافة» التي أعلنوها بعد أسابيع من سيطرتهم على الموصل.
يقول زياد: «منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة، وهو يطبق «شرائع الخلافة» كما يسمونها. والجلد هو أقل العقوبات فيها، ويطبق على أشياء بسيطة مثل تدخين السجائر.
ويعاقب السارق بقطع اليد، ويعاقب الزاني من الرجال برميه من بناية مرتفعة، أما النساء فعقوبتهن الرجم حتى الموت. وتنفذ العقوبات في العلن أمام الجمهور لإرهاب الناس، الذين يجبرون على المشاهدة.
أعرف العديد من الناس الذين اعتقلهم تنظيم الدولة الإسلامية، البعض منهم من أقاربي. وقتل البعض منهم لأنهم كانوا يعملون في القوى الأمنية، وأطلق سراح البعض الآخر. وقد حكوا لنا قصصاً لا تصدق عن الفظائع التي يرتكبها مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية في سجونها.
وفضل العديد ممن خرجوا عدم الحديث. وظلوا صامتين لأنهم مرعوبون من إعادة اعتقالهم إذا تكلموا».

تعطيل الحياة اليومية
يقول هشام: «لقد تغيرت الحياة اليومية بطريقة يصعب وصفها. ولم يعد للأشخاص الذين كانوا في الجيش أو يعملون بأجر يومي أي دخل يعيلهم لأنه لم تعد هناك أي أعمال. ويعتمد الأغنياء على مدخراتهم. ويدبر من يتلقون رواتب أمورهم بالكاد. أما الفقراء فتركوا لرحمة الله.
فقدت عملي وأجبرت على ترك دراستي، ومثل كل شخص هنا حرمت من حقوقي الأساسية. فكل شي في عرف تنظيم الدولة الإسلامية «حرام»، لذا انتهيت الى أن أجلس في البيت طوال الوقت. حتى النشاطات الترفيهية البسيطة مثل السفرات، منعت الآن في الموصل، بذريعة إنها مضيعة للوقت والمال.
ويأخذ تنظيم الدولة ربع راتب المرء كمساهمة في كلفة إعادة إعمار المدينة. ولا يستطيع الناس أن يقولوا لا لأنهم سيتعرضون لعقوبات قاسية.
فالجماعة تسيطر على كل شيء. والايجارات تدفع إليها والمستشفيات حكر على استخدام أعضائها.
واستبدلت الجماعة أئمة المساجد بآخرين موالين لها. وتوقف العديد منا عن الذهاب إلى المساجد لأنهم يحضرون إليها ويطالبونك بيمين الولاء والمبايعة ونحن نكره ذلك.
وقد جلد أخي 20 جلدة لمجرد أنه ترك محله مفتوحاً خلال وقت الصلاة، وكأنك تستطيع فرض الدين بالقوة!».

تلقين ومراقبة
وتظهر أشرطة الفيديو كيف استخدم المسلحون تقنيات معقدة للسيطرة على سكان المدينة، من أمثال «نقاط إعلامية» كمراكز لترويج رسائلهم.
يقول محمد: «واصل أخي، البالغ من العمر 12 عاماً، الذهاب إلى المدرسة على الرغم من أنها، في الحقيقة، أصبحت تدار من تنظيم الدولة الإسلامية. اعتقدنا أنه لا بديل متوفراً، وأنه سيتمكن من مواصلة تلقي نوعا من التعليم، وسيكون ذلك أفضل من لا شيء.
لكنني عدت إلى البيت يوماً لأجد أخي الصغير يرسم علم تنظيم الدولة الإسلامية وينشد أحد أشهر أناشيده. ففقدت السيطرة على أعصابي وبدأت بالصراخ عليه.
وأخذت الرسم منه ومزقته إلى قطع أمامه. فشعر بالذعر وهرب إلى امه باكياً. لقد حذرته بأن لا يرسم أبداً هذا العلم ثانية أو ينشد أياً من أناشيد هؤلاء الناس، وهددته بأنني سأمنعه من الخروج ورؤية أصدقائه وسأتوقف عن الكلام معه.
وسارعنا إلى إبعاده عن المدرسة، لأننا نفضل الا يتعلم على الاطلاق على أن يتحول إلى واحد من المروجين لتنظيم الدولة الإسلامية.
وخلصت إلى أن هدف هذه المنظمة هو زرع بذور العنف والكراهية والطائفية في عقول الأطفال».

تكتيكات وخدمات لوجستية
وتظهر أشرطة الفيديو المسلحين ينقلون مدافع ثقيلة، حصلوا على بعضها من القوات العراقية، ويردون على الهجمات باستخدام نيران مضادات الطائرات.
يقول زياد: «يعرف تنظيم الدولة الإسلامية ان الجيش سيحاول استعادة الموصل، لذا اتخذوا احتياطاتهم. لقد دمروا المدينة بحفر الأنفاق وبناء المتاريس وزرع الألغام الأرضية والقنابل، وملء المدينة بالقناصين، لجعل الأمر صعبا على الجيش.
وعلى الرغم من ذلك ، سأكون سعيدا جدا إذا تمكنت الحكومة من استعادة سهل نينوى والموصل. آمل أن يتمكن النازحون واللاجئون من العودة، وبذا يمكننا العمل معا على بناء عراق متحد وآمن. فتنظيم الدولة الإسلامية عدو الإنسانية.
على أنني اشعر بالقلق فعلا كيف سيستعيد الجيش المدينة. اعتقد أن الانتهاكات التي ارتكبها الحشد الشعبي (متطوعون موالون للحكومة من الميليشيات الشيعية في الغالب) في تكريت ستحدث في سهل نينوى والموصل، وأن مجمل الوضع سيكون مجرد تبييض وجوه ثانية.
يجب على الحكومة تسليح سكان المدينة لكي يستطيعوا حماية مدينتهم بأنفسهم، وسيهزمون تنظيم الدولة الإسلامية بعون الله»

بي بي سي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق