بوتين لا يملك عصا سحرية والاقتصاد الروسي متعثر

لا شك في انهم قلة في روسيا، الذين يتجرأون على القول لا لفلاديمير بوتين. أحد هؤلاء هو الكسي كودرين، وزير المالية السابق، الذي استقال من الحكومة لعدم موافقته على سياستها التمددية، لكنه ظهر في نيسان (ابريل) الماضي، في الماراتون السنوي الذي يجيب فيه بوتين على اسئلة الناس، تلفزيونياً. وامام نصف روسيا وسمعها تجرأ كودرين على ان يتهم الرئيس بالكذب، عندما يقول ان الازمة العالمية هي سبب الإنكماش الذي يصيب الإقتصاد الروسي. فرد عليه وزير المالية السابق، امام كل الشعب: «لا بل ان الأسباب الحقيقية هي داخلية».
وشرح كودرين، ان روسيا في حاجة الى اصلاحات، لإعادة تحريك الإستثمارات وزيادة طاقتها على المنافسة وان رجال الأعمال في حاجة الى ان يطمئنوا على المستقبل السياسي في البلد. فكان تصريحاً «وقحاً» آخر يدلي به كودرين، الذي كان شارك في التظاهرات الشعبية التي اجتاحت شوارع موسكو. ورد عليه بوتين: «كنت أفضل وزير ممكن للمالية، ولكنك لا تستطيع ان تكون أفضل وزير للشؤون الإجتماعية».
وكانت الأولوية لفلاديمير بوتين منذ ايامه الأولى في الكرملين، استقرار البلد وعهده هو، فتدفع الأجور وتعويضات التقاعد في الموعد المحدد. وتتم زياده الأجور على حساب الإنتاجية.
عصا سحرية
وأما اليوم، وبعد ان تراجعت مداخيل النفط، امام الازمة العالمية، يعترف بوتين: «ليس هناك اية عصا سحرية، تستطيع تغيير الوضع الراهن، بضربة واحدة». بينما تحليلات خبراء الإقتصاد صريحة، وتستعيد اقوال كودرين: ضد التباطؤ لا بد من الإصلاحات، عصا سحرية ام لا. انها ليست الطريقة التي ينوي الرئيس بوتين سلوكها.
ففي الفصل الأول من السنة، وبعد ان رأى النمو يتراجع الى معدل 1،6 في المئة، تجرأ الإقتصادي اندريه بيلوسوف، على التلّفظ للمرة الأولى بكلمة «انكماش»، فقال: «ان امام روسيا 5 سنوات لتحقيق اصلاحات بنيوية، قبل ان تتبدل معادلات الطاقة في العالم، وتجر معها انخفاضاً في اسعار النفط، تتراوح بين 20 و30 في المئة».
ومنذ أسبوعين، وعندما فاجأت حسابات الفصل الثاني من السنة بنمو توقف عند حدود 1،2 في المئة، بسبب انخفاض الإستهلاك، عادت صفارة الإنذار تدق، وعنونت فتيدو موستي: «ان روسيا على شفير الإنحسار الإقتصادي».
الحلول الصحيحة لا نجدها في الماضي، ففي سنة 1998، خرجت روسيا من أزمتها التي شملها تخفيض قيمة الروبل، بفضل زيادة الإنتاج الداخلي، الذي حل مكان المواد المستوردة.
وفي سنة 2008، كانت موارد الغاز والبترول، هي التي ساعدت الدولة الروسية على دعم عملتها الوطنية، وبنوكها وشركاتها.
وأما اليوم فإن آفاق سوق البترول لا تسمح لروسيا بالإعتماد على هذا المورد لوحده، بينما الدفع الذي نتج عن تحول الإقتصاد نحو المركزية يحتاج الى نموذج جديد.
ايفان تشاكاروف كبير الإقتصاديين في «رينيسانس كابيتال»، يسمي ما يحصل بـ «فخ الدخل المتوسط»، وبالتفصيل عندما تبلغ دولة من الدول معدلاً معيناً من الازدهار، عليها النمو في سرعة على مستوى المؤسسات، والبنى التحتية، والعلم، والتكنولوجيا، من أجل بناء اقتصاد يقوم على المعرفة وتفادي تباطؤ النمو.
النصائح المفيدة
النصائح المفيدة لا تنقص فلاديمير بوتين، ولكن الرئيس الروسي، المتردد في تنشيط الليبرالية السياسية والمتخوف من قيام انشقاقات في صفوف النخبة التي تدعمه، يبدو عاجزاً عن «ترجمة الالتزام في التحديث الإقتصادي، في سياسات تؤدي الى تغيير حقيقي في الوضع على الأرض». ويشرح صاحب هذه النظرية بيتر روتلاند، استاذ السياسات الحكومية في جامعة وسليان، ان فلاديمير بوتين، يعتمد على الجهاز الإداري، الذي يضم في خلاياه بؤر البيروقراطية والفساد. ويفضل الحديث عن منشطات للإقتصاد وليس عن اصلاحات وعن اعادة توزيع موارد واستثمارات يوجهها النظام بواسطة رجال الأعمال التابعين له وليس عن حرية عمل المؤسسات والشركات. واما على الصعيد المالي، فإن مجال المناورة امام البنك المركزي الروسي، لإعادة تنشيط الإقتصاد مقيد بالتضخم، الذي ما زال في حدود 6،5 في المئة.
وأما البرنامج الذي وافقت عليه الحكومة في تموز (يوليو)، على صعيد المشاريع: 13،6 مليار دولار من المشاريع الكبرى، فإنه يشمل شبكة طرقات تحوط بموسكو، وقطاراً سريعاً يربط موسكو بفازان، وتحديث خط القطار الحديدي عبر سيبيريا، ولكن الكساندر موروزوف، رئيس فريق الخبراء الإقتصاديين في بنك HSBC روسيا، يرى انه «مجهود لتفادي الإنزلاق في المراوحة، من دون مواجهة المشاكل البنيوية، خصوصاً ان الخطة تقول: بتخصيص 86،5 مليار دولار من الصندوق، للمحافظة على التحسن الإجتماعي الذي تحقق. بينما الأفضل هو تمويل المشاريع، ببيع أسهم بوند في الأسواق. في حين تؤلم أكثر من مواطن الأموال الطائلة التي تصرف على تمويل تطوير منتجع سوتشي. الذي سيستقبل الأولمبياد الشتوي الأكثر كلفة في التاريخ. بينما لم يجد بوتين المال الكافي، لبناء اوتوستراد بين موسكو، وسان بترسبورغ بطولص 700 كلم.