ليبيا: صراع الشرعية يتواصل، والميليشيات ترعب دول الجوار، ومجموعة الساحل تدعو الى تدخل دولي
يبدو ان «صراع الشرعية» لم يغب للحظة واحدة عن الساحة الليبية. ولم يبتعد كثيراً عن هموم المحيط الليبي، الذي بدا «مرعوباً» من تبعات ما يجري على تلك الارض. وفي تلك البقعة التي تحولت الى كتلة ملتهبة تحرق محيطها، وتهدد من يقترب منها.
فقد بلغ الرعب لدى دول الجوار مداه، وبلغ حد العمل على تنسيق المواقف وصولاً الى موقف موحد لـ «اتقاء شرور» ما يجري خلف الحدود، وما يتطاير شرره الى الخارج.
وعقدت مجموعات من تلك الدول اجتماعات عنوانها تنسيق المواقف لمواجهة الاخطار.
ففي الداخل الليبي تواصلت اعمال العنف، وسط حالة من الصراع حول عناصر الشرعية التي يحاول كل طرف التمسك بها. وأعلن مسؤول عسكري إن ميليشيات فجر ليبيا الإسلامية اقتحمت قاعدة جوية في أقصى الجنوب الليبي فيما تواصل اشتباكاتها غرب البلاد وشرقها، في ما يعرف بمنطقة الهلال النفطي مع قوات الجيش الليبي.
وقال المسؤول الذي لم تكشف الوكالات عن اسمه أن قوات الدرع الثالث لمدينة مصراتة التابعة لميليشيات فجر ليبيا، اقتحمت قاعدة براك الشاطىء الجوية بغية الاستيلاء على أسلحة وذخائر.
واستولت هذه الميليشيات على انواع مختلفة من ذخائر الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والتي من بينها صواريخ مضادة للدروع والطائرات والأفراد تنوي نقلها إلى شمال البلاد حيث تقود هجمات مسلحة على الجيش ومصالح حكومية واقتصادية.
حصار القاعدة
وفي الاثناء، فرضت القوات الموالية للحكومة المعترف بها من الأسرة الدولية في تلك المنطقة حصاراً على القاعدة وطالبت أفراد هذه الميليشيات تسليم اسلحتهم وما بحوزتهم من ذخائر إلى أعيان المدينة قبل مغادرتهم المنطقة.
واستهدف مقاتلو براك الشاطىء سيارة مسلحة لميليشيا فجر ليبيا، فيما تحلق مقاتلات سلاح الجو الموالية للواء خليفة حفتر على القاعدة الخالية من أي طائرات.
في الأثناء، تواصل مليشيات فجر ليبيا الإسلامية هجومها على ما يعرف بمنطقة الهلال النفطي أغنى مناطق البلاد بالنفط، فيما تتصدى قوات الجيش وسلاح الجو إضافة إلى حرس المنشآت النفطية الحكومية لهذه الميليشيا التي تريد الاستيلاء على المنطقة بحسب مسؤولين عسكريين.
وأطلقت ميليشيات فجر ليبيا على عملية زحفها باتجاه الهلال النفطي اسم «عملية الشروق لتحرير الحقول النفطية» قائلة إنها جاءت بتكليف من المؤتمر الوطني العام (البرلمان المنتهية ولايته).
وتضم منطقة الهلال النفطي مجموعة من المدن بين بنغازي وسرت (500 كلم شرق العاصمة وتتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس) تحوي المخزون الأكبر من النفط إضافة إلى مرافىء السدرة وراس لانوف والبريقة الأكبر في ليبيا.
وأعلن آمر قاعدة القرضابية الجوية العسكرية في سرت العقيد خالد الفقيه تعرض محطة بجانب مستودع للطائرات بالقاعدة لقصف جوي دون وقوع خسائر بشرية.
مرافىء النفط
ومن جهة ثانية، قال إسماعيل الشكري المتحدث باسم القوات الليبية المتحالفة مع البرلمان الذي لا يحظى باعتراف دولي في طرابلس إن القوات ستواصل هجوماً عسكرياً للسيطرة على مرافىء النفط الشرقية لكن لن تلحق ضرراً بالمنشآت.
وقال الشكري للصحفيين إنه سيكون بوسع عمال النفط العودة بعد انتهاء ما وصفها بأنها عملية عسكرية.
وتوقفت العمليات في مينائي السدر وراس لانوف أكبر مينائين لتصدير النفط في ليبيا بعدما تحركت القوات يوم السبت لمحاولة السيطرة عليهما.
وتقول الحكومة المعترف بها دولياً والتي تعمل انطلاقاً من الشرق إنها ما زالت تسيطر على المرفأين.
وضمن الصراع الدائر هناك، قتل 17 شخصاً على الأقل وأصيب أكثر من عشرة آخرين بجروح في قصف جوي على بلدة أبو كماش غرب العاصمة الليبية طرابلس قرب معبر راس جدير الحدودي مع تونس، فيما تجددت الاشتباكات قرب مرفأ السدرة النفطي شرق البلاد، بحسب ما أفاد قادة عسكريون.
قصف جوي
وقال مصدر عسكري أن 13 عنصراً تابعين لميليشيات فجر ليبيا قتلوا بينما جرح أكثر من عشرة آخرين خلال قصف جوي على نقطة أمنية كانت تسيطر عليها هذه الميليشيا في بلدة أبو كماش غرب العاصمة الليبية طرابلس قرب معبر راس جدير الحدودي مع تونس.
وأضاف أن مقاتلة تابعة لقوات اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة العسكرية نفذت الغارة الجوية لتمهد لتقدم القوات البرية الموالية للحكومة المعترف بها من الأسرة الدولية للسيطرة على معبر راس جدير الحدودي مع تونس.
وأشار إلى أن وحدات برية تابعة لعملية الكرامة التي تبنتها رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي تقدمت من الزنتان (180 كلم جنوب) واشتبكت مع عناصر فجر ليبيا الموجودين في تلك المنطقة. وقررت السلطات التونسية بحسب هذا المسؤول العسكري الليبي الذي طلب عدم ذكر اسمه، إغلاق المعبر موقتا تحسبا لأي طارىء.
وعلى الفور تبنت قوات حفتر العملية، في الوقت الذي قال فيه قائد سلاح الجو العميد صقر الجروشي انه لا بد من عودة هذا المعبر لسيطرة القوات الحكومية تمهيدا لاستعادة العاصمة طرابلس من قبضة هذه الميليشيات الإسلامية. من جهته أكد علاء حاضورة رئيس الجالية المصرية في ليبيا إن اثنين من مواطنيه قتلا جراء الاشتباكات بينما اصيب أربعة آخرون بجروح متفاوتة.
وأوضح حاضورة أن القتيلين المصريين والجرحى كانوا يعملون بمحجر بمنطقة بو كماش على الجانب الليبي من معبر راس جدير، وكان عددهم نحو 25 عاملاً.
الرعايا المصريون
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها انها تتابع ما تواتر من أنباء عن مقتل وإصابة بعض المصريين نتيجة الاشتباكات الدائرة في غرب ليبيا بالقرب من الحدود مع تونس، وذلك بالتنسيق مع السلطات الليبية والأجهزة الأمنية المصرية المعنية وتقديم كل الخدمات القنصلية المطلوبة.
ونقل البيان عن السفير عمرو معوض مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية تحذيره المصريين من عدم السفر إلى ليبيا في ظل الأوضاع غير المستقرة هناك.
وميليشيات فجر ليبيا هي ائتلاف لاسلاميين يتحدر أغلبهم من مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) سيطروا على العاصمة طرابلس منذ اب (اغسطس) الماضي ما اضطر البرلمان والحكومة المعترف بهما من الأسرة الدولية للجوء إلى شرق البلاد.
من جانبها ، قالت مبعوثة الامم المتحدة الخاصة الى منطقة الساحل إن المحادثات الرامية لحل الأزمة في ليبيا توقفت وحذرت من خطر زعزعة الاستقرار في عدة دول بالمنطقة إذا لم تحل الأزمة على وجه السرعة.
وقالت هيروت جبري سيلاسي إن عدم الاستقرار في منطقة الساحل الواسعة جنوبي منطقة الصحراء الكبرى تفاقم بسبب الوضع الهش لحكومات المنطقة وتوسع نشاط الجماعات الإسلامية المتشددة.
ومن المقرر عقد جولة ثانية من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة هذا الأسبوع رغم أن الثني تعهد باستعادة السيطرة على طرابلس بالقوة.
وقالت سيلاسي خلال منتدى أمني أفريقي في دكار «في ليبيا تتسم العملية السياسية بالركود وتتواصل الاشتباكات بين الفصائل المختلفة… إذا لم تحل الأزمة في ليبيا سريعاً فان عدم الاستقرار سيجتاح عددا من الدول في المنطقة».
الى ذلك، حذرت الحكومة الموقّتة في ليبيا برئاسة عبدالله الثني من انتشار الإرهاب في دول الجوار إذا ما تمكن مقاتلو (فجر ليبيا) من احتلال الموانىء النفطية ، مضيفة أن ذلك يقضي على كل فرص الحوار والتسوية السياسية التي يدعو لها المجتمع الدولي وتبناه مجلس النواب المنتخب والحكومة.
فك الحصار
وقالت الحكومة أن زحف الميليشيات الإرهابية باتجاه الشرق يستهدف بالدرجة الأولى فك الحصار عن المجموعات الإرهابية كـ «أنصار الشريعة» والمناصرين لها في بنغازي ودرنة، بعد تلقيها ضربات موجعة على أيدي قوات الجيش الليبي وأبناء الوطن المساندين للجيش حيث تهدف تلك الميليشيات إلى مد المجموعات الإرهابية المحاصرة في بنغازي ودرنة بالسلاح والذخائر والعناصر الإرهابية الفارة من ضربات الجيش غرب البلاد، خصوصاً بعد اقتراب ساعة الحسم في مدينة طرابلس. وأعربت الحكومة عن خشيتها من تنفيذ تلك الميليشيات ضربات انتقامية ضد السكان المدنيين وقوى المجتمع المدني التي ناصرت عمليات الجيش ضدها.
وأكد البيان أن العمليات الإرهابية تعيد إلى الأذهان أرتال وكتائب النظام المنهار التي حاولت في آذار (مارس) 2011 القضاء على الثورة الليبية في مهدها. ودعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، طبقاً لمواثيق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا، خصوصاً في ما يتعلق بحماية المدنيين، والحفاظ على المسار الديمقراطي، والتمسك بوحدة ليبيا، ومناهضة الإرهاب ومحاربته والعمل وفق التصنيف الأخير لمجلس الأمن بشأن جماعة أنصار الشريعة ومناصريها.
اما الحكومة الموازية التي تطلق على نفسها حكومة الانقاذ الوطني، والتي تعتبر الذراع السياسي لميليشيات فجر ليبيا فقد دعت جميع البعثات الدبلوماسية والشركات الأجنبية الى العودة إلى العاصمة وذلك غداة اعتداء على مقر إقامة السفير السويسري لدى البلاد.
وقالت «حكومة الإنقاذ الوطني» التي يرأسها عمر الحاسي في بيان لها «ندعو جميع البعثات والهيئات الدبلوماسية المعتمدة وجميع الشركات الأجنبية العودة إلى طرابلس ومباشرة أعمالها في ظل الأوضاع الأمنية المستقرة» على حد وصفها.
وأكدت هذه الحكومة الموازية وغير المعترف بها من الأسرة الدولية ان «جميع الرعايا الأجانب المقيمين في ليبيا تحت رعاية وحماية الدولة أسوة بالمواطنين الليبيين».
من جهتها، دعت خمس من دول منطقة الساحل اجتمعت في نواكشوط الى تدخل دولي للقضاء على المجموعات المسلحة في ليبيا حيث تسمح الفوضى بوجود معاقل للمتشددين الذين يقوضون جهود احلال الاستقرار في المنطقة.
ورحبت تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو التي تشكل مجموعة الخمس للساحل، بمحاولات الدول المجاورة لليبيا والامم المتحدة من اجل توفير شروط حوار بين مختلف الاطراف الليبية باستثناء الجماعات الارهابية المعروفة بصفتها تلك.
واضافت في البيان الختامي لقمتها انها توجه نداء الى مجلس الامن الدولي لتشكيل قوة دولية بالاتفاق مع الاتحاد الافريقي، للقضاء على الجماعات المسلحة والمساعدة في المصالحة الوطنية واقامة مؤسسات ديموقراطية مستقرة في ليبيا.
عواصم – «الاسبوع العربي»