رئيسيسياسة عربية

اليمن: «المكاسرة» تتواصل، و«الخناق» يضيق حول صالح

يبدو ان وصف «المكاسرة» هو الاكثر تعبيراً عن واقع الحال لما يجري على الساحة اليمنية. فاطراف الصراع يواصلون تلك اللعبة التي يعتقد خبراء انها لن تحسم الازمة في اي اتجاه، لكنها تؤسس لخلافات عميقة، يمتد تأثيرها على المشهد «الدامي اصلاً»، والذي يفضي الى تمزيق لثوابت تلك الدولة التي اعتادت على التعاطي مع كل الملفات ضمن خط سير واضح ومعروف.

اللافت هنا، ان تلك اللعبة تحولت في الآونة الاخيرة الى مشروع لكسر العظم بين اطراف متعددة. والى دخول اطراف كانت حتى وقت قريب محل رفض على مستوى يقترب من الاجماع. ولعل اجماع اليمنيين على رفض المشروع الحوثي، والاتفاق على محاربة تنظيم القاعدة، وما آلت اليه الاوضاع من تحالفات تتكىء على بعض هذه التنظيمات ما يكشف عن عمق التحول في المشهد. والذي يراه محللون انه مشهد غير مبرمج، وغير سوي، وهناك تخوفات تصل الى مستوى الرعب من تبعاته.
وفي الاثناء، هناك معطيات تؤشر على حراك داخلي بلغ درجة الملل من كل ما يجري، وعن اجراءات قد تطاول شخصيات كان لها دور في الوصول الى هذه الحالة. ويبدو ان الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو احدى تلك الشخصيات.
في الاثناء، تتصدر العملية الفاشلة لتحرير الرهائن التي نفذتها الولايات المتحدة صدارة المناقشات. والسبب في ذلك ان العملية ادت الى مقتل الرهينتين، الامر الذي زاد من مستوى الحرج للجهات التي نفذتها.

مقتل رهينتين
فقد قتل الرهينة الأميركي لوك سومرز والمدرس الجنوب أفريقي بيير كوركي خلال عملية فاشلة شنتها قوات أميركية خاصة بمشاركة قوات يمنية فجر السبت في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، حيث كانا محتجزين لدى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وأكد وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هاغل من العاصمة الأفغانية كابول مقتل الرهينتين، وقال إن «متشددي» القاعدة قتلوا لوك سومرز (33 عاماً) ورهينة آخر خلال عملية الإنقاذ. وقال الوزير الأميركي إن عملية تحرير الرهائن كان لها ما يبررها، موضحاً أنه «كانت هناك أسباب قوية للاعتقاد أن حياة سومرز في خطر وشيك».
وفي واشنطن، أدان الرئيس الأميركي باراك أوباما قتل الصحفي لوك سومرز أثناء محاولة تحريره، ووصف قتله بالوحشي. وقال في بيان إن الولايات المتحدة ستلجأ إلى الوسائل العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية لإعادة مواطنيها المحتجزين في الخارج، مضيفاً أن يد العدالة الأميركية «الطويلة» ستطاول «الإرهابيين» الذين يسعون إلى إيذاء رعايا أميركيين.
وكانت وزارة الدفاع اليمنية أعلنت في وقت سابق تحرير الصحفي الأميركي الذي كان محتجزاً لدى تنظيم القاعدة منذ أيلول (سبتمبر) 2013، ومقتل عشرة من التنظيم خلال عملية عسكرية نفذتها قوة عسكرية أميركية – يمنية مشتركة في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد. لكن مسؤولاً يمنياً رفيعاً أكد مقتل سومرز خلال عملية تحريره، وقبل أن يصل الجنود المشاركون في العملية إليه».

انزال جوي
وتأتي هذه العملية – التي تضمنت إنزالاً جوياً وضربات بطائرات من دون طيار- في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد، بعد أسبوع تقريباً من عملية مماثلة في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن استهدفت تحرير رهائن بينهم سومرز.
وفي السياق تداولت بعض المرجعيات معلومات حول اتفاق بين الحوثيين وتنظيم القاعدة. وان التيار الحوثي اضطر للانصياع لمطالب القاعدة بالانسحاب من بعض المواقع.
ففي الميدان، بدا واضحاً أن سيطرة الحوثيين على مدينة رداع اليمنية لم تعد محكمة، خصوصا بعد تلقيهم ضربات موجعة، وفي ظل مقاومة شرسة أجبرتهم في الأيام الماضية على الانسحاب من مناطق وقرى عدة في المدينة.
فمدينة رداع في محافظة البيضاء (وسط اليمن) من أبرز المناطق التي يتواجد فيها مسلحو تنظيم القاعدة، وتشهد منذ أسابيع اشتباكات دامية بين الحوثيين ورجال القبائل المدعومين من مسلحي القاعدة، راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى.
ويخوض الحوثيون – الذين سيطروا على المدينة منتصف تشرين الأول (اكتوبر) – حرب استنزاف «مؤلمة ومكلفة» بحسب مراقبين، حيث تكبدوا خسائر بشرية وعسكرية كبيرة. وأدى ذلك الى اعلان مسلحي جماعة الحوثي انسحابهم من بلدة خبزة بمنطقة قيفة برداع، بعد التوصل الى تفاق يوقف المواجهات الدامية، ويقضي بخروج الحوثيين بشكل كامل من هذه البلدة وتعويض المتضررين.
وقال مدير مكتب الإعلام في رداع، ناصر الصانع إن الاتفاق يقضي بخروج الحوثيين من البلدة والانسحاب باتجاه جبل الثعالب وجبل العليب اللذين جاءوا منهما، وبتعويض كل الأضرار المترتبة على الحرب، مقابل التزام أبناء القبيلة بعدم الاعتداء عليهم أو القبول بتواجد عناصر تنظيم القاعدة في قريتهم.
ونص الاتفاق أيضاً على تشكيل لجنة لحصر وتقويم الأضرار التي خلفتها المواجهات في قرية خبزة. ويأتي انسحاب الحوثيين من هذه البلدة بعد أكثر من عشرين يوماً من السيطرة عليها، وبالتزامن مع انسحابهم من مناطق وقرى أخرى في منطقة قيفة برداع، التي نفذ أبناؤها عدداً من الهجمات الليلية لاستهداف تجمعات ومواقع الحوثيين.

عزل صالح
وفي سياق آخر، كشفت مصادر قيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام عن وجود اتجاه قوي داخل الحزب لعزل زعيمه الرئيس السابق للبلاد علي عبدالله صالح، وتعيين نائبه (الرئيس الحالي) عبد ربه منصور هادي الذي صدر مرسوم بعزله من المكتب القيادي للحزب، بدلاً منه، على خلفية وقوف صالح إلى جانب ميليشيات جماعة الحوثي والتنسيق معهم لدخول العاصمة صنعاء.
وعقدت قيادات بارزة اجتماعاً في عدن للنظر في أوضاع الحزب، وأعلنت في مؤتمر صحافي بعده ضرورة إزاحة صالح عن رئاسة الحزب، وإعادة نائبه الرئيس هادي إلى منصبه الذي أزيح منه وتعيينه رئيساً للحزب. وأعلن عضو الأمانة العامة لحزب المؤتمر أحمد بن أحمد الميسري أن الحزب يعد لمؤتمر عام في المحافظات الجنوبية والشرقية وإقليم الجند، يُفترض أن يعقد في 15 كانون الاول (ديسمبر) الحالي، من أجل اختيار الرئيس هادي رئيساً للمؤتمر الشعبي العام بدلاً من صالح.
الى ذلك، سربت مصادر متابعة معلومات حول ترتيبات يجري الاعداد لها وتسمح بخروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من اليمن، مقابل إلغاء قرار العقوبات بتجميد أمواله وحظر سفره. وقالت المصادر إن مقربين من صالح يتفاوضون مع منظمات دولية ودول غربية للتوصل إلى اتفاق حول هذه الترتيبات.
وأشارت المصادر إلى تحركات على مستوى المنظمات الدولية في العاصمة صنعاء وفي الأروقة الدولية يقوم بها مقربون من صالح، بعضهم وصل الى صنعاء، فيما سلم آخرون رسائل للأمم المتحدة عبر مكتبها في العاصمة اليمنية.
وأفادت بأن الوسطاء عرضوا استعداد علي صالح لتنفيذ مطالبهم بالخروج من البلاد؛ شريطة السماح بالتواصل مع الداخل اليمني، وهو ما قوبل بالرفض، مشيرة إلى أن أمر خروج صالح بات متوقعاً، لكنه ينتظر فقط إجراء انتخابات في هرم حزب المؤتمر الشعبي العام قريباً. إلى ذلك، أعلنت قيادات جنوبية في حزب المؤتمر تدشين مكتب لها في عدن، ويضم محافظات جنوبية وشمالية بينها تعز والحديدة وإب، في أول تأكيد على وحدة اليمن في إطارها الحزبي وحرص القيادات الجنوبية على ذلك.

وزير الدفاع يحذر
من جهته، حذر وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي جماعة الحوثي ومسلحي علي عبدالله صالح من مغبة أي انتهاك للاتفاقية الموقعة مع السلطة المحلية بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن، مؤكداً أن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي.
وتسعى قيادات مقربة من الرئيس السابق إلى استهداف محافظة تعز من خلال الدفع بمسلحين وصلوا إلى مدينة القاعدة التابعة لمحافظة إب والواقعة على التخوم الشرقية لمدينة تعز للثأر من دورها في إسقاط صالح عام 2011.

ا. ح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق