سياسة لبنانية

لماذا أسقط الحريري عون من حساباته الرئاسية وعادت العلاقة الى نقطة الصفر؟!

لوهلة أولى، وفي فترة من الفترات، بدا الرئيس سعد الحريري متقبلاً لفكرة أن يكون العماد عون رئيساً للجمهورية. ومن لقائهما السري في باريس عشية تشكيل حكومة سلام الى لقائهما العلني في بيت الوسط عشية مغادرة الحريري لبنان للمرة الثانية بعد عودة مفاجئة وإقامة قصيرة، مساحة سياسية مشتركة ومسافة زمنية كانت كافية لتطبيع العلاقة بين الرجلين وتمتين أواصر صداقة شخصية وسياسية لم تكن موجودة من قبل… ولكن شهر العسل لم يدم طويلاً وحدث تصدع وتوتر في العلاقات وعادت لغة التخاطب السياسي الى ما كانت عليه قبل حكومة سلام. والأبرز أن المستقبل نعى حظوظ عون في الرئاسة وأسقط هذا الخيار نهائياً من حساباته وسار بالتمديد للواء ابراهيم بصبوص في مديرية قوى الأمن الداخلي توطئة لتمديد أمر واقع للعماد جان قهوجي في قيادة الجيش، ضارباً عرض الحائط موقف عون ومطلبه في تعيين قائد جديد للجيش هو العميد شامل روكز… ما هي الأسباب التي أدت الى هذا التبدل في حسابات المستقبل وفي علاقته مع عون؟!… ثمة تحليلات وآراء متعددة في هذا المجال أبرزها:
1- الرئيس سعد الحريري من الأساس غير متحمس لمشروع وصول عون الى رئاسة الجمهورية وغير مقتنع به. وهو أقام حواراً معه من أجل أهداف وتفاهمات محددة وأخذ من الحوار ما يهمه: حكومة وتعيينات وخطة أمنية. والحوار توقف عند عتبة قصر بعبدا وأخذ في التراجع بموازاة تنصل الحريري من مسؤولية الموقف ورميه كرة الرئاسة الى الملعب المسيحي.
لم يأخذ عون بالنصائح التي أسديت له لأن يكون حذراً مع الحريري ولعدم الرهان عليه وعلى تأييده له في انتخابات الرئاسة. حتى أن عون في مرحلة ما بدا واثقاً بنوايا الحريري واستعداداته، ورد على المشككين بالحريري بإيجاد الأعذار له والقول عنه إنه صادق في كلامه ومشاعره ولكنه ليس قادراً على تنفيذ تعهداته.
2- الحريري أعاد النظر بأولوياته وخططه السياسية للمرحلة المقبلة تبعاً للتغيير الكبير الحاصل في المنطقة، لا سيما على صعيد تطور العلاقة بين السعودية وإيران نحو التأزم وقيام مواجهة مكشوفة في كل المنطقة ولبنان جزء منها.
قبل «انفجار» العلاقة السعودية – الإيرانية كان الحريري يضع في حساباته العودة الى بيروت والاستقرار فيها بعد غياب قسري لأربع سنوات، وكان يخطط للعودة الى رئاسة الحكومة، وحيث أن الرئيس تمام سلام هو رئيس حكومة ظرفي ومؤقت لمرحلة انتقالية تنتهي بعودة الأصيل وانتهاء مهام الوكيل… ولكن الظروف تبدلت جذرياً الى حد أنها أطاحت ظروف عودة الحريري الى لبنان وجعلت أن هذه العودة ستكون محفوفة بالمخاطر السياسية والأمنية. وإذا كانت معادلة عون – الحريري (رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة) ارتسمت لفترة عندما كان مشروع عودة الحريري الى لبنان مطروحاً، فإن هذه المعادلة سقطت مع سقوط أو تأجيل عودة الحريري الذي لم يعد مهتماً بإجراء صفقة أو مقايضة مع عون وحلفائه ولم يعد له مصلحة في الاستمرار بفكرة «عون رئيساً» طالما أن رئاسته للحكومة غير واردة في هذه المرحلة وحتى إشعار آخر…
3- حرب اليمن أحدثت انقلاباً في مشهد المنطقة وأعادت خلط الأوراق وأوجدت واقعاً إقليمياً جديداً كان لبنان أكثر المتأثرين به، لأن على أرضه يتواجد حليفان أساسيان لإيران والسعودية المتواجهتين: حزب الله وتيار المستقبل…
طرأ تغيير كبير في سياسة السعودية التي أصبحت في حال حرب مكشوفة ومفتوحة مع إيران وحزب الله. وهذا التحول في الوضع الإقليمي كان من نتائجه تشدد في لبنان، إذ لا يمكن القبول بالعماد عون حليف حزب الله رئيساً للجمهورية، خصوصاً بعد الحرب المفتوحة التي شنها الحزب على المملكة، وفي ظل علاقات مع إيران تسير من سيىء الى أسوأ… وللأسباب السياسية عينها أيضاً رفع المستقبل سداً أمام وصول العميد شامل روكز الى قيادة الجيش متذرعاً بعدم وجود رئيس للجمهورية وملمحاً الى عرض واستعداد لديه للموافقة المشروطة والمؤجلة على تعيين روكز: موافقة مؤجلة الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية ـ وموافقة مشروطة بتخلي عون عن مشروعه للوصول الى رئاسة الجمهورية، فلا الظرف والوضع الأمني الاستثنائي في عرسال خصوصاً والبلد عموماً هو الذي يدفع «المستقبل» الى رفض تغيير قائد الجيش ولا الارتياح الى أداء قهوجي وإدارته للوضع ولا اللون السياسي المسبغ على روكز بحكم الرابط العائلي مع عون… يبدو أن رئاسة الجمهورية هي العامل الأول المحرك لحسابات المستقبل مع عون. فإن أراد قيادة الجيش التي ليست فقط مركزاً عسكرياً وإنما هي مركز سياسي يضاهي رئاسة الجمهورية، على عون أن يدفع ثمن هذا المركز وهو التخلي عن رئاسة الجمهورية… فإذا انسحب من معركة الرئاسة ووافق على الانتقال الى مرحلة البحث عن رئيس توافقي وتم انتخاب هذا الرئيس صار تعيين روكز ممكناً ومتاحاً… وإذا لم يستجب عون وظل متمسكاً بترشيحه للرئاسة، لا رئاسة ولا قائد جديد للجيش لا الآن ولا في أيلول (سبتمبر) المقبل… وسيظل الوضع على حاله: شغور في مركز الرئاسة وتمديد للعماد قهوجي…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق