سياسة لبنانيةلبنانيات

احداث غزة قلبت كل المقاييس وجمدت الملفات الداخلية وانتخاب رئيس

تصدر الهجوم الذي شنته حماس على الداخل الاسرائيلي واجهة الاحداث، وجمد كل الملفات الداخلية المطروحة على الطاولة. والسؤال اليوم ما هي انعكاسات هذا الحدث الكبير على لبنان؟ مما لا شك فيه ان هذا البلد يدعم الفلسطينيين. وقد دفع الكثير من الاثمان الباهظة في سبيل هذه القضية وعلى مدى اكثر من نصف قرن، وكثيراً ما كان وحده في الساحة، يدافع عنها. اما اليوم وهو غارق في ازمات اصغرها قاتل من مصلحته ان يستمر في الدعم وينأى بنفسه عن الحرب. فاللبنانيون الذين يعانون ما لا قدره لهم على تحمله، غير قادرين على تحمل تبعاتها في هذه الظروف الصعبة التي يجتازونها.
ما جرى منذ صباح امس مقلق للغاية. ففيما بقيت كل الجبهات هادئة، وحدها جبهة الحدود اللبنانية تحركت واطلقت المقاومة قذائف مدفعية على مراكز اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وغيرهما من المناطق التي تحتلها اسرائيل والتي ردت بقصف مماثل استهدف المواقع التي اطلقت منها القذائف، وما لبث الوضع ان هدأ. تدخل المقاومة كان مدروساً بعناية كبيرة. فهي تدرك جيداً الوضع اللبناني المهترىء ويبقى القلق من ان تتطور الامور الى وضع غير محسوب وينزلق البلد في الحرب لذلك طرح بعض الجهات السؤال: هل ان لبنان قادر اليوم على تحمل تبعات هذه الحرب، وهل في استطاعة اللبنانيين مواجهة نتائج اي حرب تدور على ارضهم وهم يعانون من ضائقة معيشية غير مسبوقة؟
اطلاق القذائف بدا في المرحلة الاولى انه محدود، واقتصر على ضرب المواقع الاسرائيلية في اراضٍ لبنانية محتلة، الا ان ما اعقب ذلك من تصريحات من الجانب الاسرائيلي، يؤشر الى احتمالات خطيرة، وقد تكون مقدمة لاستخدام الساحة اللبنانية في المعركة. فقد طلب الجيش الاسرائيلي من سكان المستوطنات في شمال اسرائيل اخلاء منازلهم خلال 48 ساعة وهذا يعني ان الامور متجهة الى التصعيد، الا ان ذلك لا يعني ان جر لبنان الى الحرب واقع حتماً، طالما ان الامور ليست في يد اسرائيل هذه المرة وهي تحاول بشتى الطرق وتستغيث بالخارج للحؤول دون فتح جبهات جديدة وتصبح عندها عاجزة عن المواجهة. وهي حالياً واقعة تحت هول الصدمة وضائعة. كيف لا وجيشها منهار تحت وطأة الضربات الفلسطينية وقتلاها وجرحاها بالالاف والاسرى باعداد كبيرة يقبعون في انفاق غزة كما قالت مصادر حماس. لذلك تدخلت الولايات المتحدة لانقاذ حليفتها واجرت الادارة الاميركية ووزير خارجيتها انطوني بلينكن اتصالات مشدداً على عدم فتح الجبهة اللبنانية.
ازاء هذا الوضع الخطير الا يجدر بالسياسيين اللبنانيين ان يتضامنوا ويسارعوا الى انتخاب رئيس للجمهورية يتبعه تشكيل حكومة قادرة وفاعلة وبعيدة عن كل الاصطفافات، تعيد بناء الدولة لتتمكن من مواجهة التطورات الخطيرة المتلاحقة في الداخل وفي المنطقة ككل. فالاحداث ضاغطة ولم تعد تحتمل التأجيل. ان ذلك كان يتم لو كان في لبنان رجال على قدر المسؤولية ويتمتعون بالكفاءة والوطنية ولكن مع الاسف هذا متعذر في الزمن الحالي.
الى اين وصلت الوساطات الخارجية للتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية؟ ان الوساطة الفرنسية، وبعدما اعلن الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان التخلي عن مبادرة بلاده والدعوة الى الخيار الثالث، تراجعت الوساطة الفرنسية ولم يعد معروفاً ان كان لودريان سيعود الى بيروت مرة جديدة وماذا يمكنه ان يحمل معه، بعدما استنفد كل جهوده دون ان يحقق خطوة واحدة الى الامام. لذلك حلت المبادرة القطرية محل الوساطة الفرنسية، وقد يعول عليها لان قطر تملك من الاوراق اكثر بكثير مما تملكه فرنسا. فهي قادرة على محاورة الجميع، حتى مع ايران التي لها دور كبير في لبنان عبر حزب الله، وقد نجحت في التوسط بين الولايات المتحدة وايران وحققت تبادل الاسرى. كما ان لها علاقات طيبة وجيدة مع مختلف الاطراف، فهل يمكن ان تنجح حيث فشل الفرنسي؟ ان العقدة الوحيدة الباقية هي اقناع حزب الله بالتخلي عن ترشيح سليمان فرنجية واللجوء الى الخيار الثالث، وعندها يصبح الحل في متناول اليد، خصوصاً وان المعارضة والمستقلين والتغييرين اعربوا عن قبولهم بهذا الخيار، فهل تتراجع الممانعة عن تمسكها بخيارها بعدما فقد التأييد؟ بالطبع ان لذلك ثمناً فما هو، وهل يعلن الممانعون عنه للعودة الى التفاهم؟
في هذا الوقت ورغم احداث غزة المصيرية، يواصل المندوب القطري ابو فهد بن جاسم آل ثاني جولاته على رؤساء الكتل النيابية والمعنيين بانتخابات الرئاسة، ورغم السرية التي تحاط بها اتصالاته علم انه سيطرح بعض الاسماء، تمهيداً للتوصل الى اتفاق على اسم حيادي ونظيف، بعيد عن كل الاصطفافات القائمة على الساحة، فيتولى مع حكومة قادرة اعادة البلد الى الطريق السليم. ان كل ذلك يصبح وارداً في حال تجاوب الداخل، ولكن اذا بقيت المواقف المتشنجة على حالها فلا امل باي حل. المفتاح في ايدي اللبنانيين فهل يقدمون؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق