سياسة لبنانية

ما هو تفسير ترشيح نصرالله لعون؟

يبدو أن النائب ميشال عون ما يزال متمسكاً بوصوله إلى قصر بعبدا، ورافضاً حتى الساعة على الأقل دور «صانع الرئيس». ويقول في وضوح لزواره: «… منذ العام 2005 انتهجت سياسةً أدت إلى حماية المسيحيين، ووسط كل هذه الأعاصير في المنطقة بقي مسيحيو لبنان في مأمن. كنت أقرأ الاتجاهات سلفاً وأخوض معارك صعبة: سلاح حزب الله، بقاء النظام السوري، النازحون السوريون والحركات التكفيرية، أربعة عناوين كبيرة لو تركت القيادة لغيري لجاءت النتائج كارثية». ويأخذ عون من ذلك جرعة قوة ليكرر موقفه: «أنا مستمر في ترشحي حتى النهاية».
ويروى أنه في اللقاء الأخير الذي جمع الوزير جبران باسيل بالحريري في باريس، قدم الأخير عرضاً فيه كثير من الدهاء: «نقترح عليك أن تكون أنت المرشح، وأضمن لك موافقة حلفائنا اللبنانيين ومباركة السعودية»، ويقول باسيل إنه قطع الحديث فوراً مؤكداً أن المرشح الوحيد هو عون. ولكن مقربين من الحريري يقولون إن باسيل لم يعلق على الموضوع لا سلباً ولا إيجاباً

تسمية عون
وترى مصادر سياسية مطلعة أن تسمية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله صراحة العماد ميشال عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، بعد مراوحة وعدم تبني الحليف المسيحي للموقع الرئاسي الذي يطمح إليه، تعد تطوراً من زاوية اعتبار أنها بمثابة تبن صريح يفيد بأن عون هو مرشح قوى 8 آذار وان التفاوض الذي يتوقع أن ينطلق بين الحزب وتيار المستقبل سينطلق او سيستند الى وجوب الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية.
وبالنسبة الى قراءة المصادر فإن هذه التسمية معطوفة على إقامة حوار يتم فيه الأخذ والرد لا يمكن أن تؤدي ويجب الا تؤدي الى تبني تسمية الحزب للعماد عون، وإلا فإن الأمر سيكون بمثابة فرض تم رفضه خلال الأشهر الخمسة الماضية على الأقل، بل هي رأت أن اسم العماد عون وضع على الطاولة من أجل بدء التفاوض وأطلق أو فتح باب المساومة بالشراكة المرتقبة والمتوقعة مع العماد عون وفق ما أشار السيد نصرالله بحيث سيتم الأخذ والرد حول الأثمان التي يطلبها وهو المعني الأساسي بالتفاوض على الانسحاب ويطلبها حلفاؤه أيضاً.
هذا ما فهمته المصادر المعنية في الدرجة الأولى من مضمون الخطاب والذي قد يفسر في رأيها أسباب تزايد التوتر في الموقف العوني من التمديد لمجلس النواب، باعتبار أن التبني العلني لترشيح العماد عون للرئاسة يعني أنه أقفل الباب أمام وصوله مما دفعه الى مزيد من التصعيد.
وإعلان السيد حسن نصرالله، وللمرة الأولى، «أن مرشحنا الفعلي والطبيعي للانتخابات الرئاسية هو العماد ميشال عون» لقي تفسيرين متضادين:
هناك من اعتبر أن هذا أول مؤشر جدي للانتقال الى مرحلة التفاوض حول الرئيس التوافقي بعد ما وضعت الأوراق على الطاولة وانحصرت المعركة «رسمياً» بين مرشحي 8 و 14 آذار، وحيث ليس في وسع أي فريق إيصال مرشحه.
وهناك في المقابل من رأى أن هذا الإعلان يشكل التفافاً على مشروع «الحوار الرئاسي» الذي دعا إليه الحريري وإفراغاً له من مضمونه الفعلي بحيث لا يعود لرد نصرالله الإيجابي على دعوة الحريري من قيمة وأهمية. فإذا كان الحوار لا يشمل مسألة قتال حزب الله في سوريا والحزب لا يفكر بالانسحاب إلا متى تأكد أن نظام الأسد استتب وضعه، وإذا كان الحوار لا يشمل رئاسة الجمهورية وموقف حزب الله ما زال في مربع «رئاسة عون» وغير مستعد للانتقال الى مربع «الرئيس التوافقي»… فعلى ماذا سيدور الحوار؟! وهل هذا يفسر سبب برودة المستقبل الى حد تجاهله خطاب نصرالله؟!

رهان فرنسي
على صعيد آخر يزور إيران في النصف الأول من الشهر الحالي مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا جيرو، وهي الزيارة الرابعة على التوالي استكمالاً لمحاولات فرنسية بلعب دور رئيس في ساحات الشرق الأوسط، ومنها لبنان. ويصدّر الفرنسيون مناخاً يفيد بأن مفتاح الرئاسة اللبنانية هو بيد إيران التي تنسق موقفها مع حزب الله، وهم يتهمون الحزب بالتباطؤ حالياً في الدفع باتجاه إجراء الاستحقاق الرئاسي اللبناني في انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً.
ويعتقد الفرنسيون أن أي اتفاق نووي في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل سيدفع إيران الى تسهيل الأمور في ساحات عدة، ومنها لبنان، أما إذا تعذر الاتفاق فإننا أمام واحد من احتمالين: إما الإبقاء على «الستاتيكو» الحالي في انتظار تبلور المفاوضات مع ما يرافق هذا «الستاتيكو» من شد أصابع أو حصول تصعيد دراماتيكي في لبنان وبالتالي فإن الاحتمالات كلها قائمة.
وثمة من يرى أنه من غير المجدي والمفيد الرهان على هذه المفاوضات أو على نتائجها من أجل إحداث خرق في الانتخابات الرئاسية اللبنانية. فالرهان على هذا الموضوع هو أشبه بالرهان الذي حصل ولا يزال ولو بنسبة أقل من الأشهر السابقة على انفتاح في العلاقات الايرانية – السعودية، إذ إنه فيما تصاعدت الآمال في الفترة الماضية على تواصل محتمل بين طهران والرياض نتيجة بضعة لقاءات محدودة، فإن التواصل الفعلي لم يحصل قط. أما بالنسبة الى التعويل على المفاوضات النووية، فإن الرهان على نتائجها أو انعكاسات لهذه النتائج سيكون في غير محله كلياً أيضاً لأن ما يجري على صعيد هذه المفاوضات لا يمت بأي صلة الى موضوع لبنان أو مقاربة أي ملف من ملفات المنطقة. وهو أمر يفترض أن يقنع المسؤولين اللبنانيين أنه من العبث الرهان حتى الآن على استحقاقات أو محطات خارجية باتت تدفع الزعماء اللبنانيين أكثر فأكثر في اتجاه رهن مواقفهم بتلقف إرادة الخارج في انتخاب رئيس للجمهورية، في حال توافرت هذه الإرادة في وقت ما أو في اتجاه الدفع نحو اتفاق جديد على غرار اتفاق الدوحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق