دولياتعالم

بوتين خطط لمشروع اقتصادي خيالي مع اردوغان

الخلافات بين تركيا وروسيا حول الملف السوري، لم تمنع الدولتين من الاقتراب من بعضهما البعض في مجالات مصلحية. ويبدو ان الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب اردوغان، كشفا عن اسلوبهما في التعاطي مع مختلف الملفات وصولاً الى تعظيم العوامل الاقتصادية على ما سواها.

فالرئيسان، نجحا خلال فترة حكم كل منهما في تحقيق نهضة اقتصادية يعتد بها. وقدما نفسيهما الى شعبيهما والى العالم من زاوية انهما متعددا المواهب، ويمكنهما ادارة شؤون الدولة من اي موقع، ولكن باسلوب اجراء تغييرات في الصلاحيات وصولاً الى الامساك بزمام الامور بشكل كامل.
الرئيس بوتين، ظهر وكأنه يمتثل للدستور، عندما تحول من رئيس للجمهورية الى رئيس للوزراء. لكنه جمع كل الصلاحيات بيده كما لو انه في منصبه الاول. وعاد من جديد ليشغل المنصب عينه مسترداً كل الصلاحيات.
والرئيس اردوغان اجرى تعديلات دستورية وقانونية الحقت جميع الصلاحيات التي مارسها عندما كان رئيساً للوزراء، لتكون من اختصاصه عندما تحول الى رئيس للجمهورية.
وفي كل الحالات كان الهم الاقتصادي متقدماً على ما سواه، والى الدرجة التي جعلته يسخر كل المعطيات لخدمة ذلك الملف.

مباحثات اقتصادية
هذا ما بدا واضحاً من خلال زيارة الرئيس بوتين الى تركيا، ومباحثات الزعيمين التي وان كانت قد تناولت الملف السوري كملف خلافي، الا انها سرعان ما ركزت على الموضوعات الوفاقية، ودخلت مباشرة في مجال المباحثات الاقتصادية. وصولاً الى كم من الاتفاقيات التي تخدم مصالح الطرفين. وتنمي المشروع الاقتصادي للزعيمين.
تفصيلاً، اجرى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان محادثات في انقرة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين تهدف الى دعم التجارة بين البلدين وتعزيز العلاقات بينهما رغم الخلافات حول سوريا واوكرانيا.
واستقبل اردوغان بوتين في مستهل زيارته الرسمية التي استغرقت يوماً واحداً عند بوابة قصره الرئاسي المثير للجدل بسبب ارتفاع كلفته. والذي اثار شهية المعارضة لضربه من داخل برنامجه الاقتصادي. ومن بوابة التفكير العثماني الذي يقوم على البذخ.
وبهذا يكون بوتين الشخصية العالمية الثانية التي يستقبلها اردوغان في هذا القصر بعد البابا فرنسيس الذي زار القصر الجمعة الفائت.
وتناولت المحادثات التعاون في مجال الطاقة حيث تسعى انقرة الى خفض اسعار الغاز الذي تستورده من روسيا، وكذلك استيراد كميات اكبر منه قبل حلول فصل الشتاء. كما تناولت مسائل دبلوماسية اخرى.

مشروع طموح
وناقش بوتين الذي يرأس وفداً من 10 وزراء، كيفية زيادة حجم التجارة بين البلدين بثلاثة اضعاف ليصل الى 100 مليار في السنوات المقبلة بارتفاع من 32،7 مليار في 2013، وهو الهدف الذي يرى العديد من المحللين انه مبالغ في الطموح.
وفي قرار تزامن مع زيارة بوتين، وافق وزير البيئة التركي على بناء مفاعل اكويو للطاقة النووية بعد صدور تقرير عن تاثيره على البيئة.
وتأتي زيارة بوتين بعد اكثر من اسبوع من اخفاق محادثات بين نائب الرئيس الاميركي جو بايدن وانقرة، العضو في الحلف الاطلسي، في التوصل الى اختراق في التعاون بشان سوريا.
ويعد هذا اللقاء الاول المباشر بين الزعيمين منذ انتقال اردوغان من منصب رئيس الوزراء الى منصب الرئيس في اب (اغسطس)، وهو ما فعله بوتين في العام 2012.
ووصل بوتين في موكب رافقه جنود خيالة، ولقي استقبالاً رسمياً عند القصر الرئاسي الذي بلغت كلفته 615 مليون دولار.
ويشير معلقون الى اوجه التشابه بين اردوغان (60 عاماً) وبوتين (62 عاماً)، حيث انهما يتمتعان بشخصية كارزماتية ويتهمها الخارج بالسلطوية، الا انهما يحظيان بدعم شعبي في بلديهما.
وتقيم تركيا العضو في الحلف الاطلسي علاقات تجارية وثيقة منذ سنوات مع روسيا وذلك رغم خلافات دبلوماسية جدية حول الازمة في سوريا وفي اوكرانيا.
وعارضت انقرة المؤيدة لسيادة الدول على اراضيها خصوصاً بسبب نزاعها مع الانفصاليين الاكراد، قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم الاوكرانية هذا العام.
كما اعربت انقرة عن قلقها حول وضع اقلية التتار التركية في القرم الذين يقول ناشطون انهم يتعرضون للاضطهاد من قبل السلطات الجديدة الموالية للكرملين.

خلاف حول سوريا
وتركيا وروسيا ايضاً على خلاف حول النزاع في سوريا اذ يدعم بوتين نظام بشار الاسد بينما يطالب اردوغان برحيله.
الا ان البلدين قد يجدان الان ارضية مشتركة حول ضرورة القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية التي تسيطر على مناطق شاسعة من البلاد تصل الى الحدود التركية. يساعد على ذلك المعلومة التي تتحدث عن ان تنظيم الدولة يجند مسلمين من القوقاز الروسي للقتال الى جانبه. حيث كانت تلك النقطة واحدة من الملفات التي جرت مناقشتها. باعتبارها مشكلة امنية خطيرة لروسيا.
اما في موضوع الغاز، فقد سبق ان صرح وزير الطاقة التركي تانر يلدز خلال زيارة قام بها الى موسكو الاسبوع الماضي ان بعض المناطق التركية تحتاج في الشتاء الى 22 ضعفاً من كميات الغاز التي تستخدمها في الصيف.
وتعهدت غازبروم بزيادة عمليات التسليم هذا العام الى تركيا الى 30 مليار متر مكعب من الغاز بزيادة 26،7 مليارات متر مكعب عن العام الماضي. الا ان هذا الرقم تراجع بسبب الازمة في اوكرانيا التي تعتبر من اهم ممرات الغاز.
وفي الوقت الذي اتفق فيه بوتين واردوغان على رفع التبادل التجاري بين البلدين، فإنهما اختلفا جذرياً بشأن الملف السوري والرئيس السوري بشار الأسد.

معبر للغاز
وعَبَّرت موسكو عن توجه قوي لجعل الأراضي التركية معبراً لغازها إلى الدول الأوروبية عوضاً عن أوكرانيا. ووقع البلدان سلسلة من الاتفاقيات أبرزها بناء خط أنابيب بحري يربط بينهما عبر البحر الأسود بطاقة سنوية 63 مليار متر مكعب، بينها 14 مليار متر مكعب ستذهب إلى تركيا، وذلك بعد إعلان بوتين تخلي موسكو عن مواصلة المشروع الروسي ـــ الإيطالي لبناء أنبوب غاز «ساوث ستريم» الذي يعارضه الاتحاد الأوروبي، بسبب معارضة بلغاريا.
وأعلن بوتين زيادة كمية الغاز الروسي المصدر إلى تركيا وخفض سعره، مشيراً إلى أن روسيا قد تتعاون مع أنقرة لإنشاء مجمع للغاز الطبيعي على الحدود مع اليونان. وقال اردوغان، من جهته: وَقَّعنا اتفاقيات اقتصادية، تهدف للوصول إلى حجم تبادل تجاري يصل إلى 100 مليار دولار حتى العام 2023  بارتفاع من 33 مليار دولار حالياً.
ودعا بوتين، في مؤتمر صحافي مشترك مع اردوغان في أنقرة، إلى إيجاد حلول للأزمة السورية تكون مقبولة لدى جميع فئات الشعب، مضيفاً «أن الانتخابات الرئاسية في سوريا أثبتت تأييداً كبيراً للأسد»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر يقرره الشعب السوري».
وأضاف بوتين أن موسكو «لن تسمح بانتشار الإرهاب في سوريا، كما هو الحال في مناطق أخرى من العالم»، مشدداً على أن موسكو لا تستطيع التأثير بشكل مباشر في الأوضاع هناك، ومشيراً إلى أن «روسيا أوضحت للقيادة السورية ضرورة وقف سفك الدماء في البلاد».
من جهته، حَمَّل أردوغان الرئيسَ السوري مسؤولية الأزمة وما يترتب عليها. وأعلن أنه متفق مع بوتين على ضرورة الوصول إلى حل شامل للأزمة السورية، إلا أنهما يختلفان حول كيفية الحل. وأعلن انه أكد لنظيره الروسي موقف أنقرة من الأزمة السورية، ومسؤولية نظام الأسد عن مقتل أكثر من 300 ألف إنسان، وعدم إمكانية تحقيق أي حل للأزمة السورية في ظل بقاء الأسد.
ودعا اردوغان الى تشكيل منتدى «يعزز التضامن بين دول الجوار والمنطقة من أجل حل الأزمة السورية، من دون النظر إليها طائفياً أو مذهبياً، أو غير ذلك».

انقرة – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق