رئيسيسياسة عربية

لماذا تنصل الحزب من «اعلان بعبدا»؟

كيف تم الاتفاق على اعلان بعبدا؟ ولماذا يتنصل «حزب الله» منه الآن بعد مرور اكثر من سنة على اقراره في اجتماع هيئة الحوار في 11 حزيران (يونيو) عام 2012، وما هي الاسباب والاعتبارات وكيف يمكن مواجهة هذا التصرف من قبل بعض اعضاء هيئة الحوار؟

يروي احد اعضاء الهيئة انه في اجتماع 11 حزيران (يونيو) 2012، وبعد الانتهاء من مناقشة المواضيع والبحث في الاستراتيجية الدفاعية اقترح الرئيس ميشال سليمان ان يصدر بيان عن المجتمعين. عارض الرئيس فؤاد السنيوره فرد الرئيس سليمان بالقول: «انه بعد كل جلسة يصدر بيان عن اهم المواضيع وابرز المناقشات»، وعدد ابرز المواقف التي صدرت في البيانات. وطلب سليمان من امانة سر الاجتماع عرض البيان على الحاضرين، وتلي البيان بنداً بنداً وادخلت عليه تعديلات لفظية وبعد الانتهاء سأل الرئيس سليمان الحاضرين: هل من ملاحظات او اعتراضات؟ فلم يعترض احد، عندها قال الرئيس نبيه بري بصوت عال «اتكلوا على الله». واذيع البيان واطلقت عليه تسمية «اعلان بعبدا». وابلغه لبنان الى الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي واصبح وثيقة من وثائق هذه الجهات الدولية والعربية. يرتكزالبيان على حياد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية تطبيقاً لسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة. إن اعلان بعبدا بات وثيقة رسمية واعلاناً يحظى بموافقة هيئة الحوار، والدليل ان المسؤولين الاجانب الذين يزورون لبنان يذكّرون الاطراف اللبنانية به وبضرورة استئناف الحوار الوطني للمحافظة على الاستقرار الذي يحظى بمظلة دولية واقليمية من اجل استمراره.

تنصل حزب الله
لماذا تنصل حزب الله من الاعلان واعتبره حبراً على ورق؟ تقول اوساط الحزب انه وافق على اعلان بعبدا لتخفيف الاحتقان السياسي، وتعزيز السلم الاهلي وتحصين الاستقرار ووأد الفتنة. ويقول النائب محمد رعد: «ان اعلان بعبدا ولد ميتاً ولم يبق منه الا الحبر على الورق». وانتقد  مسؤولو الحزب الاعلان رافضين مبدأ الحياد عن الصراعات الاقليمية لان ذلك يعني نأي لبنان بنفسه عن القضية الفلسطينية. ويلجأ الحزب الى هذا التفسير، علماً بأن النائب رعد لم يثر الموضوع في الاجتماع الذي وافق على الاعلان ولا في اليوم التالي ولا طيلة هذه الفترة رغم ما نشر في الاعلام حوله. علماً بأن الرئيس سليمان وخلال الجلسة اوضح ان الحياد لا يشمل القضية الفلسطينية ولا اسرائيل التي نحن في حال صراع معها، فالنأي بالنفس لا يشمل القضية العربية المركزية فنحن منحازون اليها والى حقوق الشعب الفلسطيني ومواقف لبنان واضحة في هذا المجال. وكانت للرئيس سليمان ايضاحات فأعلن في اكثر من مناسبة ان سياسة النأي بالنفس لا تشمل القضية الفلسطينية. اما لماذا اقدم الحزب على الاعتراض الآن؟ فيجيب احد اعضاء الهيئة ان الحزب خشي ان يشكل الاعلان مضمون البيان الوزاري كما تطالب قوى 14 اذار والمجتمع الدولي، بحيث يعتبره حجة وورقة دامغة يمارس من خلالها الضغط على الحزب، خصوصاً بعد اعلان الامين العام حسن نصرالله مشاركته في المعارك في سوريا وتأكيده في كلمته في عيد الشهيد استمراره في القتال في سوريا ومضاعفة ارسال مقاتليه لدعم النظام ومحاربة التكفيريين والارهابيين ومشاركته شخصياً اذا اقتضى الامر. وتزامن اعلان بعبدا مع قرار مجلس التعاون الخليجي وقرار الاتحاد الاوروبي بإدراج الجناح العسكري للحزب على لائحة المنظمات الارهابية ومع الحملة الخارجية على الحزب بعد تورطه في الحرب السورية وما ترك من سلبيات على الساحة، مع امتناع العرب والاجانب عن زيارة لبنان، وقد تركت هذه «المقاطعة» مضاعفات على الوضعين الاقتصادي والامني من خلال التفجيرات التي تستهدف ساحات حزب الله، لاسيما في الضاحية بعد انفجاري بئر العبد والرويس والتخوف من حصول استهدافات جديدة.

فقدان الثقة
وتقول اوساط في 14اذار ان علاقة الحزب بالأطراف السياسية اهتزت بعدما فقد ثقة معظم اللبنانيين به خصوصاً بعد قراره ارسال مقاتليه الى سوريا. لقد وقف اللبنانيون الى جانب المقاومة في حرب تموز فمكنوها من منع العدو الاسرائيلي من تحقيق اهدافه وسجّلت انتصاراً عليه. ان اهتزاز علاقة الحزب بالاطراف السياسية وصل الى اقرب حلفائه العماد ميشال عون وعُقد اجتماع في الضاحية لترميم هذه العلاقة، الا ان نتائجه لم تكن ناجحة لا بالشكل ولا بالمضمون كما تقول اوساط عونية بدليل الاستمرار في انتقاد تورط الحزب في سوريا واعلان عون ان هذه المشاركة هي مبادرة خاصة وانه لا يؤيدها، واعلن انه لم يكن يوماً في 8 اذار وانه مع الحزب استراتيجياً ضد اسرائيل اما في الداخل فهناك تباين واضح. ولم يتطرق عون الى اعلان بعبدا كما التزم الرئيس نبيه بري الصمت حياله وهو المؤيد الاول له من خلال كلمته «اتكلوا على الله»، الا ان اوساطه لا تخفي انزعاجه من عدم اشراكه في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة ورفض المبادرات التي قدمها لتسهيل التأليف، فحرد واقفل محركاته وذهب في اجازة. وتخوفت اوساط الثنائي الشيعي من عودة الثنائية بين رئيسي الجمهورية والحكومة. وردت اوساط 14 اذار بالقول: هناك مبدأ فصل السلطات وليس ضرورياً ان يشارك رئيس المجلس في اجتماعات التشاور بين رئيسي الجمهورية والحكومة للتأليف. فصلاحيات رئيس المجلس محددة في الدستور وكذلك دوره في تأليف الحكومة. واشار وزير سابق من 14 اذار الى ان الرئيس بري يحاول ان يهيمن سياسياً وان يحصر بنفسه الحركة السياسية، ويسعى السيد نصرالله الى ان يهيمن عسكرياً فيبقى الوضع ممسوكاً بقبضة الثنائي الشيعي. وترفض قوى 14 اذار هذه الخطة وتدعو الجميع الى احترام الدستور والصلاحيات المحددة فلا يتجاوز احد حدود صلاحياته او يتدخل في صلاحيات الاخرين. ويقول رئيس سابق للحكومة ان التشكيل من صلاحية الرئيس المكلف بعد التشاور مع رئيس الجمهورية. واعتبرت اوساط ديبلوماسية ان انتهاك الحزب اعلان بعبدا يقوض مفهوم الدولة وسيادتها وان مشاركته في الحرب السورية تهدد بنقل لبنان من موقع التعامل مع التداعيات الى التورط المباشر في النزاع وان الغرب يدعم سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا.

فيليب ابي عقل 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق