معرض «الماركيز دي ساد» يهاجم الشمس ويخرق المحرمات في «اورساي» باريس

يمكن للباريسيين اكتشاف معرض «ساد: مهاجمة الشمس» نسبة إلى الكاتب الشهير الماركيز دي ساد الذي عاش في القرن الثامن عشر وفجر معايير الأدب والفن، فألهم على مدى العصور أجيالا من التشكيليين الذين بحثوا تابوهات الجنس التي لا تقال ولا توصف وخصوصاً لا تعرض.
الكل يعرف الماركيز دي ساد، الكاتب الماجن الملعون الذي عاش في القرن الثامن عشر وتوفي في بدايات القرن التاسع عشر، عام 1815. فمن لم يسمع بـ «جوستين» من أكبر الروايات الممنوعة على مدى الزمان، والتي ساهمت في دخول كلمة «سادية» اللغة كمصطلح عن التلذذ بتعذيب الآخر خلال العلاقة الجنسية وتحويل معاناة الشريك إلى مصدر إثارة. والماركيز دي ساد هو أيضاً صاحب «الفلسفة في المخدع» و«120 يوماً في سدوم» الذي ألهم في القرن العشرين السينمائي باولو بازوليني بفيلم يحمل العنوان عينه. ولم يخلُ أثر ساد من أي تصور للحالات القصوى للجسد من خطف وقتل وتعذيب واغتصاب الرجال والنساء، دون الامتناع عن ذكر التفاصيل من عري وعرق ودم وبراز.
وانطلق معرض «ساد: مهاجمة الشمس» في متحف أورساي الباريسي، في 14 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري ويتواصل حتى 25 كانون الثاني (يناير) 2015، ضمن العديد من الفعاليات لإحياء ذكرى مرور قرنين على وفاة الكاتب ذي السمعة الملتهبة. ويقدم المعرض مجموعة من الأعمال الفنية وخصوصا التشكيلية التي تظهر الجنس في أبعد حدوده، وشدد المنظمون في تركيبة المعرض على علاقة هذه الأعمال بمقتطفات من كتابات ساد أو نيتشه في حوار يتجاوز بسط الشهوة والجنس إلى تفكير حول الحرب والسياسة والعدالة وإلى تفاوض مع المظاهر والقواعد الاجتماعية.
فالماركيز دي ساد فجر المعايير الفنية وأثر على تصورات الجسد والعشق وحفز التشكيليين على رفع أكبر وأصعب التحديات وهي إظهار ما لا يظهر ورسم ما لا يرسم، فيحذو المعرض حذو الروح «السادية» بخرق التابوهات وعرضها على الجمهور كشمس تعمي البصر.
الفيديو الـ «فضيحة»!
وكان المعرض أثار جدلاً واسعاً في فرنسا قبل انطلاقه بسبب الشريط الإعلاني الذي نشره المتحف والذي يظهر أشخاصاً عراة تتزاحم أجسادهم في كوريغرافيا من اللمس والمداعبة وتوحي ضمنياً بممارسة جماعية للجنس. وأرفق المتحف الشريط بتحذير «يحوي هذا الفيديو صوراً قد تصدم الجمهور وخصوصاً الصغار». ورأى بعض رواد الانترنت في الفيديو «فضيحة» وسارع يوتيوب بمنعه عن القاصرين، لكنه لاقى رواجاً كبيراً بلغ 150 ألف تحميل في اليوم ووجده العديد «جميلاً» و«قوياً» و«شجاعاً».
واستغرب البعض هذا الفيديو الذي لا يناسب حسب رأيهم خط المؤسسات العمومية، لكن دافع قسم الاتصال والإعلام في المتحف عن هذا العمل الفني مؤكداً أنه متلائم مع طبيعة المعرض فقال أحد المسؤولين «عندما نزور معرضاً عن ساد لا نتوقع مشاهدة أشياء تقليدية» وأشاد بالصبغة الجمالية للشريط.
«كل شيء مبالغ فيه لذيذ»
ويعرف الجمهور تأثير كتابات ساد على شارل بودلير وغوستاف فلوبير وغيوم أبولينير، فنكتشف في هذا المعرض تأثيره على الفن التشكيلي وخصوصاً في القرن التاسع عشر عبر لوحات دولاكروا ورودان ودوغا وجيريكو وسيزان. كما ألهم ساد بيكاسو والسرياليين الذين تبنوه علنا كمرجع.
فمن فراغونار إلى فرانسيس بيكون مرورا بمان رييه، تتحاور المنحوتات واللوحات والرسوم والصور الفوتوغرافية في تركيبة ذكية أعدتها آني لوبران المتخصصة في أدب ساد ولورانس كارس المتخصصة في القرن التاسع عشر. وتقول آني لوبران أن «العلاقة التي أبرزها ساد بين الشهوة والوحشية، وهي في نظره متجذرة في الإنسان، تهيمن كلياً على اللوحات». وتضيف أن «هذا المعرض هو قصة هذه الثورة التحتية» مؤكدة أنه يمكن للوحة دوغا «مشهد حرب في القرون الوسطى» أن تكون رمزاً لروح ساد ويظهر في اللوحة رجال يمتطون الخيول ويرشقون بأسهمهم نساء عاريات. فيتخذ دوغا في هذه اللوحة التاريخ عذراً لتصوير شكل من «اصطياد النساء»، وتشير لوبران إلى أن الغرائز هي التي تسير العالم وإلى يومنا هذا.
وامتنعت لوبران عن فرض أي رقابة فنرى أعمالاً تظهر أكل لحوم البشر وممارسة الجنس مع الحيوان والجريمة وتتناول مواضيع حسب تقديم المتحف «الوحشية وفرادة الرغبة والشذوذ والتطرف والغرابة والمرعب والشهوة كمبدأ أقصى لإعادة تركيب مخيلة العالم». أفلم يقل الماركيز دي ساد إن «كل شيء مبالغ فيه هو لذيذ».
فرانس 24