سياسة عربية

الانهيار الاقتصادي في مصر

عملية نسف خط الانابيب، الذي ينقل الغاز المصري الى الاردن، قرب مدينة العريش، على يد «جهاديين» من صحراء سيناء، يدخل في اطار انعكاسات احداث مصر وغيرها، على الاقتصاد المصري واقتصاد سائر العالم. واعلن الاردن توقف الامدادات التي تصل اليه من مصر. ومن الذيول الاخرى، الارتفاع الذي شهدته اسعار البترول، خصوصاً في سوق نيويورك، الى ما فوق المئة دولار، للبرميل الواحد، والى مستويات لم يعرفها منذ ايلول (سبتمبر) 2012.

الخبراء يعيدون السبب (ويؤكد ذلك، نسف انابيب الغاز في العريش) الى عناصر مختلفة، ومنها الوضع السائد في مصر. قبل وبعد اسقاط الرئيس محمد مرسي. وكانت وتيرة تصاعد اسعار النفط، بدأت في الاسبوع الماضي، مع التطورات على الساحة المصرية، واخبار تحدثت عن تراجع في الاحتياطي الاسبوعي، للمنتوجات النفطية، في الولايات المتحدة.
فموقع مصر على خريطة نقل الهايدروكاربورات، عبر الانابيب وقناة السويس، تثبت اهميتها بالنسبة الى السوق. بينما تحدثت ارقام خلال الاسبوع الماضي عن تراجع الاحتياطي الاسبوعي للمنتوجات النفطية الاميركية، حوالي 10،3 مليون برميل، وكانت التوقعات حوالي 2،3 مليون، وتراجع معها احتياط المواد المكررة والبنزين. على التوالي 2،7، و1،7 مليون برميل، بينما كان المحللون توقعوا زيادة في هذين الاحتياطيين، اضافة الى اوضاع سوق العمل الاميركية، حيث بقيت مستويات البطالة على حالها: 7،0 في المئة، بالرغم من خلق 195000 فرصة عمل في شهر حزيران (يونيو).

الوضع في ليبيا
وينضم الوضع في ليبيا، الى الاحوال المصرية، عنصراً آخر، يضغط على طريق ارتفاع اسعار النفط الخام ومشتقاته. ولاحظ المراقبون، توافق الاعلان عن انخفاض احتياطي المنتوجات النفطية في الولايات المتحدة، مع اعتراف نائب وزير النفط الليبي عن هبوط انتاج ليبيا من النفط.
وكشف المسؤول الليبي ان الانتاج تراجع في الثماني والاربعين ساعة الاخيرة. شارحاً ان السبب، كان توقف مجموعتين عن الانتاج، نتيجة تحركات مطلبية من العاملين فيهما. وكانت مصادر شركة النفط الوطنية الليبية، تحدثت، في منتصف شهر حزيران (يونيو) عن انخفاض الانتاج، في معدل الثلث. مما ادى الى ارتفاع الاسعار في السوق. ولا يبدو ان الوضع على طريق التحسن بعد الاعتداءات التي وقعت ضد اجانب ومهندسين في القطاع، وكانت آخر هذه العمليات، اطلاق النار على قنصل ايطاليا، في بنغازي. وكانت السلطات الليبية، حذرت المجموعات التي تزعج النشاط النفطي في ليبيا من ذيول انخفاض العائدات النفطية، ويبلغ انتاج المجموعتين اللتين توقفتا عن الانتاج 400 الف برميل في اليوم. وتدخل نيجيريا على خط هذه التطورات، مع التهديد الذي اصدره العاملون في قطاع النفط.
ولا تتوقف انعكاسات الاحداث المصرية، على ذيولها الخارجية، فان نتاجها الداخلية اكثر خطورة على الصعيد الاقتصادي. لان استمرار الحال، على المنوال الذي شهدته الاشهر الاخيرة، يعني ازدياد البطالة. وتشير الارقام الرسمية الى انها ارتفعت الى معدلات 13 في المئة، بينما الحقيقة هي اعلى بكثير، ويعني هذا الوضع، بالنسبة الى البعض، جوعاً. وتشير الارقام، الى ان نسبة المصريين، الذين انزلقوا الى ما دون مستوى الفقر، انتقلت من 21 الى 25 في المئة. منذ اندلاع الثورة في سنة 2011 وفقد مليون شخص اعمالهم منذ 2010.
وبات العاطلون، والفقراء وكل البقية الافضل حالة اقتصادية مضطرين الى التعامل مع تضخم وصل الى 8 في المئة، يضغط نزولاً  على طاقتهم الشرائية التعيسة، ولا بد لهم من ان يتركز الذين عادوا الى الاصطفاف طوابير، لشراء البنزين، قول وزير النفط السابق، شريف حضاره، قبل ايام من الثورة على محمد مرسي: «وصلنا الى مستوى احتياطنا الستراتيجي» الذي سينتهي في آخر الشهر».

اجتذاب الاستثمارات
يبقى على الحكومة الجديدة، التي يجتهد النظام الجديد في تشكيلها، ان تسعى الى اجتذاب الاستثمارات الاجنبية، من جديد، بعد ان انهارت من 2،9 الى 1،5 مليار دولار، خلال سنتين. بينما انخفضت الاستثمارات الداخلية من 36 الى 18 ملياراً. وسبق لسفراء دول الاتحاد الاوروبي ان قالوا لنظام الاخوان: لا استثمارات جديدة قبل ان يتأمن ضمان الاستثمارات القديمة. بعد سوابق عدم احترام عقود سابقة جرى تعليق بعضها، من جانب واحد.
ثم هناك المفاوضات التي لا تنتهي مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض من 4،8 مليار دولار، لان حكومة الاخوان، رفضت تنفيذ شروط الصندوق بالاصلاح الاقتصادي، ففضلت الاعتماد على ما تيسر من المساعدة العربية. ولا شك في ان من شأن النظام الجديد، ان يعطي دفع ثقة، تترجم بـ 15 ملياراً مساعدات من الاتحاد الاوروبي، ومن مؤسسات متعددة الجنسيات وحكومات في شكل فردي.
وليست هذه هي الازمة الاولى، التي تعصف بمصر، فالعجز في ميزانيتها كان 20 في المئة، قبل عشرين سنة، ولا يتعدى 12 في المئة اليوم. وكذلك التضخم، كان في مستوى عشرين في المئة.وكانت مصر بدأت تعيش، مع سنة 2000، مرحلة نمو صلبة ومتواصلة، قطعتها الازمة العالمية في العام 2008 فلم يتمكن المصريون كلهم من تذوق فوائدها، لان الاصلاحات الاقتصادية، التي قام بها نظام حسني مبارك، لم تترافق مع نظام قواعد ومراقبة، لتجنب تجاوزات النظام وحلفائه من رجال الاعمال، وفساد الجميع.

المشاكل المعيشية
ومثلما سيعود المصري العادي، الى التخبط في التضخم الذي يضرب كلفة معيشته وفي القلق الذي يصيبه مع كل توقف في احدى محطات الوقود، فان عسكر النظام واركانه المدنيين، سيعودون بعد انتهاء سكرة الثورة، الى مواجهة شؤونهم اليومية ومشاكلها، سيعودون الى ميزانية دفاع، تبقى من اسرار الدولة، مع كل نظام جديد ام قديم، منفصلة عن الحسابات المدنية، والى صناعة عسكرية، تملكها القوات المسلحة، كما هو الحال في الصين وفي كوبا، من المعتقد انها تساوي معدلات نسبية تتراوح بين 20 و30 في المئة من الاقتصاد الوطني المصري. ومن المعروف انه يجري توظيف قسم من المساعدات التي يتلقاها الجيش المصري، من الولايات المتحدة (مليار و300 مليون دولار)، في عقود مشتركة تعقد مع القيادة المصرية العسكرية لانتاج مواد استهلاكية.
ويبقى قطاع الدفاع، في عهدة العسكر، حيث يتولى قائد القوات المسلحة منصب وزير الدفاع، والتبرير هو ان الجيش المصري، هو جيش الشعب، ولكن جيوشاً اخرى في المنطقة، تحمل هذه الصفة، ولكن ميزانياتها تتميز بالشفافية الكاملة.
والسؤال المطروح الآن، بالنسبة الى مصر، هو: هل يستطيع العسكر قيادة الربيع المصري، واجراء الاصلاحات الاقتصادية المناسبة للقرن الواحد والعشرين؟
ورب قائل ان العسكر، هم الذين كانوا وراء بعض الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي، لفتح المفاوضات لان المجلس العسكري الاعلى، في آخر عصر الطنطاوي، رأى انها تشكل اعتداء على السيادة الوطنية.

الصناعة العسكرية
خليفته، الجنرال سيسي، ينتمي الى جيل جديد من العسكر الشباب، ولكن الجهاز العسكري، الصناعي، يبقى ذا اهمية اساسية، حتى بالنسبة الى الاكثر شباباً. مع العلم، بأن حساسية المصريين تجاه الاستثمارات الاجنبية، قديمة، وعقائدية، وثمرة مصالح واضحة. وكان الجهاز الذي ترأسه جمال مبارك، في عهد والده، تجرأ على كسر هذه العقدة. ولكن الذي حصل، هو ان عداء العسكر وقسم من السياسيين ازداد صلابة. وكذلك مقاومة الاصلاحات الاقتصادية البعيدة المدى، وجاذبية التدابير الشعوبية في مرحلة ازمات وعدم استقرار سياسي، كما اثبتت، كل الحكومات منذ بدأت تحركات ميدان التحرير.
فان حكومة احمد شفيق رفعت اجور القطاع العام والعسكر، في معدل 15 في المئة. وجرى تحويل الاف العقود المحدودة الزمن، الى عقود غير محددة الزمن. وتبنت حكومة عصام شرف اضخم ميزانية في تاريخ مصر من 69 الى 91 مليار دولار التي زادت النفقات الحكومية في معدل 20 في المئة، ووافق كمال الجنزوري (كانون الاول – ديسمبر) 2011 الى آب (اغسطس) 2012، على حد ادنى للاجور الدنيا، وصادق على خطط لاعادة تنشيط الاقتصاد.
وارتفع معدل النمو، فعلاً 5 في المئة، لبضعة اشهر، وأعد رئيس الحكومة هشام قنديل (آب – اغسطس – 2012 – تموز – يوليو – 2013). مجموعة من الاصلاحات، في مجالات المساعدات والدعم والاستثمارات الاجنبية، ولكنه لم يجر تطبيق اي واحد من هذه الاصلاحات، لان محمد مرسي، كان يسعى وراء دعم شعبي للدستور الاسلامي الذي كان يريد طرحه.
فيكون الجميع، بمن فيهم الجنزوري نفذوا نصف العمل المطلوب، فاهتموا بالناحية الاجتماعية من الازمة، وليس بالاصلاحات المفروضة للخروج من هذه الازمة.
والثورة مستمرة في دولة التسعين مليون مصري، والطريق الى الديموقراطية الحقيقية لا تزال طويلة.

ج. ص
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق