أبرز الأخبارتحقيق

البلد فلتان… التزموا بيوتكم حتى إشعار آخر!

إذا قلنا الأمن فلتان، ففي الكلام نوع من المبالغة. وإذا قلنا إنه مستتب فالتقارير لا تبشر بالخير أو أقله الأمن الشخصي الذي بات مهدداً حتى داخل بيوتنا.
منهم من يشرح الأسباب على قاعدة تداعيات النزوح السوري، ومنهم من يحيل التهمة على  وسائل الإعلام التي تروج للعنف حتى بات مشهد قطع الرؤوس امام انظار المشاهدين مسألة شبه طبيعية.
هي الفوضى في البلد؟ ربما. لكن ماذا عن  شبكات تعاطي وتجارة المخدرات، وكيف يقرأ المتخصصون انتشار شبكات الدعارة وتجارة الجنس والأعضاء على عينك يا تاجر؟ .
من الآخر. ليس البلد بألف خير ولا حتى بخير.
والسبب؟ انظروا في عيون المراهق الذي اغتصب الطفل محمد الخولي قبل ان يقتله طعناً بالسكين. وحده الشر بات يتحكم في نفوس الناس، والبراء منه يعدون الأيام الباقية لهم في البلد او سلموا امرهم للقدر!.

بين مواكب سيارات تجول في الشوارع مطلقة العنان لحماستها الرياضية وأخرى زينت سطوحها وأنتيناتها بأعلام المونديال، تحتار في اي بلد تعيش وفي اي مجتمع تتنفس. فالجمهور على ملاعب كرة السلة ليس نفسه جمهور المونديال. في الأول تظن نفسك في ساحة المعركة. حتى بذور الطائفية التي قالوا إنهم دفنوها تستعر في لحظات…
قلتم الحرب انتهت؟ شهادة الأهل الذين وعوا على خطورة الوضع في الملاعب تختصر الجواب «إذا انتهت فنحن نهيء لحرب جديدة. ومن قال إن لبنان تجاوز قطوع كل 20 سنة حرب اهلية؟».

مشهد جديد!
كلام لا يبشر  بالخير. نطرق باب الأجهزة الأمنية لنسأل عن الواقع الأمني والجرائم في لبنان. والحافز الأكبر مشهد الطفل محمد نضال الخولي إبن الـ 6 أعوام الذي وجد مقتولاً طعناً بالسكين ومرمياً في احدى حاويات النفايات في بلدة عكار – حلبا. فصحيح ان المجرم صار في ايدي العدالة، إلا أن المشهد المقزز الذي استفز الإنسان النائم في النفس البشرية لا يزال عاجزاً عن تفسير هذه الوحشية التي وصلت إلى حد تمثيل المجرم لجريمته والإدلاء بالتفاصيل التي  استفزت المشاهدين لا سيما الأطفال. وحده مشهد الإغتصاب الذي لم يمثل امام الرأي العام بقي يجسد حلقة خوف في ذاكرة كل ام وأب وحتى طفل. بطل العجب من خلال هذا الإعتراف؟ حتماً لا.
قد تكون الأسباب التي دفعت هذا المجرم إلى طعن الطفل بالسكين حتى الموت بعد اغتصابه «مرضية» كما سنقرأها لاحقاً. لكن كل هذا لا يبرر مستوى الإجرام والشر الذي بدأ يتفشى.. وننتقل إلى مشهد جديد في مجتمعنا اللبناني.
رجل (من النازحين السوريين) يرمي قارورة غاز على مواطن لبناني اثناء شجار كان يدور بينهما على خلفية تحرش السوري بخطيبته. حصل ذلك في منطقة برج حمود المكتظة بالنازحين السوريين ولاحقاً انتقل الخلاف إلى منطقة سن الفيل. رئيسا بلديتي المنطقتين لا يزالا تحت وقع تداعيات الحادثتين على رغم وضعهما في عهدة الجيش والقوى الأمنية. لكن من يضبط النفوس المشحونة في المناطق التي باتت الكثافة السكانية فيها تشكل قنبلة موقوتة؟
نطرق باب الدوائر الأمنية التي لا تزال على موقفها التحليلي اياه «منسوب الجريمة لا يتعدى الخط الأحمر . قد تكون اساليب القتل
جديدة على طبيعة المجتمع اللبناني لكن القوى الأمنية تقف لكل مخل بالأمن بالمرصاد». ننام على حرير او نستعيد كلام الرئيس الراحل سليمان فرنجية: «ناموا وأبوابكم مشرعة»؟!

النازحون قنبلة موقوتة
لا هذا ولا ذاك. فالفوضى المستشرية والفلتان الأخلاقي في البلد لن يحدهما مطلق اي قرار او تدبير امني إلا إذا حصلت اعجوبة وعاد النازحون إلى سوريا. لكن من قال إن هذه العودة مضمونة؟ أو من يؤكد أن ساعة الصفر وضعت كما ساعة اندلاع الثورة؟ الم تسمعوا بالحكمة التي تقول: سهل جداً أن تشعل حرباً لكن من المستحيل أن تحدد ساعة انتهائها؟ والمؤسف ان هذه الإشكالات التي كانت تحصل سابقاً بدأت تأخذ منحى عنفياً. ومن هذا المنحى نطرق باب المتخصصين في علم الجريمة ونسأل: «لماذا صرنا نخاف اكثر على اولادنا من الفلتان الأخلاقي في المجتمع؟ ولماذا بات المشي في الشارع مقرونا بالصلوات والدعوات؟».
الباحث في علم النفس السياسي وصاحب كتاب «الشر والجريمة» الدكتور محمد عياش قال: «من زمان حذرنا من ارتفاع منسوب العدوانية عند الشعب اللبناني وقلنا إن «النزقية» باتت تشكل خطراً حقيقياً على لبنان». كان ذلك قبل دخول النازحين السوريين إلى لبنان. فكيف بالحال اليوم وقد قارب عدد النازحين السوريين المليون ونصف المليون؟
«مما لا شك فيه أن الوضع اختلف بشكل جذري. فالنازحون السوريون يحملون ما يكفي من منسوب، والتوتر والحزن والإكتئاب والشعور بالثأر والدونية، هذا عدا عن شحنات العنف والعدوانية، كل هذا لا بد ان يتفجر في مكان ما خصوصاً إذا أضيفت إليه شحنات من العنف والعدوانية من الداخل اللبناني. ولا ننسى الضائقة الاقتصادية التي تشكل مصدراً اساسياً للجريمة بكل انواعها.

فوضى وشحن عدواني
لا يخفي عياش التداعيات التي تخلفها حال الفوضى في عمل المؤسسات الدستورية: «تصوري وطناً من دون رئيس جمهورية، وحكومة لا تجتمع ومجلساً نيابياً لا يشرع وأجهزة أمنية خاضعة لتراتبيات او محسوبة على فئة او حزب معين. فكيف يمكن ان يسير البلد؟ حتى أمن الشخصية اللبنانية ( personnalite) أصبح يعاني خللاً واضطراباً، مما يزيد من حال الفوضى والفلتان». واللافت، يضيف عياش، ان شعور الأمان مفقود بسبب عدم وجود عقاب لردع مسار الشهوات. ويعطي امثلة: «ما يجمع بين عشيرتين متناقضتين في العقيدة والمذهب والعادات هو توازن الرعب والعقاب. فمجرد أن يقتل احد ابناء إحدى العشيرتين تعمد الثانية إلى الأخذ بالثأر وهذا ما يحد من نسبة الجرائم بين العشائر».
نفهم من ذلك ان المطلوب أمن ذاتي لخلق توازن رعب بين شارع وآخر أو حتى بين بيت وآخر في البناية عينها؟
يجيب عياش «مما لا شك فيه أن شحنات العنف ازدادت في المجتمع اللبناني على خلفية النزوح السوري. وكل هذا يحصل في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها. حتى
اسباب القتل اختلفت بعدما كانت تحصل بسبب علاقة عاطفية أو على مسألة جوهرية. اليوم نراهم يقتلون من اجل سرقة مبلغ لا يتجاوز المليون ليرة أو بهدف ارضاء الشهوات الغرائزية كما حصل مع القاصر الخولي أو بسبب جريمة الشرف. وجريمة الفتاة القاصر (17 عاماً)  التي قتلها والدها منذ نحو الأسبوعين في عكار بسبب زواجها من رجل لا يرغب فيه لا تزال تنخر في عظامنا».

عنف وجرائم اونلاين
لكل جريمة مبرراتها. هكذا يقول علم الجريمة «صحيح، لكننا نقول ذلك للعمل على تفادي الأسوأ». لكن كيف يمكن تخفيض معدل الجريمة الذي وصل إلى 9 على كل الف شخص في لبنان؟ يجيب: «واضح ان هناك صعوبة إن لم نقل استحالة لأن المشكلة في لبنان اليوم كما في كل دول العالم تتمثل في تسارع حركة وسائل التواصل الإجتماعي. فإضافة إلى الشحن العدواني داخل الشخصية اللبنانية والأفراد الذين دخلوا البلاد هناك شحنات العنف التي تصل عبر الصور ومقاطع الفيديو في وسائل التواصل الإجتماعي. تصوري مثلاً ان أطفالاً باتوا يشاهدون وبسهولة مشهد قطع رأس على يد احد عناصر تنظيم داعش او جبهة النصرة. حتى الألعاب الإلكترونية باتت تبث مشاهد وروايات عنفية يتأثر بها الأطفال والقاصرون ويترجمونها وكأنها جزء من اللعبة».
تروي إحداهن: «كل ليلة سبت كنا نتواعد على الخروج لمشاهدة فيلم سينما او تناول الطعام في احد مطاعم بيروت او كسروان. وكنا نعود عند منتصف الليل بسلام وراحة بال. منذ نحو العام ما عدنا نجرؤ على القيام بمشاريع مماثلة بسبب الأخبار التي نسمعها من سرقات واعتداءات وتحرش. حتى رياضة المشي التي كنا نمارسها في الأحياء والمناطق الجبلية باتت في حكم المؤجل بسبب وجود عدد كبير من النازحين السوريين وغيرهم في كل زاوية من البلد».
وقبل ان نختم خبر على هامش الأحداث: «قوة من مكتب مكافحة الأعمال المخلة بالآداب العامة في قوى الأمن الداخلي داهمت احد المرابع الليلية في منطقة كسروان واوقفت 25 سيدة غالبيتهن من السوريات النازحات. والقاء القبض على شبكة دعارة مؤلفة من 5 فتيات من التابعية السورية».
حاجة؟ عوز؟ ضائقة مادية؟ النتيجة واحدة. بلد فلتان وفوضى إلى درجة الجريمة المنظمة. والحل؟ إلتزام البيت حتى إشعار آخر!

جومانا نصر 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق