«لطخة صفراء» في العين؟ فوق الخمسين؟ إنتبه… خطر العمى!
هناك 285 مليون إنسان في العالم يعانون من اعتلال في النظر و39 مليون أعمى على الأرض
نجيب محفوظ، الروائي المصري، كتب: أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري…
ليس نجيب محفوظ وحده طبعاً «المهزوم»، فهناك 285 مليون إنسان في الكون يعانون من اعتلال في النظر، بينهم 39 مليون أعمى.
قدرٌ؟ ثمة إهمال قد يتسبب بعمى، ثمة اعتلال في «لطخة العين الصفراء» يتسلل الى عيون كبار السن ويتسبب بتخريب وتدمير وعمى.
فوق الخمسين؟ إنتبه… تحت الخمسين؟ تعرّف على مرض اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب…
نسمع عادة عن لطخة على الثياب، عن ثيابٍ متسخة بلطخة أو عن لطخة على الجلد من تأثير كدمة… لكن أن نسمع عن لطخة، لطخة صفراء، في العين فهذا عجيب غريب!
عش كثيراً تسمع طبعاً كثيراً.
إذا كانت اللطخة الصفراء على الثياب قد ينفع معها مسحوق غسيل جيد، فإن اللطخة الصفراء في العين كانت مثار دراسات وأبحاث أجرتها «باير للرعاية الصحية» دلت على أن للمرض أيضاً حلاً… فماذا في المرض؟ وماذا في الحل؟
البصرُ حق
ممثل الجمعية اللبنانية لطب العيون الدكتور هيثم سلطي تحدث عن «الحق بالبصر». نعم البصرُ حق وحقُ الناس أن يتمتعوا بنظر سليم لكن، للأسف، هناك 285 مليون إنسان في العالم يعانون من اعتلال في النظر. والتوقعات تشير الى ارتفاع الرقم في 2025 الى 605 ملايين حالة. الرقم عال. والمشاكل البصرية إذا كثيرة. نقرأ بعينين جامدتين ونغض الطرف؟ نردد مع «القوالين»: نصيبهم؟
لا، المسألة طبعاً جدية خصوصاً أن ثمانين في المئة من الحالات يمكن التحكم بها، إذا عولجت في شكل صحيح ومبكر، قبل أن تصل الى مرحلة فقدان البصر. وثمة مبادرة أطلقت باسم «الحق بالبصر» تعمل على التخلص من كل الأسباب التي يمكن التحكم بها وتؤدي الى فقدان البصر وبينها المياه الزرقاء التي تشمل 47 في المئة من هذه الحالات.
اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب يؤدي الى فقدان البصر. وهو مرتبط بتقدم العمر، أي أنه يصيب أو قد يصيب من تجاوزوا سن الخمسين أو الخامسة والخمسين، واللطخة الصفراء هي المنطقة المركزية في العين، عند الشبكية، وهي مسؤولة عن الرؤية المركزية التي تسمح لنا بأن نقرأ ونشاهد الشاشة الصغيرة ونقود المركبة والتركيز، في حين تعطينا أجزاء العين الأخرى الرؤية المحيطية. واعتلال اللطخة الصفراء يُصيب عادة هذه النقطة، النقطة المركزية، وهو قد يظهر بنوعين: النوع الجاف وهو شائع جدا ويشمل نحو ثمانين في المئة من مرضى هذا الاعتلال، وهناك النوع الرطب وهو أقل شيوعاً لكنه أكثر عدوانية، ويؤدي الى فقدان في الرؤية، خلال أشهر قليلة أو حتى مجرد أسابيع، غير قابل للعلاج.
اسباب وعوارض
ويحدث عادة هذا الاعتلال عندما تتراجع، مع تقدم العمر، كفاءة التخلص من الفضلات الغذائية من شبكية العين، وقد يساهم التدخين في ظهور هكذا حالات، والوراثة قد يكون لها أيضاً دور. السكري سبب إضافي ومثله ضغط الجسم المرتفع والدهون العالية في الدم.
اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب يؤثر على الحياة، على نوعية الحياة، فلا يعود المصاب قادراً على الحراك بحرية، فتزيد وحدته وتنخفض ثقته بنفسه، ما يؤثر سلبا على المجتمع البشري والاقتصادي. نعم الإقتصاد يتأثر. وقد دلت الدراسات على ان العبء الاقتصادي السنوي نتيجة فقدان النظر يصل الى 2،25 مليون يورو!
في حالات النوع الرطب، الخطير، من اعتلال اللطخة الصفراء، والذي هو ثالث سبب في العالم لخسارة البصر، تنمو أوعية دموية غير طبيعية تحت اللطخة الصفراء تؤدي الى تراكم السوائل الناتج عن انسداد وريد الشبكية المركزي والى حصول نزف تحت الشبكية. ولعلّ أعراض هذا الإعتلال قد تبدأ بحدوث جلطة في العين، فيتراكم الدم في الشرايين، يترافق مع ألم مفاجىء، يعود ليخسر المصاب نظره بعدها خلال وقت، كما ذكرنا، قصير جداً. وتصبح هناك غشاوة في الرؤية وتظهر بقع سوداء داكنة.
العلاج
تشخيص المرض يكون عبر فحص دقيق، متأن، يقوم به اختصاصي شبكية العين قد يستتبعه بإجراء صور ملونة لشرايين الشبكية لتحديد نوع المرض ومتابعة تطور الحالة. ماذا لو اكتشف الطبيب وجود هذا الإعتلال؟ يستسلم؟ الباحثون يأبون إدراج كلمة إستسلام في قاموسهم وهم نجحوا في إيجاد علاج، من حقنة واحدة كل شهر، مدة ثلاثة أشهر، على أن يتابع بجرعة واحدة كل شهرين، أثبت فعاليته في منع تدهور الإصابة وبلوغ العمى.
ممتاز. ماذا عن لبنان؟ ماذا عن اللبنانيين؟ هل هناك إحصاء يؤشر الى عدد اللبنانيين المصابين باعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب؟
لا إحصاءات دقيقة عن الحالة في لبنان، لكن إذا حسبنا أن عدد اللبنانيين، كما يقال، هو أربعة ملايين و500 ألف نسمة، بينهم 900 ألف مواطن فوق سن الخمسين، وإذا قسنا هذا الرقم على نسبة الإصابة بهذا الإعتلال، أي نسبة عشرة في المئة من السكان، يكون هناك 7 آلاف و78 مواطن لبناني أصيب بالعمى جراء هذا المرض الذي لم يكن يتوافر له، قبل وقت جد قصير، العلاج الشافي.
السكري إذاً قد يكون سبباً في الإصابة بهذا الإعتلال، والتوقعات كما بتّم تعلمون، تشير الى ارتفاع عدد الإصابة بالسكري في لبنان من مئة ألف مريض الى 350 ألفاً في 2030! وهناك ما لا يقل عن ثلاثين في المئة من المصابين، بحسب أطباء العيون، أصيبوا بضرر في شبكية العيون. وإصابة هذه الشبكية هو السبب الأول لفقدان النظر. والحل؟ مراجعة طبيب العيون بشكل دوري، منذ بداية تشخيص السكري، وعدم السماح لأنفسنا أن ننسى، أي لحظة، أن عدم تنظيم مستوى السكر في الدم يؤدي الى فقدان البصر عند 35 في المئة من المصابين خلال خمس سنوات!
فوق سن الأربعين؟ فوق الخمسين؟ تقترب منهما؟
من أبرز التغيرات التي تطرأ على الرؤية عند غالبية البشر، بين عمر الأربعين والخمسين، هو طول النظر، حيث تبدأ عدسة العين بفقدان مرونة الحركة ويصبح التركيز على القراءة صعباً، كما تصبح عدسة العين مشدودة وقليلة النشاط ولا يعود سهلاً إدراك الألوان وتمييزها، فيظهر اللون الأزرق مثلاً قاتماً ولا يعود سهلاً، مع التقدم أكثر في العمر، في تحديد نهاية الأجسام وبداياتها وتبيان الأرصفة والحواجز والسلالم… كما تصغر مع العمر حدقة العين فتصبح بحاجة الى مزيد من الضوء حتى تكون الرؤية جيدة. وقد يتراوح ضعف البصر مع تقدم العمر بين الإبصار الجزئي أو «النظر الضعيف» والعمى!
العين مرآة الجسم
شبكية العين هي المكان الوحيد في جسم الانسان الذي يمكن فيه رؤية الأوعية الدموية الصغيرة مباشرة، لذا يمكن من خلالها اكتشاف ليس فقط السكري بل ضغط الدم أيضاً وبعض أورام المخ. فإذا كان المرء مصاباً بالسكري مثلاً قد تظهر شعيرات دموية جديدة في شبكية عينه وتليفات وقد يحدث الانفصال فيها، كما أن ارتفاع ضغط الدم والتهابات الكلى وغيرها من الأمراض الطارئة تؤثر على الشبكية وتظهر في شكل رشح دموي أو انتفاخات وتليفات في أنسجة الشبكية.
تتبدل الأسماء، تتبدل أشكال الإصابات، وتبقى العين مرآة الجسم… وهناك، في هذه المرآة، نكتشف في كل مرة أمراضاً واعتلالات جديدة، وها نحن اليوم نسمع باللطخة الصفراء التي قد تأتي جافة أو رطبة والعياذ بالله إذا أتت رطبة! لكن، ما قد يريح الأعصاب، أن العلاجات الجديدة تتوافر لحل المعضلات المرضية الكبيرة. أنظروا في المرآة، أنظروا جيداً، واتركوا مرآة عيونكم تعكس الصورة فتُمسكون حينها بكل التفاصيل. وفي إحداها، في أحد هذه التفاصيل، ستتحكمون ببعض ما كان يتردد على أنه: مشيئة الله… فالسماء أعطتنا عقلاً لنفكر وآذاناً لنسمع وعيوناً لنقرأ ونتابع ونستدرك. واستدراك العمى قد يكفيه بعض الوقاية وكثير من الوعي…
نوال نصر