سوريا: انتخابات بـ «نكهة البارود»، ونتائج محسومة مبكراً
لاول مرة، لم يكن العالم معنياً بمعرفة نسبة المقترعين. ومثلها لم يبد المتابعون تلهفهم للكشف عن نسبة الفوز. وفي المقابل، للمرة الاولى تنتهي الانتخابات دون اعلان مواز يحكي عن عدد ونسبة المقترعين. حيث جرى التمديد للانتخابات ساعات عدة، وتم تبرير الخطوة بـ «الاقبال الشديد» على صناديق الاقتراع. وتم الاعلان عن تلك الارقام بعد يوم وليلة من انتهاء الانتخابات.
نعم، تلك هي الانتخابات الرئاسية السورية المثيرة للجدل، والتي جرت يوم الثلاثاء الفائت – قبل يومين – والتي اعلنت نتائجها النهائية «ليل امس في مجلس الشعب».
ميزة تلك الانتخابات انها جرت مع ان نتائجها محسومة مسبقاً. وانها تمت في غياب اكثر من خمسة ملايين سوري اضطرتهم ظروف الحرب الى اللجوء الى دول عديدة من بينها دول الجوار. كما جرت وسط انقسام شعبي واضح، تطور تبعاً لمتطلبات السلامة العامة اولاً، ولمقتضيات المرحلة ثانياً.
وميزة تلك الانتخابات ان من شاركوا بها هم انصار الرئيس بشار فقط، وضمن المناطق الخاضغة لسيطرته. بينما تخضع مناطق اخرى تابعة للمعارضة الى نوع مختلف من القصف، لم يسبق ان تم الكشف عن تطبيقاته من قبل. الا وهو القصف بالبراميل المتفجرة. والتي تترك اثراً تدميرياً واضحاً يمتد الى كيلومترات مربعة وبشكل كامل.
«حرص» على المواطنين
الانتخابات التي اعلن الناطق باسم المحكمة الدستورية المشرفة عليها مساء الاربعاء، ان نسبة المشاركة فيها بلغت 73،42%، ترافقت مع ايحاءات بان الفائز هو «المرشح بشار الاسد»، حيث نقلت وسائل الاتصال رسالة موجهة منه الى الشعب السوري تدعوهم «الى عدم اطلاق النار» ابتهاجاً بفوزه.
وبين الناطق باسم المحكمة ان عدد المشاركين في عملية الانتخابات الرئاسية في الداخل والخارج بلغ 11،634،412 من اصل 15،845،575 يحق له التصويت من المواطنين السوريين.
واوضح ان نسبة الأوراق الباطلة التي تم شطبها خلال عملية الانتخابات الرئاسية السورية 3.8%.
وفي الوقت نفسه، طالب الرئيس بشار الأسد من الشعب السوري ان يكون «التعبير عن الفرح والحماس انطلاقاً من الشعور الوطني»، مضيفاً ان ذلك «لا يبرّر إطلاق النار في الهواء» مؤكداً ان ذلك «يُعرّض حياة المواطنين للخطر». العبارة التي اثارت حالة من التندر محورها المقاربة بين اطلاق النار ابتهاجاً، والقاء البراميل المتفجرة على الاحياء وابداء الحرص على حياة المواطنين.
لكنه في رسالته قال «ان جنود الجيش السوري وهم على خطوط النار يدافعون عن الوطن ويحاربون الإرهاب، وانهم أولى بكل رصاصة تُطلق في الهواء تعبيراً عن الابتهاج بأي مناسبة أو حدث» على حد تعبيره.
قبل الحديث عن الانتخابات، وعن شرعيتها، ومرحلة ما بعدها، من المناسب التذكير بنتيجة دراسة اجراها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عن واقع وتوجهات الشعب السوري، وتعاطيه مع الثورة. وخلصت الدراسة الى نتائج على درجة كبيرة من الاهمية، ابرز معطياتها ان 78% من المستطلعة آراؤهم يرون أن ما يجري ليس انتخابات، وأنها تفتقر للشرعية.
وتُظهر الدراسة أن تأييد الثورة كان في حدود 52% في بدايتها، وارتفعت النسبة إلى 60% بعد ثلاث سنوات. فيما انخفضت نسبة من كانوا يعتبرون أنفسهم أقرب إلى النظام من 19% إلى 13%. وانخفاض نسبة المحايدين من 28% في بداية الثورة إلى 15%.
هذه النتائج لتلك الدراسة المهمة يمكن ان تكون مفتاحاً للحديث ليس عن الانتخابات ومجرياتها، وانما عن مرحلة ما بعد الانتخابات، لجهة ان الاعتقاد بان الانتخابات ليست شرعية امر محسوم على مستوى الداخل السوري وليس فقط في الخارج.
واللافت هنا ان الحديث لم يعد يتركز على مجريات الانتخابات التي استبقها العالم بالتاكيد على انها «مهزلة»، وانها عبارة عن تراكمات كبيرة من العبث، ولا تمثل الشارع السوري الذي غاب نصفه او يزيد عن مجرياتها، اما لكونه في دول اللجوء، أو لانه في مناطق لا تخضع لسيطرة الجيش السوري. وانما تركز على مرحلة ما بعد الانتخابات، ومن خلال كم من التساؤلات التي يبدو انها لن تجد ما يوازيها من اجابات.
تساؤلات
التساؤلات تدور اساساً حول ما اذا كان الشارع السوري سيسلم بالنتيجة «المحسومة والمعروفة مسبقاً» ام لا؟ واذا كان سيرفض التسليم، ما الذي يمكن ان يفعله؟
اما الاهم والاكثر عمقاً من بين تلك التساؤلات، فهو: هل يستطيع الشعب السوري ان يفعل شيئاً في مجال رفض الانتخابات؟ وهل سيجد الدعم الذي افتقده سابقا من اجل تصويب المسار؟
هنا لا بد من التوقف عند حواجز المعارضة، التي رفضت الانتخابات اساساً، والتي دعت الناخبين الى عدم المشاركة، والى الجلوس في المنازل مقاطعين لمجرياتها. فبعد اجراء الانتخابات كشفت المعارضة انها تنتظر «رد العالم» على الفوز المعلن لبشار الاسد في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، فقد كشف المعارض السوري المخضرم ميشال كيلو من منفاه في باريس، أن بشار «قتل نصف شعبه للاحتفاظ بالسلطة». وانه يريد مع هذا الانتخاب «الحصول على بعض الشرعية الشعبية ازاء العالم». ووصف مجريات الانتخاب بان الاسد «قام بحملة جنونية، واجبر الناس على النزول الى الشوارع والرقص والغناء للاحتفال بعرس الديموقراطية». وقال ان المعارضة تقرأ الحدث من زاوية ان الرئيس يوجه رسالة الى العالم مضمونها «انسوا الحل السياسي الدولي، فانا من خرج منتصراً من هذا النزاع وانا اقرر. لقد هزمتم».
غير ان ميشال كيلو لم يفقد الامل، حيث يشير الى ان المعارضة تنتظر رد العالم على ما حدث. كاشفاً النقاب عن رسالة وجهتها المعارضة اثناء زيارة قام بها رئيس ائتلاف القوى المعارضة السورية، احمد الجربا الى واشنطن في منتصف ايار (مايو) . ومضمون تلك الرسالة يلخص واقع الثورة. حيث قال «ابلغنا الاميركيين اننا نكافح ارهابيي الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) منذ ستة اشهر وان هؤلاء الارهابيين اقوى منا. فنحن لا نملك القوات الكافية، والجيش السوري الحر لا يتمتع بتنظيم جيد وهو بلا قيادة موحدة ويتعذر عليه شن حربين، واحدة ضد الارهابيين واخرى ضد النظام. واذا واصلتم حرماننا من الاسلحة فستجدون انفسكم في مواجهة الارهابيين، في سوريا او على اراضيكم».
وضمن اطار تحليل استراتيجي للملف، استبعد كيلو إمكانية التوصل الى حل سياسي للنزاع، مؤكداً انه «في الوضع الحالي، ينبغي اعادة توازن القوى على الارض. ويجب ان تساعد الدول الغربية الجيش السوري الحر على اعادة تنظيم صفوفه والمعارضة السياسية على الانتعاش، معترفاً بان المعارضة السياسية ليست في وضع جيد حالياً، وهي بعيدة جداً عن الوضع الميداني، ومحكومة بخلافات بعض الدول، مشددا على ضرورة استعادة الاستقلالية، ومعترفاً بان المعارضة ارتكبت خطأ جسيماً تمثل باعطاء الاولوية للدعم الخارجي واهمال الداخل. وكاشفاً عن ان خطة المعارضة الجديدة لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية «الصورية» تركز على فعل العكس واعادة الاتصال بالميدان».
الاعتماد على الذات
هنا يتبين ان للمعارضة تصورات محدثة للتعامل مع المرحلة الجديدة، ابرزها الاعتماد على الذات، وتفعيل القوى الذاتية، ثم توظيف العلاقات الخارجية بشكل وبصورة افضل. غير ان تقارير وتحليلات تتناول الموقف بتفاصيله، وتتحدث عن ضرورة اقناع الاطراف الغربية بتغيير تصوراتها، واعطاء المعارضة الراشدة الفرصة للتعامل بقوة مع الوضع الراهن. فالمعارض ميشال كيلو يؤكد في تصريحات صحفية اطلقها ان الغرب ما زال «مرعوباً» من وجود تنظيمات متطرفة، ويخشى ان تصل الاسلحة الى ايدي هذه التنظيمات.
هنا يمكن التوقف قليلاً عند الغرب، والتطورات التي طاولت مواقف بعض الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية.
فقد انتقد روبرت فورد السفير الاميركي السابق في دمشق بشدة السياسة الخارجية للبيت الأبيض بشأن سوريا قائلاً إن واشنطن كان ينبغي لها أن تفعل المزيد وتبادر إلى تسليح الفئات المعتدلة من المعارضين للحكومة السورية. وقال فورد في تصريحات صحفية إنه نتيجة التردد، زادت المخاطر التي تتعرض لها الولايات المتحدة بسبب المتطرفين.
ومن المرجح أن تذكي تصريحاته النقاش بشأن الموقف الحذر لأوباما من الحرب في الوقت الذي أطلق فيه البيت الأبيض حملة لمواجهة الانتقادات الموجهة للسياسة الخارجية للرئيس.
من جهته، دعا الاتحاد الأوروبي النظام السوري الى اجراء «مفاوضات سياسية حقيقية» لايجاد حل للنزاع، غداة انتخابات رئاسية اعتبرها «غير شرعية». وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون في بيان ان الاتحاد يعتبر «ان الانتخابات المتوقع ان يحقق فيها الرئيس بشار الاسد فوزاً كبيراً «غير شرعية» وتسيء الى الجهود السياسية المبذولة من اجل ايجاد حل لهذا النزاع المريع»، مؤكدة «ندعو النظام الى استئناف مفاوضات سياسية حقيقية».
انتخابات العار
وفي تعليق على هذه الانتخابات، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هارف إنها عار، وان «بشار الاسد لا يملك اليوم من المصداقية اكثر مما كان يملك بالامس، واجراء الانتخابات انفصام كامل عن الواقع».
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن السوريين الذين يصوتون مخيرون بين بشار وبشار، في حين اكد أمين عام حلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسين ان دول الحلف لن تعترف بنتائج الانتخابات.
في السياق عينه، وبينما تتسرب معلومات عن محاولات لاقناع الامين العام للجامعة العربية السابق عمرو موسى بتولي مهمة الوسيط الاممي الجديد في سوريا، اكدت روسيا التي تتراس مجلس الامن الدولي خلال هذا الشهر، انها لن توفر جهداً لايجاد حل سياسي للازمة السورية داعية الى الاسراع في تعيين وسيط دولي جديد يخلف الاخضر الابرهيمي.
ورداً على انتقادات زملائه الغربيين بعدما عرقلت موسكو محاولات لاقامة «ممرات انسانية» في سوريا، اعلن السفير الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين ان بلاده تامل بالتوصل الى حل سياسي. وصرح في مؤتمر صحافي بانه سيكون «من غير الملائم تماماً» تجاهل الحاجة الى تعيين خلف لوسيط الامم المتحدة في سوريا الاخضر الابرهيمي في شكل سريع. وتساءل تشوركين «من سيمهد الارضية؟ من سيشجع الاطراف على تقديم تنازلات في رؤيتهم للامور؟».
وقال «نرى انه من غير المقنع على الاطلاق الاكتفاء بجولتين من المفاوضات لخمسة ايام للقول في النهاية ان الامور متعثرة الى درجة لن يكون مفيداً الاستمرار في هذه المفاوضات»، في اشارة الى المفاوضات التي عقدت في جنيف بين ممثلي النظام السوري والمعارضة وآلت الى الفشل. واضاف «نأمل في ان يجد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بديلاً جيداً عن الابرهيمي وان يعلن هذا الامر في اسرع وقت».
احمد الحسبان