دولياترئيسي

الغزو الروسي لأوكرانيا يلقي بظلاله على مباحثات الاتفاق النووي الإيراني

بقيت مباحثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في منأى عن تبعات الأزمة بين موسكو والغرب في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن خبراء يخشون من أن يلقي النزاع بظلاله، عاجلاً أم عاجلاً، على مفاوضات بلغت مراحل الحسم.
تشهد أروقة فنادق فيينا مباحثات شاقة لإحياء اتفاق العام 2015. حول طاولة واحدة، يجتمع دبلوماسيو إيران وممثلو القوى المنضوية في الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين)، والاتحاد الأوروبي ذي الدور التنسيقي.
يجلس هؤلاء أيضاً، باستثناء الإيرانيين، مع الأميركيين الذين يشاركون بشكل غير مباشر في المباحثات الهادفة لإعادة واشنطن الى الاتفاق الذي انسحبت منه العام 2018، ورفع عقوبات أعادت فرضها على طهران، لقاء عودة الأخيرة للامتثال لكامل التزاماتها بموجب الاتفاق.
بلغت المباحثات مراحل فاصلة، وقد يحسم مصيرها – سلباً أم إيجاباً – خلال أيام لا أكثر، وفق المعنيين بمسارها.
ومع تصاعد حدة الأزمة الجيوسياسية الدولية نتيجة غزو أوكرانيا، أكد معنيون بمباحثات فيينا أن ما تشهده العاصمة النمسوية لن يتأثر بضجيج المعارك حول العاصمة الأوكرانية.
ثمة سابقة تدعم هذا الموقف: فقد شهد العام 2014 بداية التوتر الدولي بشأن أوكرانيا، مع إعلان موسكو ضمّ شبه جزيرة القرم. لكن ذلك لم يحل دون مواصلة إيران والقوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، المباحثات النووية وتتويجها بابرام اتفاق تاريخي في تموز (يوليو) 2015، أيضاً في العاصمة النمسوية.
حالياً، تستمر المباحثات كالمعتاد، ويجلس دبلوماسيو روسيا والغرب الى الطاولة ذاتها. لكن ما يختلف هو درجة الاستقطاب، وبلوغ التوتر الدولي مستويات لم يعرفها في 2014.
تتابع إيران ملفي المباحثات والغزو باهتمام. هي رفضت الحرب، لكنها حمّلت واشنطن مسؤولية أسبابها، في موقف يرى محللون أنه أقرب إلى روسيا، وقد يكون له تأثير في مباحثات فيينا.
ويقول الباحث الإيراني في الشؤون الدولية فياض زاهد لوكالة فرانس برس «المجتمع الدولي يرى إيران بطبيعة الحال كحليفة لروسيا في هذه الأزمة».
ويضيف بأن النزاع «يؤثر على التوافق»، ويجعل الوضع «أكثر هشاشة».
تدخل الأزمة الأربعاء يومها السابع وروسيا لمّا تحقق مكاسب ميدانية كبرى، على عكس ما كان متوقعاً نظراً لتفوقها العسكري مقارنة بالجيش الأوكراني.
ويحذّر المحلل الإيراني رضا نصري من أن إطالة أمد الحرب سيزيد التوتر في فيينا. وقال، بحسب وكالة «إسنا»، إنه «في حال تسببت الأزمة بكارثة انسانية، مواجهة عسكرية بين الغرب والروس، سيصبح التعاون في فيينا مهدداً».

سعر النفط

تعد روسيا من أبرز مصدّري موارد الطاقة خصوصاً النفط والغاز الطبيعي. وبعد الغزو، ارتفعت أسعار النفط الى مستويات لم تعهدها منذ سنوات.
وساهمت العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو والتلويح بفرض مزيد منها، في زيادة الاضطراب في أسعار الطاقة.
هل يؤثر هذا الأمر على المفاوضات؟ لا مفرّ من ذلك، بحسب محللين.
ويرى الباحث في مجموعة «أوراسيا غروب» هنري روم، إن ارتفاع النفط «سيضغط على الحكومات الغربية، خصوصاً الأميركيين، لانجاز الاتفاق سريعاً».
عودة واشنطن الى الاتفاق، وبالتالي رفع عقوباتها خصوصاً عن قطاع النفط، ستتيح عودة الخام الإيراني الى الأسواق بما يزيد العرض ويخفض الأسعار.
لكن روم يرى أن إيران قد تكون راهناً، أقل عجلة من الغربيين لإحياء الاتفاق.
وعكست التصريحات الإيرانية في الأيام الماضية، تمسّك طهران بـ «خطوط حمر» خصوصاً في ملفي رفع العقوبات وضمان عدم تكرار الانسحاب الأميركي.
وشدد المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده على أن واشنطن «سبق وأدارت ظهرها لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق). علينا التأكد من أن ذلك لن يتكرر مطلقاً».

خط النهاية؟

تصر إيران على طلب آخر مثير للجدل: إغلاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف العثور على مواد نووية في مواقع لم تصرّح عنها طهران مسبقاً.
وأبدى المدير العام للوكالة الأممية رافايل غروسي مراراً عدم رضاه عن تفسيرات إيران في المسألة التي استحالت محور تجاذب أساسي في فيينا.
وأكدت المفاوِضة البريطانية ستيفاني القاق الثلاثاء رفض الدول الأوروبية «أي محاولة للتأثير على استقلالية الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وأتى ذلك في أعقاب تحذير نظيرها الفرنسي فيليب إيريرا من أن إيران «تلعب بالنار»، مؤكداً ضرورة عدم الذهاب «أبعد مما يجب» في المطالب.
بدأت المباحثات في نيسان (أبريل) وعلّقت في حزيران (يونيو)، واستؤنفت مجدداً في تشرين الثاني (نوفمبر). ويؤكد الغربيون ضرورة الاسراع في انجازها في ظل تسارع أنشطة إيران النووية.
وأكدت الخارجية الفرنسية وجود «ضرورة ملحّة» لانجاز الملف هذا الأسبوع، بينما حذّرت الخارجية الأميركية من ترك طاولة المباحثات «اذا أبدت إيران عناداً».
أكد الطرفان الأساسيان، أي إيران والولايات المتحدة، أن لكل منهما خطته البديلة في حال فشل التفاوض، ما قد يعني عملياً انهيار الاتفاق بكلّيته.
لكن محللين يستبعدون أن تذهب الأمور في هذا المنحى، خصوصاً وأن النزاع في أوكرانيا قد يدفع نحو مساومة أكبر.
ويعتبر روم أن النزاع «قد يزيد من شكوك إيران بشأن ما اذا كان الغرب مستعداً فعلاً لترك المباحثات والاستغناء عن زيادة كميات النفط الخام الإيراني في الأسواق، في وقت ترتفع أسعار النفط و(يسود) عدم يقين جيوسياسي مهم».

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق