محاولات لتغيير خريطة المحاصصة: المالكي يطلق عملية «تحرير الفلوجة» والبرزاني يتمسك برئاسة الدولة
وسط تركيز واضح على العامل الطائفي، بدأت القيادات السياسية العراقية حراكها المتعلق بمخرجات الاستحقاق الانتخابي التشريعي الذي يتوقع ان تعلن نتائجه رسمياً خلال اسبوع. اللافت هنا، ان كماً كبيراً من الاستحقاقات يجري التعاطي معها من خلال مشاريع لتوظيفها في المعركة السياسية التي يعتقد ان محورها موضوع المحاصصة، والتي تتجاوز الحقائب الوزارية الى مقاعد الرئاسات، حيث يرى البعض ان العملية اصبحت بمثابة حق مكتسب، وعرف لا يمكن الحياد عنه. بينما يرى آخرون ان كل شيء قابل للبحث، وان عملية المحاصصة التي كانت وما زالت قائمة ـ كمبدأ ـ يمكن التعاطي معها من حيث التفاصيل.
في المنتصف من هذا الحراك ثمة من يوظف عناصر آخرى على الساحة من اجل تعزيز موقفه بخصوص مشروع التقاسم الذي شكل ابرز اهتمامات الشارع العراقي، سواء الذين يبحثون عن حل سياسي وامني للمشكلة القائمة، أو الذين يطمحون بفرض مواقعهم على المشهد بنسخته الراهنة.
فقد دعت المرجعية الشيعية العليا في العراق إلى وزراء مهنيين ومعارضة داخل البرلمان الجديد الذي سيتشكل بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة. وقال أحمد الصافي ممثل مرجعية السيستاني، خلال خطبة الجمعة في كربلاء، إن العراقيين ينتظرون نتائج الانتخابات العامة التي جرت في 30 من الشهر الماضي لتدشين مرحلة جديدة تبدأ بقيام مجلس النواب الجديد، باختيار الحكومة المقبلة، داعياً الجانبين إلى الاستفادة من تجربة السنوات السابقة واخطائها.
معارضة
واشار إلى أن المطلوب من البرلمان الجديد اصدار القوانين التي تهم حياة المواطنين وتخدمهم. وشدد على ضرورة وجود معارضة داخل البرلمان تقوم على ملاحقة احتياجات الناس واصدار القوانين التي يحتاجونها، والقيام بدور رقابي على تنفيذ هذه القوانين. واكد ضرورة رفد اللجان التي ستنبثق عن البرلمان باستشاريين واختصاصيين لتقديم المشورة والنصح حول القوانين والتشريعات المعروضة على مجلس النواب.
اما بالنسبة الى الحكومة الجديدة، فقد اشار الصافي إلى ضرورة العمل بجدية لحل الازمات التي يعاني منها البلد في مجالات الامن والخدمات والبطالة واستغلال الثروات. واكد على ضرورة معالجة فشل المشاريع التي تقدم الخدمات للمواطنين والبدء بمرحلة تنفيذ صحيح لها.
وفي ما يخص الامن، فقد شدد معتمد المرجعية على ضرورة اعادة النظر بصناعة الامن في البلاد من خلال وجود رجل امن قوي يستطيع حماية الناس وتحقيق أمنهم إزاء عمليات الجماعات المسلحة ضدهم بالقتل والتهجير. ودعا إلى معالجة سريعة لمشكلة البطالة واستغلال امكانات الشباب من خلال خلق فرص عمل حقيقية لانقاذهم والمجتمع من آثارها السيئة. وعن الوزراء الجدد في الحكومة المقبلة، شدد الصافي على ضرورة أن يكون الوزير مهنياً ملتفتاً لمصالح المواطنين وواعياً للمهمة المكلف بها وقادراً على ادائها بأفضل السبل. واكد على ضرورة حماية ثروات واموال العراق والاهتمام بالصناعة وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية القادرة على تنفيذ سياسات اقتصادية لامتصاص البطالة وتقديم الخدمات للمواطنين.
الشراكة الوطنية
في الاثناء، اعتبر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة هي الفرصة الأخيرة لبقاء مبدأ الشراكة الوطنية، مؤكداً أن منصب رئيس الجمهورية استحقاق قومي للأكراد. فيما دشّن النجيفي من أربيل مباحثات تشكيل الحكومة المقبلة واستحقاقات مرحلة ما بعد الاقتراع العام.
وقال البرزاني خلال اجتماع الخميس في مصيف صلاح الدين مع وفد الاتحاد الأوروبي، حيث بحث معهم أوضاع العراق السياسية، إن الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق في 30 من الشهر الماضي هي آخر فرصة لبقاء مبدأ الشراكة الوطنية في البلاد، ملمحاً الى القضية الرئيسية التي تشغل بال الاكرد، والمتمثلة بالاحساس العام بان الحكومة المركزية ترفض منحهم حقوقهم، ولا تبدي الرغبة في حل المشاكل معهم في العديد من القضايا والملفات العالقة بين الجانبين منذ سنوات.
واشترط البرزاني للمشاركة في الحكومة العراقية المقبلة التي ستنبثق من الانتخابات تطبيق الدستور ومشاركة الجميع في الحياة السياسية وتنفيذ المادة الدستورية 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وبناء الجيش العراقي وفق أسس وطنية ومعالجة مسألة قوات البيشمركة الكردية بمنح مرتبات عناصرها من موازنة البلاد العامة والمصادقة على قانون النفط والغاز وإجراء الإحصاء العام وإلغاء جميع المؤسسات غير الدستورية.
وحول منصب رئيس الجمهورية، الذي سيخلو بإعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، خلال أيام، بعدما شغله الرئيس جلال طالباني لفترتين متتاليتين، مدة كل منهما أربعة أعوام، حيث ينص الدستور على أن شغل هذا المنصب يجب أن يكون لدورتين فقط، أشار البرزاني إلى أنه ومع أن هذا المنصب تشريفي، لكن بعد إعلان نتائج الانتخابات، وفي حال إطمأن الأكراد إلى أن الوضع العراقي لن يتراجع إلى الوراء، وقتها سوف يطالبون بمنصب رئيس الجمهورية. مشدداً بالقول «إننا نعتبره استحقاقاً قومياً لإقليم كردستان».
استحقاقات المرحلة المقبلة
ومن جهته، أكد ائتلاف رئيس البرلمان العراقي النجيفي استعداده لبحث متطلبات تشكيل الحكومة المقبلة مع جميع القوى السياسية بدون استثناء حيث أجرى في أربيل مباحثات سياسية مع مسعود البرزاني.
وقال ائتلاف «متحدون للإصلاح» إن قيادته عقدت اجتماعاً مهماً برئاسة أسامة النجيفي، حيث تم خلاله تدارس موجبات واستحقاقات المرحلة المقبلة بشكل تفصيلي، وبما يحقق هدفين، الأول: مصلحة المواطن العراقي، والثاني: الأهداف والتطلعات الوطنية التي يريد ائتلاف «متحدون للإصلاح» تحقيقها.
وأشار بيان صحافي عن الاجتماع إلى أن المجتمعين أكدوا أن الانفتاح على الأطراف السياسية في المحافظات التي فاز فيها متحدون يقع في صلب المنهج الذي اختطه الائتلاف في عمله، وعليه تم تشكيل وفد لهذا الغرض، ومهمته التنسيق وتطوير المشتركات بين الائتلاف والأطراف السياسية.
وأضاف إن ائتلاف «متحدون للإصلاح» قرر توسيع نطاق حواراته مع الأطراف في المشهد السياسي كافة ومن دون استثناء للوقوف بشكل معمق على رؤيتها والبحث في إمكانية تشكيل تحالف وطني واسع يقوم على مبادئ الشراكة الحقيقية والمواطنة وترسيخ الدولة المدنية الحقة والقائمة على العدالة والمساواة.
وقال الائتلاف إنه إذ يؤكد جاهزيته للدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة «فإنه يعاهد جماهيره على أن يكون أميناً على تنفيذ تعهداته والدفاع عن مصالح الجماهير التي آمنت بدوره من أجل عراق آمن موحد، يقوم على قواعد الأخوة بين مواطنيه بدون تمييز أو تهميش والعمل بهمّة مشتركة للنهوض والتطور في شتى مجالات الحياة».
وفي الاثناء، توجّه النجيفي يرافقه وفد من الائتلاف إلى أربيل، حيث اجتمع مع مسعود البرزاني، وتم بحث آخر التطورات على الساحة السياسية العراقية واستحقاقات المرحلة المقبلة، التي ستعقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وينتظر أن يكون هذا الاجتماع بداية لسلسلة مباحثات واتصالات للقوى السياسية العراقية وإمكانية تشكيل تحالف سياسي جديد للإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة.
تحالف سني
وبالتوازي، تجري قوى سنية عراقية سياسية وهيئات دينية نقاشات حالياً للاتفاق على هيكلية جديدة تجمع هذه الفعاليات، وخصوصاً الفائزة منها في الانتخابات النيابية الأخيرة، لإعلان تحالف سني قد يطلق عليه «البيت السني» أو «التحالف العراقي» ليكون رديفاً للتحالفين الشيعي والكردي.
وتواصل القوى السنية ممارسة ضغوطاتها على مراجعها الدينية وقادتها السياسيين من اجل تجميع الكيانات والائتلافات والمرشحين الذين سيعلن فوزهم في الانتخابات العامة التي جرت في 30 من الشهر الماضي لإعلان تحالف واسع على غرار التحالفين الشيعي والكردي من اجل خوض مفاوضات اختيار رئيس الحكومة ووزرائها بقوة وتوحد، ما يمكنه من فرض استحقاقات السنة خلال مرحلة ما بعد الانتخابات.
الى ذلك، وفي توظيف سياسي واضح، بدأت القوات العراقية، صباح الجمعة، هجوماً واسعاً على مدينة الفلوجة في محافظة الانبار الغربية، من ثلاثة محاور جنوبية وشمالية وشرقية، في محاولة لاستعادتها من سيطرة مسلحي داعش، وذلك إثر فشل خطة سلام في المدينة وقعت مؤخراً في العاصمة الاردنية عمان.
واكدت مصادر عراقية أن القوات الحكومية تقصف الفلوجة حالياً بالمدفعية والراجمات وتشتبك مع مسلحي العشائر المناوئة للحكومة في مناطق عدة حول الفلوجة، تمهيداً لاقتحامها واستعادة السيطرة عليها من مسلحي تنظيم دولة العراق والشام الاسلامية «داعش». وتهاجم القوات الفلوجة مدعومة بالطيران من 3 محاور جنوبية من منطقة جامعة الفلوجة، وشمالية من منطقة الشجر، وشرقية محاذية للطريق السريع في محاولة لاستعادتها من سيطرة مسلحي داعش.
معارك الفلوجة
وتتناقض المعلومات حول سير المعارك في الفلوجة والمناطق المحيطة بها، وفيما تؤكد العشائر التفاف مسلحيها حول القوات العراقية ومهاجمتها من الخلف، قالت القوات الحكومية إنها سيطرت على جسر استراتيجي يربط بين الفلوجة ومنطقة دوليبة، وقطعت طريق امدادات «داعش».
وتواصل القوات الامنية مدعومة بطيران الجيش حملة عسكرية واسعة النطاق على مدينة الفلوجة ضد المسلحين المتمركزين فيها. كما يقوم طيران الجيش والمدفعية والراجمات بقصف شديد ضد اماكن تواجد الجماعات المسلحة في المدينة.
وذكرت مصادر امنية أن «تخوم الفلوجة تشهد معارك عنيفة خلال محاولة للجيش الحكومي اقتحامها، كما قُطعت شبكة الاتصالات في المدينة، فيما أعلنت بعض المساجد في المدينة النفير العام».
واتهم خطيب جمعة الرمادي ممثلي أهل السنة في الحكومة ومجلس الانبار «بخيانة المحافظة وبيع ضمائرهم»، وفيما اكد أن محافظة الانبار تتعرض «لمجازر وحشية يرتكبها رئيس الحكومة نوري المالكي» فقد هدد «بهلاك الميليشيات والقتلة» في حال محاولتها دخول الفلوجة.
وتسببت المعارك والقصف الذي طاول المدينة بتضرر عشرات المنازل والمباني الحكومية، وإلى مقتل واصابة 79 شخصاً من القوات الحكومية والمسلحين.
ويأتي هذا الهجوم إثر اعلان المجلس العسكري لعشائر محافظة الأنبار عن فشل التوصل لاتفاقٍ بين المجلس والحكومة بسبب خلاف على الفقرة الأولى، من الاتفاق الذي جرى طرحه في عمان مؤخراً والمتضمنة سحب جميع قطعات الجيش من الأنبار بشكل نهائي قبل تنفيذ أي فقرات أخرى من الاتفاق، حيث رفض رئيس الوزراء نوري المالكي سحب الجيش من الانبار بشكل نهائي.
احمد الحسبان