أبرز الأخباررئيسي

حوار الدم: مشروع نتانياهو للخروج من مأزقه الداخلي

فتحت حادثة مقتل المستوطنين الثلاثة، باب الجدل حول ما اذا كانت تلك الحادثة حقيقية ام مفتعلة. وما اذا كانت من اعداد واخراج اسرائيلي ام انها حادثة من فعل واحد من التنظيمات الفلسطينية؟  كما فتحت باب الجدل حول استحقاقات كل خيار من الخيارات التي طاولها الجدل.

ومع ان الغالبية من المتابعين يعتقدون انها حادثة حقيقية، تستند في ادبياتها الى طبيعة الازمة القائمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وتداعياتها بالنسبة الى التنظيمات التي تتخذ من الدين اساساً لانطلاقتها، وما يعانيه قطاع غزة من حصار متواصل اصاب ابجديات الحياة اليومية. الا ان البعض يعتقد انها قصة مفتعلة، وان لها مبرراتها. ويتهم اصحاب هذه الرؤية الجانب الاسرائيلي بالتخطيط والتنفيذ لتلك العملية بكل تفاصيلها.  قبل الوصول الى نتيجة مفادها ان «حوار الدم» اصبح الوسيلة الوحيدة التي لجأت اليها اطراف المعادلة التي دخلت مجالات التعقيد بصورة واضحة.
ابرز الروايات في هذا المجال ما يشير الى ان المستوطنين الثلاثة قتلوا في حادث سير مروع وقع في منطقة ايلات. وان الموساد تلقف المعلومة واحتفظ بالجثث في معهد ابو كبير لايام عدة، وتم التنسيق مع ذوي القتلى من اجل «تحقيق اهداف وطنية».
ثم قامت الاجهزة المعنية باخفاء الجثث في منطقة الخليل، وادعت اختفاء اصحابها، واتهمت بعض الاشخاص بخطفهم. وردت ذلك الى معلومات استخبارية. وكثفت من اعمال المراقبة والبحث عنهم قبل ان تعلن اكتشاف جثامينهم، والاعداد لمواجهات بعضها رسمي، والاخر غير رسمي.

احباط المصالحة
وطبقاً لما هو مخطط له، فإن اسرائيل تسعى من وراء ذلك الى خلط الاوراق الفلسطينية، والدخول في محاولة احباط التوافق والمصالحة بين حركتي فتح وحماس، وهي العملية التي لم تخف اسرائيل قلقها منها منذ بداياتها. وتبعاً لذلك، نجحت اسرائيل في استباحة الاراضي الفلسطينية بشكل كامل، بحجة البحث عن المستوطنين الذين ادعت ان تنظيمات فلسطينية اختطفتهم.
وبالتزامن، نجحت الحادثة في شد انتباه العالم كله، وتوجيه الانظار صوب ما روجت له بوصفه «الارهاب الفلسطيني». اضافة الى الهدف الكبير الذي يتمثل بشن هجوم كبير على قطاع غزة. والسير في عمليات تهويد المسجد الاقصى وقبة الصخرة.  وتنفيذ المزيد من الحفريات، والتأكيد على مشاريع التهويد بالصورة التي يراها المتشددون الاسرائيليون.
اللافت هنا ان تنظيم داعش دخل على الخط من خلال تبنيه للعملية والادعاء بانه هو من خطف المستوطنين معتقداً ان ذلك يخدم اغراضه، ويضعه في مصاف التنظيمات الاكثر قوة، والتي تتمتع بنفوذ قوي. بينما تلقفت الآلة الدعائية الاسرائيلية تلك المعلومة وبدأت بالترويج لها، محذرة من «اخطار داعش» واحتمالية وصولها الى داخل الضفة الغربية. والترويج لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ومع ان تلك الرواية يجري ترديدها على نطاق واسع، ويتم تبنيها من قبل جهات متعددة، الا ان اطرافاً اخرى ترى فيها نوعاً من تغليب نظرية المؤامرة، وترفض التسليم بها. وترى ان المسالة يمكن ان تقرأ من زاوية اخرى تمزج بين الرؤيتين.
فمع امتلاكه كل وسائل القوة، ومواصلة تنفيذ ما يراه مناسباً من اعمال ونشاطات «قوة» اعتقاداً بانها تسكت الطرف الاخر، وتسجل اهدافاً في مرمى الخصم، يعتقد محللون بان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو نجح في امتلاك اوراق اضافية تساعده على السير في النهج عينه. وتبعد عن حكومته اية امور تشير ادبياتها الى احتمالية تصنيفها ضمن اطار الاخطار المحتملة ليس على الدولة بقدر ما هي اخطار على حكومته من جهة، وعلى مشروعه التوسعي ورفضه المطلق التسليم باي حق للفلسطينيين.

اختلاق الازمات
وزيادة في عمق هذه المسالة، هناك من يعتقد ان نتانياهو وبعض اركان فريقه الحكومي اليميني المتطرف، هم من واصلوا اختلاق الازمات، وفجروا بعض المفاجآت وصولاً الى حالة توفر لهم الغطاء المناسب لمواصلة التشابك مع الطرف الاخر، ودفع بعض الاخطار التي يعتقدون انها من بين استحقاقات المرحلة.
المدقق في تفاصيل المشهد، يتوقف عند حالة واضحة من التعنت من قبل حكومة نتانياهو، التي مثلت اساساً حالة من الميل نحو اليمين، والتعمق في التطرف. فالحكومة، ومن خلفها اغلبية مجتمعية اسرائيلية لم تعد تقبل بحوارات السلام، او حتى مجرد التفكير به. وترى العملية السياسية مجرد مشروع يجب ان يفضي الى حصولهم على كل شيء، دون دفع اي شيء.
والمدقق في تلك التفاصيل يرى ان فكرة «الارض مقابل السلام» بمفهومها الاساس، والتي  تقوم على مبدأ اعادة الارض للفلسطينيين مقابل حصول اسرائيل على السلام، اختفت نهائياً من ادبيات الجانب الاسرائيلي، وتحولت الى مفهوم معاكس مضمونه ان تحتفظ اسرائيل بالارض مقابل حصول الفلسطينيين على السلام.
في هذا السياق، يمكن قراءة المشهد الاسرائيلي بصورته الراهنة، ومن بوابة التطورات الاخيرة التي تمثلت باختطاف وقتل ثلاثة من المستوطنين، ولاحقاً اختطاف وقتل شاب فلسطيني. حيث شارك الطرفان في ادانة تلك الاحداث، واعلان البراءة منها والتذكير بان من شأنها التأثير على عملية السلام. وهي العملية التي لم تعد موجودة الا في وسائل الاعلام، وضمن الاطار النظري لـ «المماحكات السياسية».
اما على مستوى النتائج، بشقيها «الذي حدث» و«المتوقع الحدوث» فالامر مختلف بعض الشيء. ولعل في مقدمة تلك التطورات ما جرى في قطاع غزة، وما يتوقع ان يجري قريباً، حيث تتواصل الاستعدادات لتنفيذ هجوم واسع النطاق ضد القطاع.

مصلحة شخصية
وفي محصلة التطورات، هناك من يقرأ مصلحة شخصية لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي وجد في كل التطورات ما يمكنه من الرد على موجة النقد التي يتعرض لها من معارضيه، ومنتقديه، سواء اكانوا داخل حزبه، أو حتى داخل ائتلافه. او من المجتمعين في صفوف المعارضة الفعلية. والذين كثفوا من اصواتهم مطالبين باقالته، بحجة عدم قدرته على احباط المصالحة الفلسطينية، وعدم تمكنه من التعاطي مع مخرجاتها.
هنا، يتوقف المتابعون عند النتائج المباشرة التي حدثت، والمنتظر حدوثها. والتي كانت حصة قطاع غزة منها «نصيب الاسد».
فبعد ساعات من الاعلان عن اكتشاف جثث المستوطنين الثلاثة، شنت طائرات الاحتلال الاسرائيلي سلسلة غارات على مناطق بقطاع غزة أدت إلى اصابة اربعة  فلسطينين بجروح الى جانب حدوث ارتجاجات في منازل المواطنين ودمار في الممتلكات، فيما واصلت المقاومة الفلسطينية قصف جنوب اسرائيل بالصواريخ  وذكرت مصادر فلسطينية أن مدن غزة ورفح وخان يونس والمحافظة الوسطى والشمال في القطاع، تعرضت لأكثر من ثلاثين غارة عنيفة، اشتركت فيها طائرات حربية وزوارق الاحتلال البحرية التي تسيطرعلى شواطىء بحر غزة.
واكدت مصادر في حماس والجهاد الاسلامي ان «17 موقعاً تابعا لكتائب القسام  / الجناح العسكري لحماس / وسرايا القدس / الجناح العسكري للجهاد الاسلامي/ قد تعرضت للقصف في خان يونس ورفح في جنوب القطاع ما ادى لوقوع اضرار كبيرة
في المقابل، ردت المقاومة بدفعة من القذائف الصاروخية على جنوب اسرائيل، حيث  تواصلت عمليات اطلاق الصواريخ من قطاع غزة نحو البلدات والمدن الاسرائيلية المحيطة بالقطاع، وسقطت دفعة جديدة من الصواريخ في محيط بلدة سديروت، ما تسبب في نشوب حريق هائل، وفقاً لما نشرته المواقع العبرية. وأشارت هذه المواقع إلى أن اربعة  صواريخ سقطت في مناطق مفتوحة تسببت أحداها بنشوب حريق في الاعشاب الجافة، حيث وصلت وحدات الاطفاء التي تقوم بمحاولات للسيطرة على النيران بمساعدة طائرتي اطفاء، ولم يبلغ عن وقوع اصابات نتيجة انفجار الصواريخ. وذكرت مصادر اسرائيلية أنه سقط 16 صاروخاً على مناطق سديروت والنقب ومنطقة ساحل عسقلان.

اتصالات عباس
من جهته، اجرى الرئيس الفلسطيني اتصالات مكثفة مع الإدارة الأميركية ودول اوروبية لمنع عملية انتقامية إسرائيلية. وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيان لها ان عباس على اتصال مكثف مع زعماء العالم في محاولة لمنع عملية انتقامية متوقع ان تشنها اسرائيل.
واضافت ان عباس دعا إلى اجتماع عاجل وطارىء للقيادة الفلسطينية، لبحث التطورات السياسية وتداعيات الأحداث الأخيرة والتصعيد الاسرائيلي.
وفي الضفة الغربية، هدم الجيش الاسرائيلي منزلي مروان القواسمة وعامر ابو عيشة العضوين في حركة حماس و المشتبه بهما الرئيسيين في عملية خطف الاسرائيليين.
الى ذلك، تشير بعض التحليلات الى ان قرار شن حرب على قطاع غزة بهدف توجيه ضربة موجعة لفصائل المقاومة وتعزيز قدرة الردع الإسرائيلية بات محسوماً، لكن لم يتضح حجم هذا العدوان وتوقيته.
وفي هذا السياق يعرض المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت وجهة النظر الاسرائيلية المستندة الى معلومات استخبارية. ويقول أن العد التنازلي لهذه الحرب قد بدا فعلاً ويتم الإعداد لها على المستوى الدعائي والعسكري.
ويدعو فيشمان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو إلى عدم التعجل في شن الحرب، ودعاه إلى التريث وفحص القدرة العسكرية للجيش وبنك الأهداف وجودتها، وإبلاغ الأميركيين والأوروبيين، قبل إصدار الأوامر ببدئها. ويحذر فيشمان من حرب مستعجلة لا تحقق نتائجها وبدل أن تحقق الردع لإسرائيل تؤدي إلى تعزيز قوة حماس واكتساب تعاطف دولي.
ويضيف فيشمان: إن إسرائيل تمضي بإرادتها إلى جولة عنف واسعة مع حماس في قطاع غزة. وانها بدأت فعلاً في تهيئة الأجواء لها وتبريرها قبل الكشف عن جثث المختطفين. مشيرا إلى أن رؤساء مجالس المستوطنات في محيط غزة دعوا الجيش إلى العمل، فيما بدأ الجيش في الاعلان عن عدد الصواريخ التي سقطت على مواقع اسرائيلية مؤخراً. معتبراً ان في ذلك تهيئة للراي العام وتمهيدا للمشروع العسكري.

الهجوم على غزة
واضاف فيشمان أن العد التنازلي للهجوم على غزة بدأ فعليا بعد يومين من عملية الاختطاف. وبالتحديد حينما اتخذ «الكابينيت» قراراً بقبول توصيات المنظومة الأمنية التي دعت إلى انتهاز الفرصة لتوسيع العمليات لتشمل أيضاً حملة لقمع حماس.
ويبرر فيشمان الحرب على غزة بالتأكيد على إضعاف حماس ليس في الضفة فقط بل في غزة. معتبرا أن تنظيم حماس يقف خلف قتل الفتيان الثلاثة. ومستبعداً ان تكون خلية محلية عملت من تلقاء نفسها بدون تنسيق مع مسؤولين كبار في حماس الخارج، معتبراً ان الحديث الجاري ينطلق من موقف سياسي يتقاطع مع الواقع الاستخباري.
ويؤكد ان الجهاز العسكري لحماس في الضفة يعمل بشكل شبيه لعمل خلايا تنظيم القاعدة. إذ لديه القدرة على العمل في إطار خلايا متباعدة دون أن تأخذ تعليمات من الخارج، بل تنتهز اية فرصة عملانية لتنفيذ عملية. فالقيادة تحدد السياسات العليا وتقدم الدعم بواسطة شبكة من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. ويقول فيشمان إن الخلية التي نفذت هذه العملية عملت بالنمط عينه، والمسؤولية في نهاية المطاف تقع على عاتق حركة حماس.
الى ذلك، وفي تطور لاحق، شهدت أحياء عدة من مدينة القدس المحتلة مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال أسفرت عن إصابة العشرات من الفلسطينيين بالرصاص الحي والمطاطي، وذلك إثر قتل الفتى الفلسطيني أحمد أبو خضير بعد خطفه على يد ثلاثة مستوطنين. وأفادت مصادر طبية فلسطينية أن عدد الإصابات في مدينة القدس بلغت ثلاثين إصابة، بينها إصابتان بالرصاص الحي و15 إصابة بالرصاص المطاطي، والأخرى جراء استنشاق الغاز.

ا. ح
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق