بيكاسو يعود الى باريس!

أعيد فتح متحف الفنان الاسباني الراحل بابلو بيكاسو في باريس يوم السبت، الذي يعد أحد أشهر المتاحف الفنية التي تحظى بشعبية في العاصمة الفرنسية، بعد خمس سنوات من الإغلاق بسبب عملية تجديد تجاوزت كلفتها الـ 50 مليون يورو وأثارت الكثير من الجدل.
ويقع المتحف في قصر يعود للقرن السابع عشر في منطقة ماريه ويضم إحدى كبرى مجموعات الأعمال الفنية لبيكاسو.
وأعيد فتح المتحف السبت الفائت في ذكرى ميلاد بيكاسو الذي ولد في ملقة في اسبانيا عام 1881 لكنه قضى معظم حياته في فرنسا إلى أن توفى عام 1973.
ووصف افتتاح المتحف بانه إحدى أكبر الفعاليات في المشهد الفني الفرنسي الراهن، إذ أنه سمح مرة أخرى بمشاهدة نحو 400 قطعة كجزء من إجمالي الأعمال الفنية التي يضمها المتحف والتي تعتبر أهم مجموعة فنية لبيكاسو في العالم.
وتأجلت مراراً أعمال تجديد المتحف الذي يضم أكثر من خمسة آلاف قطعة من اللوحات المرسومة والمنحوتات لبيكاسو إلى جانب أرشيفه الشخصي كما ثار حولها الجدل والخلافات.
وتمت إقالة آنا بالداساري التي ظلت رئيسة للمتحف لمدة تسع سنوات في أيار (مايو) بعد شجار علني مع موظفيها، كما أقيلت وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة اورلي فيليبتي من منصبها في آب (أغسطس).
بين بيكاسو وفرنسا
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في افتتاح المتحف صباح يوم السبت إن فرنسا يجب أن تستلهم من بيكاسو الحداثة والطاقة.
وأضاف «لا يمكنك بناء شيء بالحنين إلى الماضي. كان بابلو بيكاسو فناناً للمستقبل وللأمل وللتحديات. لقد حرر نفسه من قواعد الماضي. كان طليعياً وفرنسا بلد طليعي».
وتكلفت أعمال التجديد نحو 52 مليون يورو (66 مليون دولار) واشتملت على توسيع حجم المتحف ثلاث مرات وأصبح المتحف يضم 40 غرفة وبلغت مساحة العرض ثلاثة ألاف متر مربع حتى يسع الزوار الذين يتوقع أن يصل عددهم إلى مليون زائر سنوياً.
وقال لوران لوبون مدير المتحف: «إنه متحف جديد حقاً وممتلىء بالضوء، وعندما تتجول في طبقات المتحف الخمس ستندهش من الإبداع في كل غرفة».
وأضاف: «يبدو بيكاسو حياً اليوم مثلما كان دائماً، في أعماله من منحوتات ولوحات وتكوينات وخزف. فتنوع الأعمال يشكل إثارة لا تنتهي».
ووزعت المعروضات في المتحف وفقاً لترتيب زمني، فيتنقل الزائر من المرحلة المبكرة الزرقاء في حياة بيكاسو وعبر المراحل السيريالية والتكعيبية، حتى المرحلة المتأخرة من حياته.
وفي أعلى المتحف ثمة أعمال لفنانين من أمثال ماتيس وبراك ودوران وفان دونغن، وهذه القطع الفنية التي جمعها بيكاسو بنفسه من أصدقائه الفنانين، كما توجد أعمال فنية أفريقية ومن شبه الجزيرة الايبيرية التي أثرت بشدة على أفكار بيكاسو.
لم يكن يحتمل بيعها
وأنشأت فرنسا متحف بيكاسو عام 1985 كمقر يضم الآلاف من الأعمال الفنية التي كانت مازالت بحوزة الفنان عندما توفي في جنوب فرنسا، ولم تكن قد بيعت.
وأبرمت أسرة الفنان اتفاقا مع الدولة الفرنسية للسماح باستغلال الأعمال الفنية لبيكاسو بدلاً من دفع ضرائب.
وتعد مجموعة بيكاسو فريدة من نوعها في العالم لسببين، الأول أنها تعبر عن جميع مراحل حياة الفنان، والثاني والأكثر أهمية أنها مكونة من أعمال فنية كان يعتز بها بيكاسو واحتفظ بها.
وقالت آنا بالداساري، التي كانت مديرة لمتحف بيكاسو حتى وقت قريب: «ما يوجد هنا هو جزء من الأعمال التي حمل لها بيكاسو عاطفة كبيرة».
وأضافت: «لم يقبل الانفصال عن هذه الأعمال، لأنها كانت بمثابة علامات بارزة في حياته كفنان، وما يوجد لدينا هي اختياراته، والسبب في عدم بيعها أنه لم يكن يحتمل بيعها».
واختارت فرنسا قصر أوتيل دو سال ليكون مقراً للمتحف لأنه يتميز بالفخامة الملائمة، كما أنه يعود لبلدية باريس.
فضلا عن أن المعروضات الأصلية كانت في حجرات ضيقة وغير مناسبة بالكامل، ومعايير السلامة أقل من المستوى المقبول، وفي ظل وجود مشروع لبقائه مليون عام ثمة مخاوف من أن المبنى قد لا يستطيع الصمود.
ولم تخل عملية إعادة الترميم طوال السنوات الخمس من المشكلات، فكانت التكاليف أكثر من اللازم، وتأجلت إعادة افتتاح المتحف مرتين.
وفي النهاية، تدخلت الحكومة واقالت بالداساري من منصبها كمديرة للمتحف تحت خشيتها من الإحراج الدولي.
وتعد بالداساري واحدة من أهم خبراء العالم في أعمال بيكاسو، لكنها كانت تتعامل كمدير غير قابل للمعارضة، ورفض زملاؤها العمل معها، وقدموا مذكرة تطالب بإقالتها.
وتولى لوران لو بون منصب مدير المتحف الجديد، وربما لم يتمتع بموهبة المديرة السابقة، إلا أنه يعد رجلاً نظيف اليد، وأصر على بقائها للإشراف على معرض إعادة الافتتاح.
وكان ثمة بعض التعليقات السلبية في الصحف، ووجد بعض النقاد أن التغييرات في المتحف جاءت مخيبة بعض الشيء، وقال أحدهم: «هل استغرق الأمر خمس سنوات لعمل هذا؟».
واشتكى آخرون من عدم وجود علامات تعريفية بالأعمال، بناء على قرار واضح من قبل بالداساري.
وبررت بالداساري قرارها بأنها تعارض بحزم الأدلة السمعية لإرشاد الزوار وكذلك النصوص على أساس أن «الكثير من الزوار يلجأون إليها لأنهم يخافون من الفن».
وأضافت :«ينبغي توقع أن بيكاسو ما زال حياً وفاعلاً، لقد غير مجمل طريقتنا للرؤية. لذا أنظروا فقط».
بي بي سي – رويترز