رئيسيسياسة عربية

كلفة الربيع العربي 800 مليار دولار حتى نهاية 2014

الزلزال السياسي والاجتماعي، الذي يسمى الربيع العربي منذ سنة 2011، انحصرت تغطيته الاعلامية في تطوراته واحداثه السياسية والعسكرية، من دون التوقف عند ذيوله الاقتصادية كثيراً. ولكن تقريراً وضعه منذ ايام المصرف  البريطاني HSBC، يعتبر ان تكاليفه على منطقة الشرق الاوسط ستوازي 800 مليار دولار. ويقدر الخبراء ان الناتج الخام الداخلي، في دول معنية مباشرة، هي مصر وتونس، وليبيا، وسوريا ولبنان والبحرين، سينخفض حتى نهاية سنة 2014، وبعد اكثر من سنتين من اللا-استقرار، في معدل 35 في المئة، نسبة الى الاوضاع التي كانت ستقوم، لو ان الاحداث المعنية لم تقع في سنة 2011.

تقول الدراسة، ان كلفة هذه الاحداث، بالنسبة الى الخسائر الانسانية (قتلى وجرحى ومعاقين) والاقتصادية، والمؤسساتية السياسية الكبيرة، ستستمر تتزايد، وتتطرق دراسة المصرف البريطاني الى الفوارق الكبرى القائمة بين دول الخليج العربي، وافريقيا الشمالية. ففي مصر، حيث ارتفعت البطالة منذ الثورة، وحيث تعتبر ماليتها العامة «كارثية»، لا يتوقع ان يتخطى النمو فيها 2،2 في المئة في هذه السنة، و3 في المئة في 2014، ويعتبر الخبراء هذه المعدلات غير كافية، لايجاد فرص عمل.
ولم تستطع تونس وليبيا، استعادة انفاسهما، وان كانت ليبيا تسعى جاهدة لاستعادة معدلات انتاجها النفطي السابق. وبالنسبة الى سوريا فان الآفاق هي اكثر سوءاً، بسبب حرب اهلية لا تنتهي تدمرها، وبدأت تنعكس اقتصادياً على لبنان.
ولكن التوقعات تتحسن عندما ينتقل الكلام الى دول الخليج العربي، باستثناء البحرين، التي عمدت الى رفع مستويات شعبها المعيشية. ويعتبر التقرير، ان دبي، ستكون من اكبر المستفيدين، من التطورات على اعتبارها الملجأ المالي، الاكثر امناً في منطقة الشرق الاوسط.

فلسطين تختنق
وبينما تختنق  فلسطين في احضان امل طويل، وخانق يكون 280 مليون شخص في محيط البحر الابيض المتوسط، (سيصبحون 400 مليون بعد عشرين سنة) ثلاثون في المئة منهم، دون الرابعة عشرة من العمر، يتخبطون في حالة من اللا-استقرار كما لم يعرفوا منذ نصف قرن. مما يجعلنا ليس امام ربيع ولا حتى مرحلة انتقالية، وانما تصفية حسابات تهدد باغراق الدول التي خرجت من طوق الاستعمار.
وفي الانتظار، انها اقتصاديات الضفة الجنوبية من البحر الابيض المتوسط، التي تغرق وتعمق مستويات الفقر والتعاسة، التي ليست في كل تأكيد السبب الاخير، للانقسامات السياسية، مع الانقسامات الدينية والاتنية والطائفية، التي تشهدها هذه المنطقة من العالم.
ففي مصر، ضاع مليون مركز عمل، بينما 80 في المئة من الشباب، دون الثلاثين من العمر، عاطلون عن العمل، ويعيش مصري من اثنين، باقل من دولارين في اليوم الواحد.
واما لبنان، فانه يعاني من انهيار سياحة اهل الخليج، ومنافسة السوريين والفلسطينيين على فرص العمل.
وفيما يقدر ان سوريا، تراجعت 35 في المئة الى الوراء يعيش اكثر من نصف ابنائها تحت مستوى الفقر. وفقدت منذ بداية الثورة 2،3 ملايين مركز عمل،  وارتفعت فيها معدلات البطالة، حوالي 50 في المئة. وبينما كان نظامها الصحي ينهار، اخضعت سوريا لنظام عقوبات، يشتمل ادوية وقطع غيار.
وفي الوقت الذي آملت الجامعة العربية، ان مؤتمر «جنيف – 2» سيعقد في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) ويكتفي الوسيط الابراهيمي بالحديث عن «محاولة»، قررت الامينة العامة المساعدة لشؤون حقوق الانسان، في الامم المتحدة، انه اذا توقفت الحرب الاهلية في سوريا، اليوم، فان اعادة اعمار البلد، تحتاج الى عشر سنوات.

ليبيا تحت رحمة الميليشيات
بينما تبقى بلاد مثل ليبيا، تحت رحمة الميليشيات المسلحة، بعد مرور سنتين على قتل العقيد القذافي، وما تزال مباريات كرة القدم في ليبيا، تجري من دون جمهور، خوفاً من اخضاعها لسلطان الكلاشينكوف. ووصل الاهلي احد ابرز فرق الكرة الليبية، الى الاعلان عن انسحابه من بطولة الكرة بسبب الاعتداءات التي يتعرض لها، من المتمردين السابقين. انها طريقته في الاحتجاج على الاعتداءات التي يتعرض لها، ففي يوم الاثنين الماضي، اصيب نجمه محمد المغربي، برصاصة في يده اليمنى، ودخل المستشفى لانتزاعها.
وتلقى لاعبون آخرون في الفريق ، تهديدات وبعد ان تعادل 1-1، مع فريق  الساحلي، خلال الاسبوع الماضي، اطلق مسلحون النار، من سيارة على لاعبيه، وتأثر مدربه المصري، حسام البدري، بما حصل، الى حد التخلي عن مهمته والعودة مباشرة الى بلاده، هارباً.
واستنتج رئيس النادي، الصاحي بورت، في حديث  الى جريدة «ليبيا هيرالد» الصادرة باللغة الانكليزية، في طرابلس: «انهم يعتدون على الاهلي، بسبب النتائج التي يحققها في البطولة».
بينما تعكس الاعتداءات على الاهلي، اكثر الذي يحصل في ليبيا، مع رفض الثوار السابقين تسليم اسلحتهم ومواصلة الحرب، لزيادة نفوذهم. فليس لديهم الوقت اللازم للاحتفال بذكرى قتل العقيد، فبنغازي، ثاني اهم مدن ليبيا التي انطلقت منها الثورة، كانت في الاسبوع الماضي، مسرحاً لقتل قائد الشرطة العسكرية، احمد البرغوتي، بعد ساعات، من مقتل جنديين، في احدى الثكنات العسكرية المجاورة. فالعنف  تحول الى قاعدة للااستقرار الذي تعيشه ليبيا، في مرحلتها الانتقالية المستحيلة، التي تميزت مؤخراً، باعتقال احدى الميليشيات رئيس الحكومة الانتقالية علي زيدان، رداً على العملية الاميركية التي ادت الى القبض على احد قادة القاعدة في طرابلس، ابي انس الليبي، فاعتبر رئيس الحكومة اختطافه  «محاولة انقلاب»، بينما يجد نفسه، عاجزاً عن تطبيق
برنامجه الاصلاحي.
 واذا كان علي زيدان، عاجزاً عن السيطرة على الشارع، فانه لا يسيطر حتى على وزرائه، بدليل ان الميليشيا التي ادعت مسؤوليتها عن اختطافه، تنشط برعاية وزيري الدفاع والداخلية، في حكومته، لضمان الامن في العاصمة.

 اغلاق الحدود
وكانت آخر بوادر التوتر السائد في البلاد، لجوء مصر الى اغلاق اهم المعابر الحدودية بينها وبين ليبيا، بعد تزايد احتجاز سائقي السيارات المصرية التي تعبر الى ليبيا، وقيل رداً على اعتقال صيادين ليبين على يد المصريين.
بينما ادى الفلتان الامني وعجز السياسة عن حل مشاكل ليبيا ما بعد القذافي، الى خلق مجالات واسعة، امام نشاط الجهادية، مثل مجموعة انصار الشريعة، المسؤولة عن قتل السفير الاميركي، كريس ستيفنز في ايلول (سبتمبر) 2012، في بنغازي. ولكن الجهادية المنتعشة في ليبيا، تبقى متفرقة الصفوف، بين تنظيمات مختلفة الاهداف .
وفي اطار الربيع العربي – الأفريقي، تعيش تونس ظروفاً امنية، تقربها من الحرب الاهلية، وسط اعتداءات متفرقة على قوى الامن، التي ترد عندما تستطيع، بكفاءة كما حصل في الاسبو ع الماضي، في دور اسماعيل التي تبعد 40 كلم جنوب غرب العاصمة.
وفي دور اسماعيل، ردت القوات المسلحة الشرعية التونسية، على مقتل عضوين في الحرس الوطني، بهجوم صاعق، ادى الى مقتل 9 ارهابيين واستسلام 4، والى اكتشاف  كميات من الاسلحة والذخائر، وانظمة رؤية ليلية، ومختبر لصنع المتفجرات  ومواد كيميائية، وصواعق.
ولماذا موقع مثل دور اسماعيل؟ ليس الامر مجرد مصادفة، فالمنطقة قريبة من جبل يمكن اعتماده ملجأ عند الضرورة، وتقع قرب قرية جبولات، المعروفة بكثافة تواجد الجهاديين الاصوليين فيها.
واكتشفت قوى الامن نفقاً طوله 10 امتار، كان يستعمل لتجربة المتفجرات. واعتبر المراقبون، ان مستودعات الاسلحة والمتفجرات التي اكتشفت في المنازل المجاورة تدل على عمق تجذر الارهاب في تونس، مما ينذر بان تكون الحرب لاقتلاعه طويلة وقاسية.

الارهاب في تونس
وكانت مصادر اشارت الى احتمال وقوع اعتداءات ارهابية في تونس، توالت بعد تصفية قاعدة دور اسماعيل وقبلها. والمتهم الرئيسي يبقى انصار الشريعة، الذين فاجأتهم عملية دور اسماعيل، فاستعاضوا عن احداث اضطرابات في مناسبة عيد الاضحى، بعمليات يوم الاحد 19 تشرين الاول (اكتوبر) وتراوح تقدير عدد الارهابيين الذين تجمعوا في دور اسماعيل وضواحيه، بين 20 و2 5.
وتدخل الطيران الحربي، في العملية التي انطلقت من اخبارية، عن استئجار مجهولين لمنزلين في دور اسماعيل قبل شهرين ونصف، جرت عندما ذهبت دورية شرطة للاستطلاع.
وكانت عملية استطلاع مماثلة، وقعت قبل شهرين، قرب الحدود الجزائرية، وفي اماكن اخرى ادت الى احداث مماثلة.
وتوقف  المراقبون، عند طاقة الارهاب الاصولي، على التحرك في اماكن عدة وفي مناطق مختلفة، في الداخل وعلى الحدود الجزائرية، مثلاً فان دور اسماعيل، لا يبعد اكثر من 40 كيلومتر اً عن العاصمة تونس، وليس المكان الوحيد، الذي شهد تحركات ارهابية، في ضواحي تونس العاصمة، فان مناطق اخرى، مثل دور هيشر، وفور تاغيس ومحمدية، تعج بالعناصر الار هابية المحتملة. كما تدل خطب الجمعة، التي يلقيها ائمة جوامع المنطقة، ويعتبر مراقبون ان ما  يحصل في ضواحي العاصمة، يترافق مع حوادث متفرقة تقع في مناطق  اخرى من البلاد، تدفع الى الاستنتاج، بأن الارهاب الجهادي متجذر في تونس، بحيث يستطيع التحرك في وقت واحد وفي مناطق مختلفة.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق