الحملة ضد داعش: ديمبسي لا يستبعد التدخل البري والبيت الابيض ينفي، و«الجنرالات» مختلفون على التفاصيل

الحملة ضد داعش، بدأت منذ فترة ليست قصيرة. وحتى قبل ان يتم تشكيل التحالف الدولي. فقد بدأت الحملة اميركية، وساهمت دول اخرى بدعم بعض الجيوش في المنطقة، وخصوصاً الجيش الكردستاني البشمركة. غير ان الحملة بنسختها الجديدة تبدو مختلفة بعض الشيء بحسب ما يتسرب من معلومات بخصوصها.
فمع ان الحملة – بالنسخة الجديدة – لم تنطلق رسمياً بعد، ولم تستكمل المناقشات بخصوص تفاصيلها، بدا واضحاً ان المعلومات المتسربة تؤشر على ان الكثير من التفاصيل ما زالت موضع بحث. وان الرئيس اوباما ما زال يتواصل مع جنرالات الجيش والخبراء من اجل الاستماع الى ارائهم.
اللافت هنا ان مؤتمر باريس الذي كان من المفترض ان يوزع المهام على الدول المشاركة قد انعقد. وهذا يعني ان الخطة يفترض ان تكون جاهزة. لكنها لم تكن كذلك فعلاً، حيث تشير المعلومات المتسربة الى ان المؤتمر خصص جل وقته للاستماع الى امكانات الدول المشاركة وما يمكن ان تقدمه كل دولة. بينما يقوم الخبراء حالياً بتركيب تلك التصورات والمقترحات وصولاً الى خطة يفترض ان تكون وشيكة التنفيذ. ويفترض ان تكمل ما بدأته الولايات المتحدة عندما قررت اطلاق يد طائرات التجسس «بدون طيار» لتلاحق اركان داعش وتمارس هوايتها في صيدهم.
العمل البري
في الاثناء، وكجزء من الجدل الدائر في اروقة البنتاغون، والعديد من المؤسسات الاميركية، قال رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي «انه لا يستبعد لجوء القوات الأميركية إلى عمل بري ضد مقاتلي تنظيم داعش في العراق»، فيما اكد البيت الأبيض أن القوات البرية الأميركية لن تقوم بمهمة قتالية مؤكداً ان هذه التوصية رهن بمعطيات معينة على الارض. وانها ستتغير بتغير تلك المعطيات. وأضاف انه من المحتمل جداً أن يكون جزء من تلك المهمة تقديم المشورة في القتال على الأرض.
وعرض ديمبسي سيناريوهات محتملة، قد يكون من الضروري فيها القيام بدور أكبر، ومن ذلك مصاحبة قوات أميركية لقوات عراقية أثناء هجومها على معاقل داعش بمدينة الموصل شمالي العراق.
ورداً على تصريحات ديمبسي، قال البيت الأبيض إن المستشارين العسكريين للرئيس الأميركي باراك أوباما يجب أن يقوموا بالتخطيط لاحتمالات كثيرة، مؤكداً على أن أوباما لن يرسل قوات أميركية للقيام بدور قتالي في العراق أو سوريا.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست إن ديمبسي «كان يشير إلى سيناريو افتراضي من المحتمل أن ينشأ في المستقبل لوضع قد يقدم فيه توصية تكتيكية إلى الرئيس في ما يتصل بالقوات البرية.
جدل حول المشاكة
في السياق عينه، التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما – الأربعاء – جنرالات الجيش الذين يخططون للحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وسط جدل داخل الولايات المتحدة بشأن حدود المشاركة العسكرية الأميركية في هذه الحملة.
واجتمع أوباما ورئيس القيادة الوسطى الجنرال لويد أوستن في مقرها بفلوريدا لتقييم كيفية تطبيق الجيش إستراتيجيته لمكافحة التنظيم الإسلامي التي أعلنها الأسبوع الفائت.
وباشرت الطائرات الأميركية المقاتلة في العراق تنفيذ تعهد أوباما بتوسيع تفويض الجيش الأميركي في مطاردة مقاتلي التنظيم في العراق، حيث نفذت ليل الاثنين الغارات الأولى في الحملة المشددة في محيط بغداد.
وصرح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست بأن أوباما طلب زيارة قاعدة ماكديل الجوية حيث مقر القيادة الوسطى، مضيفاً أن الرئيس «ينوي مناقشة خطة تشكيل ائتلاف دولي لإضعاف تنظيم الدولة الإسلامية وتدميره».
كما يلتقي أوباما – الذي سيلقي كلمة أثناء زيارته القاعدة – ممثلين كباراً لدول تنتمي إلى مسرح عمليات القيادة الوسطى، التي تشمل حزام الاضطرابات من جنوب آسيا إلى وسطها ثم الشرق الأوسط. وأكد إيرنست أن «الكثير من هذه الدول سيلعب دوراً مهماً في الائتلاف الدولي الذي سيقوده الرئيس ضد تنظيم الدولة الإسلامية».
وتأتي تحركات أوباما وسط جدل داخل الولايات المتحدة بشأن الحملة التي تقودها واشنطن ضد تنظيم الدولة، ومن بين ذلك مسارعة البيت الأبيض إلى الرد على تصريحات لرئيس هيئة الأركان أمام مجلس الشيوخ أشار فيها إلى احتمال مشاركة عسكريين أميركيين في القتال البري ضد تنظيم الدولة بالعراق، مؤكداً قرار الرئيس بعدم نشر قوات برية.
الضربات الجوية
الى ذلك، أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أمام مجلس الشيوخ أن الضربات الجوية التي تنوي واشنطن شنها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا ستستهدف معاقل التنظيم ومراكزه القيادية وشبكاته اللوجستية.
وقال هيغل امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ان «هذه الخطة تتضمن استهداف معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والتي تشمل مراكزه القيادية وقدراته اللوجستية وبناه التحتية».
الا ان رئيس هيئة الاركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي قال في الجلسة ان عمليات القصف لن تكون مماثلة للغارات الواسعة النطاق التي صاحبت بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003، والتي وصفها القادة في ذلك الوقت بأنها حملة لإحداث «الصدمة والرعب» بين صفوف قوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وأضاف ان هذه الهجمات «لن تشبه الصدمة والرعب لأنها لا تناسب طريقة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها ستكون هجمات مستمرة ودائمة».
ويعمل نحو 300 مستشار عسكري أميركي حالياً مع القوات العراقية النظامية لمساعدتها على القتال ضد التنظيم المتطرف، كما من المقرر إرسال 300 مستشار عسكري اخر خلال الايام المقبلة.
وفي ما يتعلق بالتحالف الدولي، قالت دول عدة انها تؤيد التحالف الذي تأمل الولايات المتحدة تكوينه لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا لكن أغلبهم لم يوضح الصورة فيما يتعلق بالدور الذي قد يلعبه كل منهم.
وأشارت فرنسا إلى أنها ستنفذ ضربات جوية في العراق وترسل قوات خاصة اليه للمساعدة في توجيه الطائرات ولتدريب القوات المسلحة العراقية. وتزود فرنسا أيضاً الاكراد بالسلاح، فيما اعتبرت بريطانيا أن أي ضربات جوية في سوريا ستكون معقدة. ولم تستبعد أي خيارات عسكرية لكنها لم تعلن صراحة ما اذا كانت ستشارك في الضربات الجوية في العراق.
وفي ما يتعلق بالألمان، فإنها نكثت بالوعد الذي قطعته على نفسها عقب الحرب العالمية الثانية ألا تشارك في حرب وذلك بموافقتها على تزويد الاكراد بالسلاح، إلا إنها استبعدت شن ضربات جوية بسبب موقفها التاريخي المناهض للحرب منذ نهاية الحرب العالمية.
واستبعدت تركيا المشاركة في المجهود الحربي، حيث تخشى أن تعرض مشاركتها أرواح أكثر من 40 مواطناً تركياً يحتجزهم مقاتلو الدولة الإسلامية للخطر.
المشاركة العربية
أما عربياً، فلم تعلن الدول العربية حتى الان ما اذا كانت ستشارك عسكرياً في التحالف وهو أمر يعتبره الغرب ضرورياً لتفادي تدخله الذي ينظر اليه على أنه حملة صليبية غربية جديدة في الشرق الاوسط. ومن المستبعد أن تشترك دول عربية في أي عملية برية حتى تلك الدول التي تملك قدرات في التصدي لحركات التمرد مثل مصر والاردن. وقالت واشنطن ان السعودية ستستضيف تدريب قوات المعارضة التي يدعمها الغرب في سوريا.
وشنت القوات الأميركية للمرة الاولى ضربة جوية بالقرب من بغداد في اطار توسيع عملياتها القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولاقت ترحيباً من السلطات العراقية.
وأعلن مسؤول عسكري عراقي رفيع المستوى أن الغارة الأولى التي نفذتها القوات الجوية الأميركية ضد «الدولة الإسلامية» قرب بغداد اصابت هدفا لهذا التنظيم المتطرف في منطقة صدر اليوسفية (جنوب غرب العاصمة) واصفاً الضربة بانها «مهمة» ومشيراً إلى تنسيق مع الأميركيين لتحديد الاهداف.
وتقع منطقة صدر اليوسفية على بعد 25 كلم من وسط مدينة بغداد وهي احد اقرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية إلى العاصمة العراقية. وكان مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية اعلن في وقت سابق ان مقاتلات أميركية نفذت غارة بالقرب من بغداد واخرى بالقرب من سنجار في شمال العراق.
وادت الغارتان إلى تدمير ست عربات تابعة للتنظيم بالقرب من سنجار بالاضافة إلى موقع قتالي جنوب غرب بغداد كان يستخدم لقصف القوات العراقية. وبذلك يرتفع عدد الغارات الأميركية في مختلف انحاء العراق إلى 162 غارة.
تحذير اممي
في غضون ذلك، حذر خبراء الامم المتحدة الذين يحققون في جرائم الحرب بسوريا القوى العالمية التي تستعد لعمل عسكري ضد مقاتلي الدولة الإسلامية من أن «قواعد الحرب» ستسري عليهم وان عليهم فعل كل ما يمكن لحماية المدنيين.
وقال المحققون ان الدولة الإسلامية التي تسيطر على مناطق كبيرة في العراق وسوريا ارتكبت مذابح دينية وضد جماعات عرقية وانتهكت حقوق النساء. لكن تظل حكومة الرئيس السوري بشار الاسد مسؤولة عن غالبية المدنيين الذين سقطوا قتلى. وأعطت القوى العالمية التي اجتمعت في باريس مساندتها للقيام بعمل عسكري ضد مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق.
وقالت القيادة العسكرية المركزية الأميركية إن الجيش الأميركي شن غارات على هدف للدولة الإسلامية جنوب غربي بغداد في توسيع لحملة الرئيس أوباما على التنظيم.
وأثارت الضربات الجوية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية شكاوى في المناطق السنية من سقوط قتلى مدنيين. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انه أمر قواته بالامتناع عن توجيه اي ضربات للمناطق المدنية حتى البلدات التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية.
وتقضي قواعد الحرب الواردة في معاهدات جنيف بأن تفرق الاطراف المتحاربة بين الاهداف العسكرية والمدنية مثل المدارس والمستشفيات وان تقوم بعمليات تتناسب مع الخطر المتوقع.
وتسعى واشنطن لإقناع فصائل سنية مسلحة وقيادات عشائرية بمحاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، في خطوة تماثل حركة الصحوات التي طردت تنظيم القاعدة من البلاد قبل ست سنوات وذلك لانها لا ترغب في إرسال قوات أميركية إلى العراق.
الخطة الجديدة
وقال جيمس جيفري الدبلوماسي المخضرم الذي شغل منصب السفير الاميركي لدى العراق في الفترة من 2010 الى 2012 وله صلات وثيقة بالحكومة في بغداد «التحركات كثيرة في الوقت الحالي». وأوضح «عقدت اجتماعات في اربيل واجتماعات في عمان»، مشيراً الى محادثات بين جماعات عشائرية ومسؤولين أميركيين. والخطة أبعد ما تكون عن السهولة لان الكثير من السنة يعتبرون حركة الصحوة فشلا بل وخيانة ويرون في اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية لشمال العراق وغربه حيث يمثل السنة الاغلبية أهون الشرين رغم عمليات القتل الجماعي.
ويقول مسؤولون أميركيون وعراقيون ان الخطة الجديدة لا تمثل اعادة احياء للصحوات بل ستدمج السنة في «حرس وطني» يمثل قوة أمنية يقصد بها التخلص من مركزية السلطة في بغداد لمعالجة مطالب السنة بوقف ما يرونه من اضطهاد من جانب قوات الامن ذات الغالبية الشيعية.
ولم تتحقق الوعود السابقة التي أطلقها المسؤولون الاميركيون والعراقيون لدمج الاقلية السنية في الدولة العراقية مقابل ما يقدمونه من مساعدة. وبدلاً من ذلك وجد زعماء الحركة أنفسهم مطاردين من الجهاديين ومن الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة على حد سواء.
ولم تكن الضربات الجوية الاميركية والعراقية الاخيرة على أهداف تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية ذات فائدة لانها لا تميز بين مقاتلي التنظيم والسكان المدنيين. وتقول قيادات محلية ان الضربات أصابت مناطق سكنية حتى بعد نداء أخير من الحكومة بتجنب ضرب المدنيين.
ومع ذلك يقول مسؤولون أمنيون من العراق والولايات المتحدة ان محادثات تجري بين المسؤولين الاميركيين والعراقيين من جهة وجماعات سنية عراقية من جهة أخرى.
وتهدد نقاط الضعف لدى الجيش العراقي التي برزت في أثناء الهجوم الكاسح لتنظيم الدولة الاسلامية في حزيران (يونيو) شمال بغداد بتعقيد عمل الائتلاف الدولي الساعي الى القضاء على المتطرفين.
فالولايات المتحدة التي تعمل على تشكيل تحالف دولي لـ «تدمير» التنظيم المتطرف الذي يزرع الرعب في العراق وسوريا، لن ترسل قوات ميدانية وتعتمد على الجيش العراقي لمقاتلة هؤلاء، علما ان واشنطن ستكثف الغارات التي تستهدفهم.
اعادة بناء الجيش العراقي
وفي اطار هذه الاستراتيجية قررت واشنطن «اعادة بناء» الجيش العراقي، حيث ستزوده الولايات المتحدة ودول اخرى في الائتلاف بالمعدات والتدريب ووسائل الاستخبارات العسكرية.
وفي الاشهر الاخيرة بدا جلياً عجز الجيش عن وقف تقدم المتطرفين. فبعد خسارة مدينة الفلوجة مطلع العام ومناطق اخرى غرب بغداد تخلى الجنود العراقيون عن مواقعهم امام هجوم تنظيم الدولة الاسلامية في حزيران (يونيو) شمال العاصمة.
وفي السياق، أعلنت قوى عراقية تدعمها طهران سياسياً ومالياً وعسكرياً وقوفها ضد أي تدخل أميركي في العراق لمواجهة التنظيم مهددة بالانسحاب من التصدي له ومواجهة القوات الأميركية بدلاً من ذلك. وإضافة إلى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وزعيم منظمة بدر هادي العامري، أكدت فصائل وميليشيات شيعية عراقية من بينها كتائب حزب الله وسرايا السلام وعصائب اهل الحق رفضها لاي تدخل عسكري أميركي في العراق وتأكيدها بمواجهته. ولاحظ مراقبون طروحات هذه القوى تتطابق والمواقف ذاتها التي عبر عنها المسؤولون الإيرانيون وتشابهها في لغة الرفض للتحالف الدولي ضد داعش وتبريراته.
احمد الحسبان