سياسة لبنانية

لقاء جعجع – عون متى؟! ومن ضمن أي إطار؟!

الحوار الجاري بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والمتقدم بخطى بطيئة ولكن ثابتة، هو موضوع اهتمام ومتابعة من الأوساط السياسية والدبلوماسية لثلاثة أسباب:
الأول: إنه يشكل معطى جديداً على الساحة السياسية، وتحديداً المسيحية التي ظلت لسنوات (منذ العام 2006) محكومة بانقسام داخلي ومشهد سياسي موزع في اتجاهين متنافرين: 8 و14 آذار. للمرة الأولى يحدث تقارب وتحاور بين القوتين المسيحيتين الأبرز بمعزل عن تحالفاتهما السياسية الأساسية. وهذا التطور تبعاً لمساره ونتائجه يمكن أن يعيد خلط الأوراق على نحو جزئي وأن يحدث تغييراً أو تحريكاً في المشهد السياسي.
الثاني: إنه يشكل عامل أو عنصر اختراق في الاستحقاق الرئاسي العالق والمؤجل والواصل الى ما يشبه الطريق المسدود. فإذا كان من إمكانية حدوث اختراق إيجابي في مسألة انتخاب رئيس للجمهورية فإنها موجودة من خلال هذا الحوار المسيحي خصوصاً بعدما وضعت الكرة الرئاسية في الملعب المسيحي ونادى الجميع في الخارج (إيران والسعودية) والداخل (بري والحريري) بضرورة وأهمية أن تتوافق القيادات المسيحية على الرئيس الجديد…
الثالث: حوار عون – جعجع يوازي ويواكب حوار المستقبل – حزب الله. ويبدو في «مضمونه الرئاسي» مكملاً له. لأن التفاهم الإسلامي (السني – الشيعي) لا يكفي لإنتاج رئيس للجمهورية إذا لم يستكمل بتفاهم مسيحي (عوني – قواتي)، وإذا صح أن المسيحيين هم الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية الوطنية، فإنهم ليسوا كذلك في المعادلة الرئاسية ومن دونهم تبقى هناك «حلقة ناقصة وضائعة»…
إذا كان حوار المستقبل – حزب الله يدور تحت عنوان رئيسي وظاهر هو «تنفيس الاحتقان المذهبي» فيما يبقى الموضوع الرئاسي عنواناً تفاوضياً خفياً وهدفاً أساسياً غير معلن، فإن حوار التيار – القوات يدور تحت عنوان رئيسي وظاهر هو «إعلان نيات» لتحديد مبادىء وقواسم مشتركة، فيما يبقى موضوع الرئاسة هو المفتاح الفعلي لهذا الحوار ومقياس النجاح والفشل، وأي حوار آخر خارجه هو حوار بدل عن ضائع وتحايل على الواقع والتفاف عليه…
وإذا كان حوار المستقبل – حزب الله يكتنفه الغموض في مضمونه ومجرياته وجدول أعماله، فإن حوار التيار – القوات يكتنفه الغموض في مساره ونتائجه… فمن الصعب أن تعرف الى أين يمكن أن يصل وماذا يمكن أن ينتج عنه… هذا الحوار خاضع لثلاثة أسئلة أساسية، وفي ضوء الإجابة الصعبة عنها يمكن تحديد مصير هذا الحوار ونتائجه:
السؤال الأول: هل الحوار بين عون وجعجع ممكن أن يستمر وأن يصل الى نتيجة وأن يكون مثمراً ومفيداً من دون أن يكون موضوع رئاسة الجمهورية بنداً أساسياً، لا بل بند أول على جدول أعماله؟!
إذا كان هدف الحوار «كسر جليد وتخفيف الكراهية السياسية وترطيب أجواء وتقطيع وقت»… شيء… وإذا كان يراد للحوار أن يكون منتجاً وهادفاً وهدفه «طي صفحة الماضي نهائياً وفتح صفحة جديدة هي أكثر من تعاون وأقل من تحالف» شيء آخر..
في الحالة الأولى تكفي «ورقة إعلان نيات»… وفي الحالة الثانية لا تكفي مثل هذه الورقة، وتكون ناقصة إذا لم تكن رئاسة الجمهورية بنداً فيها وإذا لم يحصل تفاهم على هذا الموضوع.
السؤال الثاني: هل حصول لقاء عون – جعجع مرهون بالقرار الذي سيتخذه رئيس حزب القوات اللبنانية في موضوع انتخابات الرئاسة وبأن يكون هذا القرار داعماً ومؤيداً لانتخاب عون رئيساً؟!
العماد عون لا يرى في الحوار ضرراً وخسارة له وإنما يراه يصب في تدعيم صوابية سياسته وخياراته… ولكن اللقاء مع الدكتور جعجع أمر آخر. وهو لا يتوخى اللقاء الثنائي قبل معرفة موقف جعجع الرئاسي واتخاذه موقفاً بهذا الاتجاه، يعكس استعداده وجهوزيته للسير بمسألة انتخابه رئيساً وللذهاب الى حوار ولقاء ثنائي من هذه الخلفية، وعلى أساس هذا المبدأ الذي يتكرس أو يتبدد تبعاً للتفاصيل والاتفاق على تفاصيل وترتيبات ما بعد رئاسة الجمهورية…
وأما جعجع، وفي ظل أزمة ثقة مستحكمة بين الطرفين، ليس من الضروري أن يكون رده مباشراً ونهائياً، ويكفي أن يكون أولياً ويمكن أن يكون بطريقة غير مباشرة إذا أرسل إشارات سياسية تفيد أنه مستعد للبحث والتحاور في المقابل والثمن السياسي في حال قرر تأييد عون للرئاسة، وبالتالي دخل في مثل هذا «السيناريو الافتراضي» الذي يأخذ في الاعتبار نظرة عون الى الحوار وفي أساسها أن رئاسة الجمهورية هي المفتاح وهي التي تحدد مصير الحوار ونتائجه.
السؤال الثالث: هل إذا حصل اتفاق عون – جعجع على رئاسة الجمهورية، سواء كان اتفاقاً على عون أو اتفاقاً على «الرئيس الثالث»، هل هذا الاتفاق المسيحي كافٍ لحسم الموضوع ووصول من يتفقان عليه الى قصر بعبدا؟!
مما لا شك فيه أن اتفاق عون جعجع بشأن رئاسة الجمهورية، إذا حصل، يشكل خرقاً مهماً وإحراجاً لكل اللاعبين والمهتمين الذين سبق لهم أن حثوا المسيحيين على الاتفاق وأن تذرعوا بعدم التوافق المسيحي لتبرير الفراغ المسيحي… فقد جرى تصوير الأزمة الرئاسية على هذا النحو: عون هو المشكلة والحل، هو المشكلة لأنه يقف عقبة في طريق إتمام الاستحقاق على قاعدة الرئيس التوافقي وانتخاب هذا الرئيس رهن بإزاحة عون أو بتغيير موقفه وانسحابه.. ويصبح هو الحل في حال تأمنت ظروف ومقوّمات انتخابه هو رئيساً للجمهورية وزالت العقبات وأولها العقبة المسيحية. وهذا الانتخاب وُضِع قراره في يد جعجع عملياً.
فحزب الله يكرر كل صباح ومساء أن عون هو مرشحه الوحيد للرئاسة، وبالتالي ليس لديه مشكلة في وصول عون أياً تكن الوسائل والطرق وحتى لو كان عن طريق جعجع… والرئيس سعد الحريري سبق أن نصح عون بمحاورة مسيحيي 14 آذار وإرضائهم، وصارحه بأن لديه التزامات مع حلفائه المسيحيين ومحرج تجاههم.
عملياً، الاستحقاق الرئاسي خلص الى هذه المعادلة بعد مخاض سنة: إذا كانت الرابية ممراً إلزامياً لانتخاب الرئيس وملء فراغ بعبدا، فإن معراب هي الممر الإلزامي لانتخاب عون. وبمعنى آخر يمكن القول إذا كانت طريق بعبدا تمر في الرابية فإن طريق الرابية تمر من معراب…
لكن رغم رسو الوضع على هذه المعادلة فلا شيء يضمن ويكفل أن اتفاقاً ثنائياً بين عون وجعجع سيكون كافياً لحسم موضوع الرئاسة وإنهائه: وهل يبقى حزب الله والمستقبل عند موقفهما المبدئي أم سيمشيان بما يكونان قد توصلا إليه واتفقا عليه في حوار عين التينة؟! وإذا سكت الحليفان الكبيران لعون وجعجع على مضض ورضخا لسابقة الاتفاق المسيحي والقرار المسيحي الذي يبت رئاسة الجمهورية، ماذا عن نبيه بري ووليد جنبلاط؟! ماذا عن الجميل وفرنجية؟! ماذا عن مسيحيي 14 آذار؟! فالتوافق المسيحي يكمله ويلزمه توافق إسلامي ليصبح توافقاً وطنياً يظلل رئيس الجمهورية الجديد أياً يكن هذا الرئيس…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق