حرب باردة، ام مشروع مواجهة: بوتين يوقع العقيدة العسكرية الجديدة لبلاده

ما بين «الحرب الباردة»، ومشروع المواجهة، تتراوح تقديرات وتحليلات المتابعين لما يجري على مسار العقيدة العسكرية الجديدة التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والتي يراها البعض من المحللين بانها «البيان العسكري رقم واحد»، نسبة الى الخطوات التي قطعها في مجال التفكير بالمواجهة والاستعداد لها، واعتبارها امراً محتماً.
فقد نشر الكرملين النسخة الجديدة للعقيدة العسكرية لروسيا التي أقرها الرئيس فلاديمير بوتين، والتي تَعتبرُ حلف شمال الأطلسي (الناتو) تهديداً أساسياً لأمن البلاد، وذلك بعد أيام من اتخاذ أوكرانيا خطوات جديدة للانضمام إلى الحلف.
وتنظر العقيدة الروسية الجديدة بقلق إلى تعزيز القدرات الهجومية لحلف شمال الأطلسي على أبواب روسيا مباشرة، والإجراءات التي اتخذها لنشر منظومة شاملة مضادة للصواريخ، إلا أن النسخة الجديدة أبقت على الطابع الدفاعي للعقيدة العسكرية الروسية، مع التشديد على عدم التدخل عسكريا، إلا بعد استنفاد كل الحلول «غير العنيفة».
وأدرجت العقيدة العسكرية الروسية كذلك مفهوم الردع غير النووي، إلا أنها احتفظت لنفسها بالحق في استخدام ترسانتها النووية إذا ما تعرضت هي أو أحد الحلفاء لعدوان، أو في حال وجود تهديد لوجود الدولة نفسه، ولا تتضمن العقيدة الجديدة مفهوم الهجوم الوقائي.
مهمة القوات المسلحة
وأوضحت موسكو أن إحدى المهام الرئيسية لقواتها المسلحة في وقت السلم، هي حماية المصالح الوطنية لروسيا في القطب الشمالي، التي تنازعُها عليها الولايات المتحدة وكندا. وكانت العقيدة العسكرية السابقة لروسيا التي وقعها بوتين عام 2010 قد قررت أيضاً أن توسع حلف شمال الأطلسي خطر كبير لكن المخاطر زادت كثيراً بالنسبة الى روسيا خلال العام المنصرم. وقالت روسيا هذا الأسبوع إن حلف شمال الأطلسي يحول أوكرانيا إلى «جبهة مواجهة» وهددت بقطع الصلات المتبقية معه إذا تحققت تطلعات أوكرانيا بالانضمام إلى الحلف.
كما عقد بوتين اجتماعاً مع مجلس الأمن القومي للحديث عن قضايا السياسة الدولية، والوضع الاقتصادي الحالي بعد انهيار الروبل بحسب ما أوضح الكرملين. ومن بين الموضوعات التي كانت على أجندة الاجتماع، الجولة الأخيرة من محادثات مينسك بشأن الأزمة الأوكرانية.
وجاء الاجتماع بالتزامن مع القلق الروسي من احتمال نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، وقال السفير الروسي لدى الناتو، الكساندر غروشكو، أن حلف الناتو أخطأ في استغلال الوضع في أوكرانيا لتبرير تحضيراته العسكرية، ولكن روسيا اتخذت الخطوات المناسبة للرد، على النشاط العسكري المكثف من جانب حلف الناتو.
وتأتي الصيغة الجديدة من العقيدة العسكرية لروسيا بعد الاحتجاجات المتكررة التي عبرت عنها موسكو على قرار حلف شمال الاطلسي نشر قوات في عدد من الدول الاعضاء فيه مثل بولندا او دول البلطيق التي تقع على حدود روسيا.
كما اعترضت موسكو على الخطة الاميركية الاطلسية لنشر درع دفاعية صاروخية في وسط اوروبا تعتبره موسكو موجها ضدها مباشرة.
كما يأتي نشر العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا بعد تخلي اوكرانيا الاربعاء عن وضعها كدولة غير منحازة في اجراء رمزي اثار غضب موسكو لانه يفتح الباب امام كييف لطلب الانضمام مستقبلاً الى الحلف الاطلسي.
انضمام اوكرانيا
ويتطلب انضمام اوكرانيا الى الحلف جهوداً جبارة من كييف ليصبح جيشها في مستوى معايير الحلف، بينما ما زالت دول عدة بينها فرنسا والمانيا متحفظة بشدة على هذه الفكرة.
وفي الاطار نفسه تشير الوثيقة الجديدة الى تقلص احتمال شن حرب واسعة النطاق ضد روسيا، لكنها تتضمن سلسلة من التهديدات للاستقرار التي تفاقمت في الاسابيع الاخيرة مثل النزاعات على اراض و«التدخل في الشؤون الداخلية» للدول واستخدام اسلحة استراتيجية في الفضاء.
وتدعو المبادىء الجديدة الى مشاركة فعالة في منظمات الامن الاقليمية مثل رابطة الدول المستقلة التي تضم تسع جمهوريات سوفياتية سابقة، ومنظمة شنغهاي للتعاون التي تتألف من روسيا والصين وعدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة في القوقاز.
وتؤكد العقيدة العسكرية الجديدة ان تفادي نزاع عسكري نووي او اي نزاع اخر يشكل اساس السياسة العسكرية الروسية.
وبموجب هذه الوثيقة، تحتفظ روسيا لنفسها بالحق في استخدام ترسانتها النووية اذا ما تعرضت هي او احد حلفائها لعدوان او في حال وجود تهديد لوجود الدولة نفسه.
ولا تتضمن الوثيقة اي نص عن مفهوم الهجوم الوقائي في العقيدة الجديدة خلافاً لما ذكرته بعض وسائل الاعلام الروسية.
وبين المهام الرئيسية للقوات المسلحة الروسية في زمن السلم التي وردت في الوثيقة هي حماية المصالح الوطنية لروسيا في القطب الشمالي المنطقة الاستراتيجية لمستقبل تطوير قطاع الطاقة الروسي التي تنازعها عليها الولايات المتحدة وكندا.
من جهة اخرى، تؤكد العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا ان التأثير من خلال الاعلام على الشعب الروسي يشكل تهديداً رئيسياً للامن الداخلي مع الارهاب لانه يقوض التقاليد التاريخية والوطنية للمجتمع.
وكان الرئيس الروسي اتهم في مؤتمره الصحافي السنوي الاسبوع الماضي الغرب ببناء جدار جديد في اوروبا والتصرف كامبراطورية تملي رغبتها على اتباعها، في اليوم نفسه الذي فرض فيه الغرب عقوبات جديدة على موسكو.
واتهم بوتين الولايات المتحدة وكندا بتأجيج النزاع في اوكرانيا عبر فرض العقوبات مؤكداً انها لن تؤدي الى ترهيب او عزل روسيا.
وذكر الرئيس الروسي بمحاولات من هذا القبيل استهدفت روسيا على مر التاريخ مؤكداً انه يتعين ان تكون بلاده مستعدة لمواجهة بعض الصعوبات ولتقديم الرد المناسب على اي تهديدات ضد سيادتها واستقرارها وضد وحدة المجتمع الروسي.
خطر على امن اوروبا
الى ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن سعي أوكرانيا للانضمام لحلف شمال الأطلسي يشكل خطراً على أمن أوروبا وإن الغرب يستغل مسعى للانضمام الى الحلف لتأجيج المواجهة بين روسيا وأوكرانيا.
وأثارت موافقة البرلمان الأوكراني قبل أيام على التخلي عن حالة عدم الانحياز كخطوة تمهيدية للانضمام الى الحلف الأطلسي غضب روسيا وزادت من تعقيد أسوأ مواجهة بين روسيا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة.
وأوضح لافروف أن موسكو ستعتبر منح عضوية الحلف لمثل هذه الجمهورية السوفياتية السابقة التي تتمتع بأهمية استراتيجية ولها حدود مشتركة طويلة مع روسيا تهديداً عسكرياً مباشراً.
وقال الوزير الروسي، هناك بضع دول غربية تريد بقاء الأزمة في أوكرانيا واستمرار وتأجيج المواجهة بين أوكرانيا وروسيا بوسائل منها القيام بجهود استفزازية باتجاه عضوية حلف الأطلسي.
وأضاف متحدثاً عبر التلفزيون الرسمي، ان مجرد جهود أوكرانيا للانضمام لحلف الأطلسي فكرة خطيرة ليست فقط على الشعب الاوكراني نظراً لعدم توحده وراء تلك الفكرة بل ايضا على أمن أوروبا.
من جهة اخرى أعلن زعيم الانفصاليين دينيس بوشيلين أن مجموعة الاتصال الخاصة بالأزمة الأوكرانية تعتزم استئناف مباحثات السلام في العاصمة البيلاروسية مينسك، وفقاً لوسائل إعلام.
عواصم – «الاسبوع العربي»