لماذا تصريحات صفوي؟ ولماذا لم تصدر مواقف ايضاحية حيالها؟
لماذا ادلى كبير مستشاري القائد العام للقوات المسلحة الايرانية الجنرال يحي رحيم صفوي بتصريح اعلن فيه ان «الخط الدفاعي لايران موجود في جنوب لبنان»؟ ولماذا لم يصدر اي توضيح من ايران التي تجاهلت كلياً الامر؟ ولماذا لم يستدع وزير الخارجية جبران باسيل السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن ابادي لاستيضاحه الحقيقة؟
يقول وزير سابق ان مواقف صفوي ليست الاولى التي تصدر عن مسؤولين ايرانيين تتعلق بالشأن اللبناني، وتعتبر تدخلاً في الامور اللبنانية، وسط صمت ايراني من قبل الحكومة او من قبل السفير او من قبل الجهات السياسية التي تدور في فلك المشروع الايراني في لبنان، مشروع المقاومة والممانعة. وابلغ وزيرالخارجية مجلس الوزراء في اخر جلسة له، عندما اثار الرئيس ميشال سليمان تصريح صفوي وطلب من باسيل استدعاء السفير لاستيضاح الامر، «ان السفير اللبناني في ايران علي الحاج ابلغه ان التصريح غير صحيح، وان صفوي لم يقل عن جنوب لبنان، ولذلك لا موجب لاستدعاء السفير. فاعترض وزراء من 14 اذار وطالبوا بان يصدر اي توضيح من السلطات الايرانية او السفارة في بيروت، وليس من السفير اللبناني، لانه ليس مصدراً ايرانياً بل هو مسؤول لبناني عليه ابلاغ حكومته بالحقيقة. وقال احد الوزراء نحن لا نريد افتعال ازمة مع ايران، ولكن على ايران ان تحترم سيادة لبنان ولا تتدخل في شؤونه، وليست هي المرة الاولى التي يدلي فيها مسؤولون ايرانيون بمثل هذه التصريحات.
توضيح بري
واثناء انعقاد اجتماع هيئة الحوار الاخير في بعبدا اثار الرئيس سليمان الموضوع، فسارع الرئيس نبيه بري الى التوضيح، مشيراً الى ان صفوي لا يتحدث باسم الدولة وليس مسؤولاً في الخارجية او في رئاسة الحكومة، بل انه يتحدث باسم الحرس الثوري، والجميع يعلمون الصراع بين الحرس الثوري والسلطة السياسية برئاسة حسن روحاني رئيس الدولة. ولماذا نريد ان نقحم انفسنا في هذا الموضوع واستدعاء السفير وطلب توضيح من السلطات في ايران. وتم ادراج الموضوع في البيان الختامي للاجتماع (المقررات) واصر بري على اعتماد صيغة «التصريحات المنسوبة لبعض المصادر الايرانية والتي تتنافى مع منطق السيادة اللبنانية وحسن العلاقات بين الدول. واعرب عن عزمه على استيضاح الامر من السلطات الايرانية».. بدل استخدام عبارة التصريحات المنسوبة الى مسؤولين كما كانت في صيغة البيان الختامي في الاصل.
لماذا لم يستدع الرئيس سليمان السفير الايراني؟ يقول وزير سابق انه سبق للرئيس سليمان ان استدعى منذ فترة السفير الايراني لاستيضاحه موقف بلاده من تصريحات صادرة عن الدكتور علاء الدين بروجوردي رئيس لجنة الامن القومي في مجلس الشورى تعتبر تدخلاً في الشأن اللبناني وقد وعد السفير بالعودة بجواب من حكومته وذهب ولم يعد. ولم ير سليمان من المناسب بعد هذه الواقعة تكرار الامر واستدعاء السفير مرة جديدة، وفضل ان يتولى وزير الخارجية المهمة لئلا يتكرر مع سليمان ما حصل منذ فترة، فيأتي السفير ويستمع ويغادر ولن يعود بالجواب. وتخوفت مصادر سياسية في 14 اذار من عدم اقدام باسيل على استدعاء السفير غضنفر ركن ابادي عشية الانتخابات الرئاسية، خصوصاً وان العماد ميشال عون مرشح مستتر لقوى 8 اذار، فليس من الحكمة والمنطق اتخاذ مثل هذه الخطوة التي قد تزعج ايران، وقد ينعكس الامرعلى موقف القوى السياسية التي تتبنى مشروع المقاومة والممانعة من ترشيح عون. وتجاهل باسيل الامر كما توقعت اوساط سياسية في 14 اذار، فلو لم يثر الرئيس سليمان الموضوع في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة لما اثاره باسيل ولما تطرق اليه لان الموضوع بالنسبة اليه طوي مع تقرير السفير اللبناني في ايران.
تباين في النصوص
ما حقيقة التباين في نصوص التصريح. تقول اوساط سياسية في قوى 14 اذار ان السلطات الايرانية نشرت تصريحات صفوي كاملة في وكالة فارس باللغتين الفارسية والانكليزية. اما النسخة العربية فقد حذفت منها الفقرة التي تحدثت عن لبنان والتي استند اليها السفير علي الحاج لابلاغ وزارة الخارجية بان تصريحات صفوي لم تتطرق الى جنوب لبنان. ويقول سياسي في 14 اذار انه كان على السفير علي ان يستوضح السلطات والا يجتهد من عندياته، بل ان يحصل على توضيح رسمي حول الموضوع. فاذا كان التصريح غير صحيح لماذا لم تبادر السفارة في بيروت الى نفيه وتوضيح الامر؟ ولماذا يلتزم السفير الصمت، حتى ان نواب مكونات 8 اذار بمن فيهم العونيون تجنبوا التطرق الى الموضوع، باستثناء النائب نعمة الله ابي نصر الذي طالب بايضاحات رسمية من ايران، لانها ليست المرة الاولى التي تصدر مواقف عن مسؤولين ايرانيين تعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي، واخرها اعتراف ايران بانها هي من ارسلت مقاتلي حزب الله الى سوريا للمشاركة في الحرب الى جانب النظام. وفي موقف يعكس «سياسة الاستكبار» لدى ايران، قال نائب من كتلة الوفاء للمقاومة «لا نريد ان نبرر لاحد الموقف من التصريح. لكن ربما يكون مجرد رسالة الى الكيان الصهيوني. ويجب النظر الى الجانب الايجابي من الموضوع، «في حين اشار نائب من حركة امل الى ان الترجمة غيردقيقة ومحرفة».
لماذا كانت تصريحات صفوي الان ولماذا الصمت الايراني حيالها، مع معرفة السفير الايراني انها تركت ردود فعل وتساؤلات في اجتماع هيئة الحوار وفي مجلس الوزراء، ورغم ذلك لم يتحرك السفير لتوضيح الامر، كما فعل السفير اللبناني في ايران عندما تبرع للقيام بالمهمة؟ يربط مسؤول عربي بين هذه التصريحات وما يجري في احدى عواصم المنطقة من اجتماعات ايرانية -غربية لا سيما بين مسؤولين اميركيين ومسؤولين ايرانيين بشأن الملف النووي، الذي قد يتم وضعه في صيغته النهائية نهاية الشهر للانطلاق الى البحث بالملف السياسي. وكان لا بد من ان تبعث ايران برسالة قوية الى واشنطن لم تجد الا جنوب لبنان ساحة لبعث الرسائل كونه على تماس مع اسرائيل، لان ايصال اي رسالة بسرعة الى البيت الابيض يجب ان تستهدف اسرائيل، وفق ما هو متعارف عليه، لان اسرائيل تشكل ولاية اميركية في المنطقة وفق اوساط سياسية مراقبة. ويعزو مصدر ديبلوماسي الموقف الايراني عشية اجتماعات ومحادثات اقليمية تتناول ملفات المنطقة من لبنان الى سوريا والعراق واليمن، الى محاولة ايرانية ترمي الى تعزيز موقفها التفاوضي في هذه الملفات فاختارت جنوب لبنان كساحة لانه على تماس مع واشنطن من خلال اسرائيل، وعبره يمكنها ان تحصن موقفها التفاوضي. فلو لم يكن هدف التصريح بعث رسالة الى الخارج تحت عنوان لبناني، لكانت سارعت ايران الى نفي التصريح او توضيح ظروفه او اتخاذ اي موقف. الا ان الصمت المطبق يشي بان هناك اهدافاً من وراء صدور مثل هذه المواقف، وهذا ما اشار اليه الرئيس نبيه بري بطريقته، عندما دعا الى عدم الدخول على «خطوط التوتر العالي» في المنطقة، طالما ان من اطلق المواقف مسؤول في الحرس الثوري وليس في الخارجية. وان التصريحات الايرانية الاخيرة وفق مراقب عربي تصب كلها في خانة تعزيز موقف ايران التفاوضي وتقوية اوراقها حول المفاوضات، خصوصاً مع الغرب، حول الملف النووي، مقدمة للبدء بمفاوضات اقليمية تهدف الى ارساء تحالفات جديدة بعد وصول الربيع العربي في معظم الدول الى نهاياته، مع بدء الانتخابات النيابية والرئاسية لاعادة تكوين النظام والسلطة في بعض الدول.
فيليب ابي عقل