الأسبوع الثقافي

«فخامة الرئيس»… مسرحية كوميدية بامتياز لجلال خوري

على خشبة «مسرح الجميزة» في مدرسة «الفرير»، يستعيد المؤلف المسرحي والمخرج المبدع جلال خوري، عرض مسرحيته القديمة – الجديدة «فخامة الرئيس» التي عرضت للمرة الاولى، على خشبة مسرح «لاسيتيه – جونيه» في شهر تموز (يوليو) سنة 1988 باخراج كاتبها، وبالاشتراك مع الممثلين: فيليب عقيقي – جوزف طراب – اسعد حداد – كاتيا ابو دامس – فاديا معلولي – ورد الخال.
كما قدّمت في سنة 1994 بالارمنية على مسرح «دير بوغوسيان – برج حمود» من قِبَل نخبة من فناني مسرح «مترويريفان» من ترجمة ماريا غنما، واخراج نيقولا ذادوريان.  

الانسان بين الطموح والظهور
كما في الماضي، كذلك في الحاضر، فان هذه المسرحية ما زالت تحافظ على قيمتها المعنوية ونبضها، سواء في التأليف او التمثيل. فهي من المسرحيات التي لا ينتهي دورها مع اسدال الستارة، بل انها تبقى حيّة ما دام هناك مسرح، وما دام هناك مشاهد.
في ذلك الحين، كتب جلال خوري تحت عنوان «الانسان بين الطموح والظهور» ما يأتي: «أوليس الطموح الى السلطة، بشتى مظاهرها، كما حب الظهور، نوعاً من انواع التعويض عن نقص ما في شخصية الانسان؟
«القناعة لديّ لا يوافق عليها اساتذة علم النفس، إلاّ انها تلقي بالتأكيد صدى عند اصحاب الحكمة العريقة وأبناء المعرفة الدهرية».
وتابع قائلاً: «على أية حال، يكفي ان ننظر من حولنا لنتعرّف عن قريب الى اولئك الساعين الى السلطة، وما اكثرهم، السلطة إن بواسطة المنصب، او المرتبة، او وسائل التأثير، او المال، او حتى الجمال…».
ولفت جلال خوري، الى ان «مسرحية «فخامة الرئيس» ليست محاولة لتجسيد فكرة، او موقف، او نظرة اخلاقية عبر استخدام الاساليب الفنية، انها بالاحرى صياغة جمالية لظواهر اجتماعية وذهنية بشرية نعانيها كل يوم».

مسرحية كوميدية بامتياز…
«فخامة الرئيس» هي مسرحية كوميدية بامتياز، تدفع المشاهد الى الضحك والتأمل والانعتاق، من بداية العرض الى نهايته… كل شيء فيها يدفعنا الى الضحك، من السيناريو الى الحوار الى التمثيل الى مناخ المسرحية بشكل عام…
لقد اجاد جلال خوري في تصوير شخصية الفلاح اللبناني الآتي من الريف الى المدينة وهو لا يملك شيئاً من حطام الدنيا، واستطاع بوسائل مختلفة ان ينتقل من حالة الفقر المدقع الى حالة الثراء الفاحش، وصار يعتقد ان بامكانه ان يحقق كل رغباته ونزواته، سواء في تغيير اسمه، او في الزواج مرة ثانية بفتاة من عمر ابنته التي انجبها من زوجته الاولى، او حتى محاولة تحقيق طموحه بالوصول الى مركز «فخامة الرئيس»!
وقد جسّد الفنان اسعد حداد (مخول) هذه الشخصية الهزلية – الاشكالية، بشكل بارع جداً، متشاوفاً امام جميع الناس بالقول: «انا عامل حالي بحالي، عامل حالي بحالي…»!

بين الزوجة والصحافي المخادع!
كما أجاد المؤلف بتصوير شخصية (كارول) التي جسّدتها الفنانة سولانج تراك، زوجة (مخول) الباحثة في كنفه عن الوجاهة والحياة البورجوازية الرغيدة، قائلة: «أنا بحب الجخ، بحب السفر، بحب المصاري، بحب روح وإجي وكون محط الانظار…»!
وقد استطاعت سولانج تراك ان تؤدي هذا الدور.
وقام الفنان شربل زيادة بدور (فادي) الصحافي المتعيّش الذي يتردّد الى منزل (مخول) بشكل دائم، ويحاول ان يرسم له الطريق الى مركز السلطة بطريقة فيها الكثير من الكذب والخداع، من اجل ان يبتزه مالياً، بالاتفاق مع (كارول) زوجة (مخول)!

«سُكندا» و«البودي غارد»
اما الفنان بشير مارون، فقد جسّد شخصية (فاروط) بمهارة لافتة، اي دور الـ «بودي غارد» الذي سطح نجمه خلال الحرب اللبنانية، وكان له سطوة كبيرة وخيالية… مردّداً في كل حين: «بودي غارد مواكبة حماية، حماية زعما شخصيات ريّاسة…»!
اما الشخصية الاخرى التي برزت في المسرحية، فهي الفنانة نادين نعمه التي قامت بدور الخادمة (سُكندا) المغناج، التي كان يتردد اليها البودي غارد (فاروط) بحثاً عن المتعة مع (لوكاندا) – كما كان يناديها – بينما هي كانت تبحث عن العلاقة معه بطريقة شرعية، وتقول له: «شوفني بعينيك، مش بايديك…»!

عودة الروح الى المسرح اللبناني
لقد نجح جلال خوري، صاحب الافكار والرؤى التنويرية، في ان ينقل الى خشبة المسرح مشهدية هزلية قاتمة عن المجتمع اللبناني، كاشفاً لنا ما يدور في البيوت والشوارع والكواليس والنفوس… من حكايات مضحكة – مبكية، ومن اساليب ملتوية، ومن بشاعات وتجاوزات وعنتريات، وما الى هنالك من مشاهد لا تليق بشعب ظنّ – في مرحلة من المراحل – ان وطنه هو «سويسرا الشرق»!
وهكذا، بعدما مرّ المسرح اللبناني بفترة من الركود، نراه اليوم يستعيد الروح من خلال مسرحية «فخامة الرئيس» الطليعية، الحاملة في جوهرها لعبة مسرحية كاملة الاوصاف.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق