أزمة النازحين السوريين: التداعيات بالأرقام

يرى خبراء ومراقبون أن اللجوء السوري في لبنان يعتبر أخطر وأكبر تحدٍّ يواجه الدولة اللبنانية من المنطلق الاقتصادي والاجتماعي. فبحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من المتوقع أن يتجاوز عدد اللاجئين السوريين في لبنان مع نهاية السنة الجارية 1،6 مليون لاجىء، أي أكثر من 38% من عدد سكانه وبعد أن وصل عددهم حاليا (والمسجل منهم) الى زهاء 1،2 مليون لاجىء في الوقت الذي تشير فيه أرقام غير رسمية الى أن العدد الفعلي للاجئين السوريين تخطى المليوني لاجىء، وبالتالي يمكن القول إن لبنان وحده يستضيف أكثر من 40% ممن هرب من سوريا، وخطورة تداعيات هذه الأزمة على لبنان تبرز عند الغوص في الأرقام.
فبحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يشكل اللاجئون السوريون الذين يستضيفهم لبنان عبئاً كبيراً على الاقتصاد وكلفته المباشرة على الدولة مليار دولار وغير المباشرة ثلاثة مليارات ونصف المليار إستنادا الى دراسة أعدها البنك الدولي. أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فيكشف أن 17% فقط من هؤلاء النازحين يقيمون في مخيمات عشوائية بينما تنتشر البقية على الأراضي اللبنانية في مبان غير مكتملة البناء في ظل أوضاع إنسانية صعبة. وأشار إلى استقبال المدارس الرسمية 100 ألف طالب سوري ما يفوق قدرتها الاستيعابية، وأعرب عن قلقه من تراجع المساعدات المقدمة من قبل الأمم المتحدة للنازحين مع نهاية السنة الجارية والتي انخفضت من 53% إلى 30% خلال هذا الشهر.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة السورية على لبنان ساهمت في تراجع معدلات النمو الاقتصادي بنحو 2،9٪ سنوياً للفترة 2011 – 2014 وفق البنك الدولي، والى تضاعف معدّل البطالة إلى أكثر من 20% ووصول حوالي 170 ألف لبناني إلى ما دون خط الفقر بحلول نهاية السنة الجارية سيضافون الى مليون لبناني يعيشون حالياً تحت هذا الخط. يضاف الى ذلك المضاعفات المقلقة على المالية، إذ من المتوقع أن يرتفع العجز في الموازنة بما لا يقل عن نسبة 6% إضافية، في الوقت الذي يقدر فيه حجم الأموال المطلوبة لتغطية خسائر لبنان وإعادة استقراره نتيجة الأزمة السورية بحوالي 7،5 مليارات دولار.
معادلة خطرة
ويعتبر مصدر نيابي في كتلة المستقبل أن معادلة «العسكريين مقابل اللاجئين خطيرة جداً، ويجب أن يوظف اللبنانيون جهدهم ضدها». وقال: «لا يمكن أن نتعاطى مع ملايين البشر وكأنهم رهائن، هذا شيء يفجر المجتمع اللبناني وليست لنا قدرة على احتماله. لذا يجب أن نبقى في الموقع نفسه بالنسبة الى النازح السوري الذي يهرب من الموت، ويجب أن تكون الرعاية الصحية والاقتصادية والاجتماعية موجودة، والعين الأمنية المسؤولة أيضا موجودة».
وهناك رفض علني جامع لهذه المعادلة على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، كونها تعقد المشهد في لبنان من جهة وتساهم في تعزيز حال الفلتان والفوضى بما قد يهدد استقراره ويدفعه أكثر في انزلاقات خطيرة. لكن رب من قد يجدها ناجعة في مكان ما من أجل إفهام الخاطفين أن مطلب حماية النازحين أو اللاجئين السوريين، خصوصاً باعتباره مطلباً معلناً من جانبهم على الأقل، لا يمكن ضمانه في ظل الوضع القائم، وأنه في مقابل استهداف أي عسكري سيكون هناك مزيد من استهداف السوريين الأبرياء الذين سيدفعون الأثمان من دون قدرة رادعة للدولة اللبنانية في هذا الاتجاه.
وفي الوقت الذي يحرج هذا الأمر الحكومة على صعد عدة، إضافة الى التزاماتها أمام الخارج بحماية اللاجئين ومساعدتهم وتوفير الأمان لهم، فإن ثمة من يخشى ألا يكون التنظيمان الخاطفان للعسكريين يأبهان للاجئين من مواطنيهم ما لم يكن من بينهم من هو مهم بالنسبة إليهم فعلاً.
وتصاعدت الدعوات في لبنان لترحيل اللاجئين السوريين، وتضاعفت الاعتداءات عليهم، على خلفية إعدام تنظيم «داعش» الجندي المختطف عباس مدلج. وخرجت قضية النازحين والعمال السوريين في لبنان من طابعها الإنساني، وبات النظر اليها لا يخرج عن الإطار الأمني والسياسي وسط مخاوف من تطور الأمور أكثر وزيادة تعقيداتها. فقد تعرض النازحون لحملة تهديدات واعتداءات عنصرية في عدد من المناطق، وطردهم من أكثر من منطقة، واحتجاز بعضهم ووضعهم مكبلين وسط الطريق لفترة من الوقت قبل إطلاقهم لاحقاً بعد تدخل الجيش. ولعل الأسوأ ما أقدمت عليه بعض البلديات بإصدار بيانات تعتبر السوريين فئة غير مرغوب فيها وتنذرهم بالمغادرة.