عقدتا «الإرهاب والإنتقالية» تفشلان الجولة الأولى من «جنيف – 2»

«التقدم الوحيد الذي حصل في جولة المفاوضات التي إنتهت هو إلزام النظام بالتفاوض»، بهذه العبارة لخص عضو وفد المعارضة السورية الى جنيف – 2 لؤي صافي، نتيجة جولة المفاوضات التي جرت في مدينة مونترو السويسرية خلال الأسبوع الفائت بين الحكومة والمعارضة، والتي جرت تحت عنوان «جنيف»، وتحت مفهوم إستكمال ما أسفرت عنه محادثات «جنيف – 1» قبل عام تقريباً.
بينما أجمع المتابعون، ومن قبلهم اطراف الحوار ـ مشاركون وراعون ـ على صعوبة الحوار، تشير المعلومات المتسربة الى تمسك كل فريق بموقفه، وفشل المحاولات الرامية الى «هيكلة الحوار» بما يؤدي الى إعادة ترتيب فقراته.
وتشير معلومات حصلت عليها «الأسبوع العربي» من سياسيين تابعوا تطورات ذلك الملف الى ان الوعود التي قطعتها الولايات المتحدة بتقديم دعم دفاعي للمعارضة رفعت من منسوب التعقيدات، وأدت الى وصول الحوار الى طريق مسدود. فالمعلومات الراشحة تؤكد ان الولايات المتحدة سلمت المعارضة كميات من الأسلحة التي صنفت على أساس انها دفاعية. وقطعت وعداً للمعارضة بأنها ستقدم لها الدعم الذي يضمن قدرتها على الدفاع عن نفسها في حال لم يقدم النظام التنازلات المطلوبة، وهي الخطوة التي اثارت حفيظة وفد النظام، الذي إتهم واشنطن بعدم الحياد في تلك المفاوضات، ودفعه الى التشبث بمواقفه، بما في ذلك تراتبية القضايا مدار البحث.
تناقض
وفي المقابل مكنت تلك الخطوة المعارضة من التشبث بمواقفها، والإستناد الى قناعة بأنها لن تعود خاسرة مهما كان موقف وفد النظام، وانها ستعود بدعم عسكري او بتنازلات حكومية. من هنا يتوقف المتابعون عند ما يعتبرونه تناقضاً في المشهد السوري على مدى الأيام العشرة الأخيرة، التي شهدت مفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة في مؤتمر جنيف – 2، فمن بحث عن حل سياسي للأزمة، الى أعمال عنف ميدانية حصدت أكثر من مئتي شخص يومياً.
وكما كان متوقعاً، وخلافاً لـ «التسريبات الدبلوماسية» التي تؤشر على تفاؤل ضئيل، انتهت يوم الخميس أولى جولات محادثات السلام الشاقة، الخاصة بالملف السوري، والتي استمرت أسبوعاً. المعلومات الراشحة من مقر المفاوضات، اشارت الى ان الجولة انتهت دون إحراز تقدم نحو إنهاء الحرب الأهلية التي استعرت وزادت حدة وعنفاً بالتزامن مع مفاوضات «جنيف – 2»، ودون تأكيدات على انتظامها في الجولة الثانية التي يأمل المنظمون ان تنطلق بعد عشرة ايام في المكان عينه. حيث اعلن وسيط الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي إن وفد المعارضة سيعود في العاشر من شباط (فبراير) بينما أبلغه وفد الحكومة السورية بأنه في حاجة للتشاور مع دمشق قبل تأكيد عودته.
ولم يتزحزح أي من الجانبين قيد أنملة عن مواقفهما الرئيسية، فالمعارضة تريد أن تركز المحادثات على الحكومة الإنتقالية التي تقول إنها ستبعد الأسد عن السلطة، بينما تريد الحكومة التركيز على محاربة الإرهاب وهي الكلمة التي تستخدمها للإشارة إلى خصومها المسلحين. بينما حافظ الإبراهيمي على تفاؤله الحذر، حيث اعترف بأن التقدم بطيء بالفعل لكنه قال إن الطرفين يشاركان على نحو مقبول.
ولم يتمكن الطرفان من تحقيق الأهداف الأكثر تواضعاً مثل التوصل إلى اتفاق على دخول قوافل مساعدات إلى مدينة حمص المحاصرة حيث ما زال آلاف المدنيين محاصرين ولا يستطيعون الحصول على الطعام والدواء.
إتهامات المعلم
من جانبه اعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء الجولة الأولى، ان جنيف – 2 لم تحقق نتائج ملموسة خلال اسبوع من المفاوضات.
وعزا ذلك الى سببين: الأول ما اعتبره «عدم نضج وجدية الطرف الآخر وتهديده بنسف الإجتماع أكثر من مرة، والتعنت على موضوع واحد» متهماً المعارضة بأنها تتعامل مع الملف «كما لو اننا قادمون لساعة واحدة نسلمهم فيها كل شيء ونذهب».
أما السبب الثاني، فهو «الجو المشحون والمتوتر الذي ارادت اميركا ان تغلف به اجتماع جنيف» حيث إتهم واشنطن بـ «التدخل السافر» في شؤون الإجتماع وتحديداً بتسيير الطرف الآخر وصولاً الى قرار التسليح الذي اتخذه الكونغرس الأميركي.
من جهته، أكد وزير الإعلام السوري عمران الزعبي في آخر يوم من مفاوضات جنيف – 2 ان الوفد الحكومي لن يقدم اي تنازل في هذه المفاوضات، مضيفاً: «لن يأخذوا في السياسة ما لم يأخذوه بالقوة».
وعلى صعيد متصل أكد رئيس الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية احمد الجربا حصول المعارضة على ما وصفه بأنه «وسائل الدفاع» على الارض، مؤكداً ان التسليح سيزداد حتى التزام النظام السوري بتشكيل هيئة الحكم الإنتقالي.
وقال الجربا في كلمة ألقاها بعد انتهاء المفاوضات ان الوفد اعلن مسبقاً عن «ربط حضورنا جنيف – 2 بتوفير وسائل الدفاع عن شعبنا على الارض». وأكد ان تعهدات الدول اصبحت نافذة، و«سيزداد التسليح الدفاعي كماً ونوعاً حتى يلتزم النظام بحرفية جنيف – 1 الذي يمهد الى تجريد بشار الاسد من كل صلاحياته تمهيداً لعزله ومحاسبته». بينما رأى عضو وفد المعارضة السوري الى جنيف – 2 لؤي صافي ان التقدم الوحيد الذي حصل في جولة المفاوضات التي انتهت هو الزام النظام بالتفاوض.
من جهتها، حمّلت مجموعة أصدقاء سوريا حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المسؤولية عن عدم إحراز تقدم في الجولة الأولى من محادثات جنيف، واجتمعت المجموعة المؤلفة أساساً من دول غربية ودول عربية خليجية في جنيف بعد انتهاء الجولة الأولى من المحادثات بفترة وجيزة وطالبوا الأسد بعدم عرقلة الجولات الأخرى من المحادثات.
إرتفاع عدد القتلى
الى ذلك، تشير المعلومات المتسربة حول اعمال العنف الدائرة هناك، الى مقتل ما يزيد عن مائتي قتيل يومياً. وفي هذا الصدد قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن عدد القتلى منذ فجر 22 كانون الثاني (يناير) وحتى منتصف ليل الخميس الفائت بلغ 1870 شخصاً، بينهم 498 مدنياً، بمعدل يومي بلغ 208 اشخاص.
يضاف إلى هؤلاء 464 مقاتلاً معارضاً، و208 عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، و454 عنصراً من القوات النظامية والميليشيات الموالية لها، وثلاثة مسلحين أكراد، قضوا في قصف جوي طاول مناطق عدة، وتفجيرات بسيارات مفخخة، إضافةً إلى اشتباكات متعددة الأطراف بين المقاتلين المعارضين والقوات النظامية، أو داعش وتشكيلات أخرى من المعارضة المسلحة، أو في معارك بين مقاتلين اسلاميين متطرفين والأكراد في شمال شرق البلاد.
ورأى المرصد أن الأرقام مخيفة، وانه كان من الحري أن تنعقد جلسات جنيف – 2 مع وقف جميع العمليات العسكرية، وتوقف الإعتقالات بحق المواطنين في سوريا، وطالب المرصد المجتمع الدولي بالعمل بشكل جاد وحقيقي لوقف القتل وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، قبل البدء بأي حل سياسي.
احمد الحسبان