السوق الاميركية تستعيد هواجس “الادوات المسمومة”

مشتقات القروض المعدومة، التي يسميها الملياردير الاميركي وورن بوفي ب “الاسلحة المالية للتدمير الجماعي”، ويسميها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ب “الادوات المالية المسمومة”، عادت الى الولايات المتحدة بعدما غابت ابان الازمة المالية الشهيرة والتي كانت في صلب مسبباتها.
يبدو ان هذه المشتقات سلكت هذه المرة نهجاً مختلفاً، اذ انها اصبحت تستند الى قروض المؤسسات وليس الى العقارات السكنية كما كانت الحال في السابق، او قروض الرهن العقاري الاميركي، لا سيما منها المعطاة الى الاسر غير المليئة.
ونذكر هنا انه عندما انفجرت الفقاعة العقارية في اميركا في العام 2007 انهارت قيمة هذه الادوات المالية مؤدية الى خسائر بمليارات الدولارات لحقت بالمستثمرين، وتسببت بالازمة المالية الاخطر منذ العام 1929.
وفيما كانت سوق هذه الادوات تقدر ب 520 مليار دولار عام 2006 ذابت الى حدود 4,3 مليارات دولار في 2009، ما يعني غيابها عملياً. وحلت محل ال “CDO))” كما يسميها الاميركيون ادوات “CLO” المستندة الى قروض المؤسسات. ويقول احد اساتذة المال الاميركيين ان هذه الادوات الجديدة صححت السوق، لكنها لم تتمكن من بلوغ الاحجام التي بلغتها الادوات السابقة قبل الازمة.
ويشير الخبير نفسه الى ان 50 مليار دولار من الادوات الجديدة اصدرت في الفصول الثلاثة الاولى من العام 2013 في الولايات المتحدة، وتوقع ان يكون العام نفسه اختتم ب 70 مليار دولار في كل انحاء العالم.
ويبدو الن الحركة في اوروبا هامشية مع 6 مليارات دولار من ادوات “CLO” على مدار العام المنصرم، من اصل 100 مليار دولار في جميع انحاء العالم. ويظهر ان المصارف الفرنسية لا تطمع بهذا النوع من الادوات لأنها “ذاقت المر” اثناء الازمة.
اموال المضاربات
تعمل الادوات الجديدة “CLO” كل واحدة كمؤسسة صغيرة، مع قروض الشركات المرتكزة عليها من جهة، ومن جهة اخرى مع “القسائم” التي يشتريها المستثمرون، والتي يختلف عائدها بإختلاف الخطر.
وتعتبر القسيمة “الصغرى” او “Equity” هي الاكثر خطورة، بإعتبارها هي التي تتحمل الخسائر الناتجة عن اخطاء التسديد الاولى، لذا هي تزخر بأموال المضاربات التي تبتغي تذخير العائدات.
ويقول احد الخبراء الماليين: ان معدلات الفائدة منخفضة نسبياً، لذلك يتم الاقتراض بكلفة متدنية نوعاً ما، ما يوحي بأن الناس تسعى وراء الخطر. حتى ولو كانت هذه المعدلات قد ارتفعت في الاسابيع الماضية.
وبعد قسائم “الجونيور” تأتي قسائم ما يسمى “ميزّانين”، ثم قسيمة “سنيور”، الاقل خطورة، والتي ينالها رجال التأمين والمصارف.
وتكمن المشكلة في ان قسائم “سنيور” الخاصة بالعديد من المنتجات العقارية المهيكلة كانت تحظى قبل الازمة بتصفيات ممتازة من قبل وكالات التصنيف، لذا كان المستثمرون يشترونها مغمضي العيون، بصرف النظر عن المصارف التي كانت تتعامل بشكل ملتبس بمنتجات او ادوات اكثر خطورة مما كانت تعترف لزبائنها.
ويعتبر محلل متخصص في احد المصارف البريطانية: “لكن عندما تصب الاموال في قروض الرهن العقاري المرتبطة جميعها بالسوق العقارية، لا يعود هناك اي شيء مضمون، بما في ذلك قسيمة “السنيور”.
وبالنسبة الى المحلل نفسه، فإن ادوات “CDO))” نفسها لا تشكل خطراً طالما ان كل الاموال المستثمرة لا ترتبط بسوق واحدة، غير ان ادوات “CLO” هي اكثر ضمانة لأنها تضم قروض المؤسسات في مختلف القطاعات، والتي تتطور مخاطر بشكل متباين.
اضافة الى ذلك يشير المحلل نفسه الى ان المستثمرين، مشتري هذه الادوات باتوا من الآن فصاعداً على قسط كبير من الحذر، ويميلون الى الاستعانة بإختصاصيين مستقلين ومدفوعي الأجر، لتقويم ادوات “CLO” من دون الاستناد الى وكالات التصنيف المعروفة.
واذا كانت مشتقات القروض المعدومة CDO)) المرتبطة بقروض الرهن العقاري قد اختفت، فاءن المحلل يشير الى بقاء سوق ثانوية فعالة منذ الازمة، وهناك اناس اشتروا ادوات سيئة السمعة والقيمة، وبما انها كلها لم تتعرض للصدمة، فإن البعض حقق مكاسب مالية كبيرة.