حكومة انتقالية، وانتخابات جديدة، ابرز عناصر اتفاق السلام الهش في جوبا
يجمع المتابعون على ان اتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه بين طرفي الصراع في جنوب السودان لا يمكن ان ينهي الازمة القائمة هناك. ويرى المحللون ان عناصر الازمة المتجذرة بين الفريقين لا يمكن ان تنتهي بجلسة مباحثات، أو باتفاق على بعض العناصر. السبب في ذلك ما يعتقد انه مقومات الازمة القائمة على الارض، وهي – بحسب متابعين – كثيرة ومتشعبة. ومن شأن اية جزئية منها ان تدفع بالازمة الى التصاعد وان تؤدي الى اشتعال ما نجحت المفاوضات في اطفائه.
يبدو ان هذا ما حدث فعلاً، فبعد ساعات من سريان وقف اطلاق النار استناداً الى الاتفاق الذي وقعه كل من رئيس جنوب السودان سلفا كير، وزعيم المعارضة رياك مشار، اشتكى المعارضون مما اعتبروه اختراقات قام بها الجيش الحكومي. يساعد في ذلك تأكيد الحكومة بان جيشها يملك «حق الرد» في اية لحظة.
فقد اتهم المتمردون في جنوب السودان القوات الحكومية بانتهاكات عدة لوقف اطلاق النار على اكثر من جبهة، وذلك بعد بضع ساعات من التزام هدنة عنوانها وضع حد للنزاع المستمر في هذا البلد منذ خمسة اشهر.
وقال المتحدث العسكري باسم المتمردين لول رواي كوانغ في بيان ان انتهاكات الوثيقة التي وقعتها الحكومة والمتمردون الجمعة «تظهر اما ان الرئيس سلفا كير منافق واما انه لا يسيطر على قواته».
انتهاك وقف النار
واوضح المتحدث ان الجيش السوداني الجنوبي انتهك وقف اطلاق النار في الشمال، وتحديداً في ولايتي الوحدة والنيل الاعلى النفطيتين عبر شن هجمات برية واطلاق قذائف مدفعية، مضيفاً ان المتمردين يحتفظون بـ «حق القتال دفاعاً عن انفسهم».
وسجلت مواجهات حول مدينة بنتيتو (عاصمة ولاية الوحدة) شمال البلاد، التي انتقلت السيطرة عليها مراراً في الاسابيع الاخيرة.
اما في العاصمة جوبا، فاكدت الحكومة ان قواتها تلقت اوامر صارمة بالتزام وقف النار.
وقال اتيني ويك المتحدث باسم الرئيس كير ان الاوامر صدرت للجيش بالبدء باحترام وقف الاعمال الحربية. ولفت الى ان الحكومة لم تتلق اي رسالة من المتمردين، لكن ضباطاً كباراً في الجيش ارسلوا تقارير تشير الى انتهاكات لوقف اطلاق النار من جانب المتمردين بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار.
ووقع رئيس جنوب السودان سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، اللذان تتحارب قواتهما منذ منتصف كانون الاول (ديسمبر) 2013، الجمعة في اديس ابابا اتفاقاً لوقف الاعمال الحربية.
وينص التعهد الذي وقعه كير ومشار على انهما «اتفقا على اعتبار ان تشكيل حكومة انتقالية يوفر افضل الفرص لشعب جنوب السودان» تمهيداً لاجراء انتخابات جديدة لم يحدد تاريخها. وينص الاتفاق ايضاً على فتح ممرات انسانية، والتعاون مع الوكالات الانسانية والامم المتحدة بغية ايصال المساعدات الانسانية الى كل المناطق في جنوب السودان.
ترحيب بالاتفاق
ورحبت الخرطوم بتوقيع الاتفاق وقال ابو بكر الصديق محمد الامين الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية ان هذا الاتفاق مهم ليس فقط للسودان وانما ايضاً للمنطقة مؤكداً دعم السودان لهذا الاتفاق واستعداده لتقديم جميع المساعدات لتنفيذه.
وفي بروكسل، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ان الاتفاق سيشكل تقدماً كبيراً ممكناً اذا تم تطبيقه بسرعة.
واضافت في بيان ان السودان يخوض سباقاً مع الوقت، لانه مهدد بكارثة انسانية، داعية كير ومشار الى ان يامرا فوراً كل المجموعات العسكرية بتجنب اي عمل عسكري معاد.
واضاف البيان ان الاوروبيين ينتظرون ايضاً استئنافاً سريعاً للمفاوضات بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية. وتعرض كل من كير ومشار لضغوط دبلوماسية كبيرة فيما هددت الولايات المتحدة والامم المتحدة بعقوبات محددة الهدف وفرضت واشنطن عقوبات على قياديين عسكريين في صفوف الحكومة والمتمردين.
والنزاع الذي اندلع في منتصف كانون الاول (ديسمبر) خلف آلاف القتلى واجبر اكثر من 1،2 مليون شخص على النزوح.
واعتبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي زار جنوب السودان في بداية ايار (مايو) ان الاتفاق يمكن ان يشكل تقدماً كبيراً، داعياً الجانبين الى التأكد من التطبيق التام لهذا الاتفاق وان تلتزم به المجموعات المسلحة لدى الفريقين مضيفاً ان شعب جنوب السودان عاش معاناة كبيرة منذ وقت طويل.
واشاد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي كان زار البلاد الاسبوع الفائت بالاتفاق ودعا الجانبين الى ترجمة التزامهما فوراً خطوات على الارض وخصوصاً وقف كل الاعمال الحربية.
تحذير من المجاعة
وقالت منظمة اوكسفام غير الحكومية التي تنشط في المناطق التي دمرها النزاع ان النازحين يحتاجون للعودة الى حقولهم في اسرع وقت والا فانهم مهددون بعدم التمكن من اعالة عائلاتهم في الاشهر المقبلة، مضيفة ان البلاد تحتاج الى مساعدة هائلة.
واعلنت منظمة الاغذية والزراعة (فاو) التابعة للامم المتحدة ان جنوب السودان على شفير المجاعة وحذرت من ان ثلث السودانيين الجنوبيين البالغ عددهم 11،5 مليون نسمة مهددون بمستوى غير مسبوق من انعدام الامن الغذائي.
من جهة اخرى، تحدثت المفوضة العليا لحقوق الانسان في الامم المتحدة نافي بيلاي وهي قاضية سابقة في المحكمة الجنائية الدولية التي حاكمت الضالعين في الابادة برواندا عما اسمته «عناصر عديدة تؤشر الى حصول ابادة» في اشارة الى الفظائع التي ارتكبت في جنوب السودان.
وافاد التقرير الى ان المعسكرين ارتكبا منذ بداية النزاع انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان والقانون الانساني الدولي على نطاق واسع.
واكدت بعثة الامم المتحدة في جنوب السودان ان المدنيين لم تستهدفهم اعمال العنف فحسب بل استهدفوا في شكل متعمد على خلفية اتنية، موضحة ان كل اطراف النزاع ارتكبوا عمليات اغتصاب واعمال عنف جنسية بحق نساء ينتمين الى مجموعات اتنية مختلفة.
ويتولى جنود الامم المتحدة حاليا حماية اكثر من 78 الف مدني لجأوا الى ثماني قواعد للامم المتحدة في مختلف انحاء البلاد خشية تعرضهم للقتل.
وكان مسؤولون كبار في الأمم المتحدة تعهدوا ببذل أقصى جهودهم لمنع تحول النزاع في جنوب السودان الذي يأخذ طابعاً قبلياً إلى حرب إبادة وحذروا قادة الطرفين من أنهم سيتحملون المسؤولية في حال حصول مجاعة في البلاد.
أ. ح