جنيف – 2 : محطات تفاوضية متعددة، وخيوط تائهة

هل سينعقد المؤتمر الدولي الخاص بالملف السوري «جنيف – 2» في موعده؟ واذا ما إنعقد في موعده، هل يمكن ان يحقق ما هو مطلوب منه؟ ومن هي الجهات التي ستشارك في المؤتمر؟ ومن هي الجهات التي سيكون لمشاركتها تأثير واضح على مدى نجاحه؟ وما هي الدول التي سيكون لغيابها اثر سلبي على النتائج؟
أسئلة تطرح على أكثر من صعيد، وفي أكثر من سياق، مع انها تأتي كنوع من «التفكير بصوت مرتفع»، تلبية لحاجة يراها البعض ملحة، ولمطلب بوقف نزيف الدم المتواصل على الأرض السورية، خصوصاً في ضوء حالة التشعب التي تعيشها الثورة، والتي تطورت لتصبح مواجهات مسلحة يجمع المتابعون على انها أشد بلاءً من المواجهات التي تتواصل بين الثورة والنظام.
في هذا الصدد، يتوقف المحللون عند جملة من العوامل المؤثرة في تفاصيل هذا الملف، وفي توجيه الأزمة وجهات إيجابية وسلبية، بينما الدولتان اللتان ترعيان اللقاء وتحاولان توجيه دفة الملف في إتجاهات تتماشى مع رؤيتهما للحل وبشكل ليس بعيداً عن الإطار المصلحي لهما، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك احياناً، والريبة احياناً أخرى وصولاً الى حالة يصعب معها إحراز تقدم على طريق إنهاء الأزمة التي تتفاعل ببعديها الداخلي والخارجي، ويدفع ثمنها الشعب السوري أولاً وأخيراً.
قضية إشكالية
اللافت هنا ان مسألة إنعقاد المؤتمر تحولت الى قضية إشكالية. فعلى الرغم من إقتراب الموعد المتفق عليه إقليمياً ودولياً، لا تزال المعارضة السورية مترددة في المشاركة،والسبب في ذلك عدم اطمئنانها الى انه سيأتي بجديد يخدم الهدف الذي إنطلقت الثورة على أساسه، وارتفاع منسوب الإحباط لدى الثوار السوريين ليس فقط من تراخي الدول الغربية عن دعم ثورتهم، وإنما لتراجع دور السوريين أنفسهم في الثورة التي أطلقوها، ولتعدد الجهات المشاركة في فعالياتها والتي تحاول تغيير مجرى الثورة الى إتجاهات لا مصلحة للسوريين بها.
حالة الإحباط هذه ترجمت الى مواجهات مسلحة داخل المعارضة، وتحولت الأولويات من مواجهة النظام الى مواجهة «الأغراب» الذين جاءوا لتنفيذ مشاريعهم على حساب الثورة، ما يعني إستنزافاً للجهد، وللإمكانات المتواضعة أصلاً، وبالتالي يدفع ذلك الى تشتت في الرؤى والطروحات الثورية، والى إنعدام للثقة بالمؤتمر وبغيره من الصيغ المطروحة للوصول الى المرحلة التالية.
وبموازاة ذلك، ثمة تحولات في المواقف، فرضتها نتائج التواصل بين بعض الدول، أسهمت في رفع منسوب الإحباط وبالتالي عدم الإهتمام.
من هنا يتوقف المحللون عند كمّ من الأهداف التي يجري التركيز عليها والسعي الى تحقيقها. بدءاً من إقناع المعارضة بالمشاركة، وصولاً الى تحذيرها من مغبة عدم المشاركة في جنيف – 2، وتهديدها بوقف الدعم في حال لم تشارك، ومحاولة إشراك الدول المعنية بالملف، وتلك التي يمكن ان تشكل مشاركتها دفعاً إيجابياً لحل مرض للأزمة، وإستبعاد من يمكن أن تضيف مشاركته عقدة أخرى في تفاصيل الملف المرشح لمزيد من التأزم.
الكم الكبير من التقاطعات التي يجري التعامل معها تلتقي مع حراكات إقليمية ودولية، بعضها يخدم الإطار العام للقضية، وبعضها الآخر يركز على الجانب المصلحي، حيث تبدو ايران في طليعة الدول التي تصر على المشاركة في المؤتمر خلافاً للرغبة الأميركية، واتفاقاً مع الموقف الروسي.
وهناك السعودية التي وجهت اليها الدعوة لحضور المؤتمر، والتي لم تبد أي موقف رافض أو مؤيد للمشاركة، لكنها في المحصلة ليست متحمسة للمشاركة بحكم ثوابتها الداعمة للثورة، والتقاطعات المنظورة بين الأطراف التي تتصدر المشهد، والتي تميل الى تغليب مصالحها الشخصية على حساب ملف الأزمة.
سباق مع الزمن
أمام هذه الصورة، ثمة حراك دولي يراه البعض أشبه بحالة سباق مع الزمن، في الأيام الأخيرة التي تسبق الموعد الذي تم تأجيله أكثر من مرة، والذي لا يستبعد متابعون ان يصار الى تأجيله ثانيةً في حال لم توافق المعارضة على المشاركة، بينما النظام من جهته سمى وفده المشارك، وأكد أكثر من مرة أنه يرفض أية شروط مسبقة.
المدققون في تفاصيل المشهد يعتقدون بأن المؤتمر قد لا يكون ناجحاً، والسبب في ذلك رفض النظام لما يراه شروطاً مسبقة. وفي المقابل تصر المعارضة ويساندها المجتمع الدولي على ألا يكون للرئيس بشار وأسرته أي دور في المرحلة الإنتقالية.
والمدققون في المشهد أيضاً يرون ان الرئيس بشار وأركان نظامه يعتقدون بأن الأمور تصب في صالحه، وأنه لا يوجد ما يمنع من إستكمال العملية السياسية بمشاركة من الرئيس بشار شخصياً الذي يرفض تدخل الاخرين في مستقبل بلاده، الأمر الذي يمكن أن يصعب من العملية الإنتقالية. هنا، وقبل أيام من الموعد المفترض لمؤتمر «جنيف – 2» الذي سيعقد في مونترو بسويسرا في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، نشطت الإتصالات والمباحثات بين الأطراف المعنية بعقد ذلك المؤتمر. فوسط تقارير تؤشر على تزايد العقد التي ينبغي على الأطراف المعنية فكفكتها، وحلها، شهدت وما زالت العديد من العواصم المعنية لقاءات واتصالات ركزت في غالبيتها على تسهيل إنعقاد المؤتمر الذي لم يبق له من اسمه سوى العامل التاريخي فقط، فبينما شهدت العاصمة الفرنسية باريس لقاءً ثلاثياً جمع وزيري الخارجية الأميركي جون كيري، والروسي سيرغي لافروف، والمبعوث الأممي لسوريا الأخضر الإبراهيمي، كما شهد المكان عينه لقاءً لمجموعة اصدقاء سوريا، ولقاءات عديدة لوزراء ومسؤولين شاركوا في الإجتماع عينه مع آخرين أموا باريس لمهمات تتعلق بالملف السوري وتطورات المؤتمر. وبموازاة ذلك، فقد شهدت عواصم آخرى لقاءات متعددة على هامش الجولة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والتي شملت كلاً من العراق ولبنان وسوريا والاردن اضافةً الى موسكو، وسط معلومات لم تؤكد، مضمونها رغبة ظريف في زيارة دول خليجية من بينها السعودية.
لقاء باريس
النشاط الدولي الذي كان محوره العاصمة الفرنسية باريس، واللقاء الثلاثي الذي إستضافته، والذي لعبت الدبلوماسية الفرنسية دوراً بارزاً في متابعة تفاصيله، ركز على جملة من المحاور أبرزها ضرورة إنعقاد مؤتمر جنيف – 2 في موعده، وتوفير سبل النجاح له، إضافةً الى بعض المحاور المهمة الأخرى وفي مقدمتها الأطراف المشاركة.
والمعلومات المتسربة من هناك تؤكد ان موضوع المشاركة الإيرانية في المؤتمر كان محل جدل بين الطرفين الرئيسيين في المؤتمر وهما الولايات المتحدة وروسيا. وفي معلومة مؤكدة، كانت هناك موافقة من قبل المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي على مشاركة ايران، وموافقة اخرى من قبل وزير الخارجية الروسي.
اما بالنسبة الى وزير الخارجية الأميركي والذي عارض مشاركة طهران في المؤتمر، فقد عاد ليطور من موقفه بإتجاه «عدم الممانعة المشروطة»، وبحيث تكون مشاركتها مشروطة بموافقة ايران على مبادىء الإنتقال السياسي في سوريا التي حددها مؤتمر جنيف الأول في 30 حزيران (يونيو) 2012.
خلال اللقاء الثلاثي، بدا الوزيران متفقين على الكثير من الأمور، لكنهما كانا مختلفين حول المشاركة الإيرانية، حيث دعا الوزيران كيري ولافروف، الى «وقف إطلاق النار في مناطق محددة في سوريا ـ تبدأ بمحافظة حلب ـ قبل مؤتمر السلام المرتقب في سويسرا في 22 كانون الثاني (يناير) الجاري.
وخلال مؤتمر صحافي ثلاثي في باريس، دعا لافروف والمبعوث الخاص الى سوريا الأخضر الإبراهيمي الى مشاركة ايران في هذا المؤتمر المعروف بإسم جنيف – 2 وهو ما تعارضه الولايات المتحدة حتى الآن. لكن كيري إعتبر ان ايران ستكون موضع ترحيب وانها «مدعوة» اذا وافقت على مبادىء الإنتقال السياسي في سوريا التي حددها مؤتمر جنيف الأول في 30 حزيران (يونيو) 2012، والذي نص على تشكيل حكومة إنتقالية في سوريا تملك كل السلطات. وفي تلك الأثناء، دعا المسؤولون الثلاثة الى تبادل معتقلين بين مقاتلي المعارضة والنظام السوري وكذلك الى فتح ممرات إنسانية في سوريا.
من جهته أكد لافروف الذي تدعم بلاده النظام السوري وجوب مشاركة ايران والسعودية في المؤتمر المرتقب عقده في مونترو. وفي هذه الأثناء، شدد الإبراهيمي الذي وجه دعوة الى السعودية لحضور المؤتمر لكن ليس الى ايران، على «أهمية» الجمهورية الإسلامية في المنطقة وأعرب عن رغبته مجدداً في حضورها المؤتمر.
جولة ظريف
دبلوماسياً، بدأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي تتمسك بلاده بالمشاركة في «جنيف – 2» دون قيد او شرط، جولة تقوده الى كل من العراق، وسوريا ولبنان والاردن. كما يتوجه ظريف الى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويزور وزير الخارجية السوري وليد المعلم روسيا ايضاً قبل بدء مؤتمر السلام. ويجري الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون محادثات في بغداد مع كبار المسؤولين العراقيين حول الوضع في المنطقة وخصوصاً الحرب الدائرة في سوريا وأعمال العنف في محافظة الأنبار العراقية.
وقبل ذلك، جدد «أصدقاء سوريا»، وزراء خارجية الدول الـ11 المؤيدة للإئتلاف السوري المعارض وهي: «بريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا والسعودية والإمارات وقطر والاردن والولايات المتحدة وتركيا» إلتزاماتهم بتبديد شكوك المعارضة وخصوصاً حول رحيل الأسد من السلطة.
الى ذلك، لم يفلح لقاء باريس الثلاثي في تبديد الشكوك حول مشاركة المعارضة السورية في مؤتمر« جنيف – 2». وبينما أعرب كيري عن «ثقته الشخصية» بمشاركة المعارضة توقف المتابعون عند ما يرون أنه تردد واضح في موضوع المشاركة، إلا ان رئيس الإئتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا حاول تبديد تلك الشكوك وطمأنة المعارضة بالإشارة الى توافق حول مصير الأسد. ففي تصريح مقتضب في ختام اجتماع اصدقاء سوريا أكد الجربا ان «أهم ما في هذا الإجتماع أننا إتفقنا ان لا مستقبل للأسد ولا لعائلته في سوريا».
وعلى الصعيد الإنساني، يجتمع ممثلو حوالى ستين بلداً في الكويت بمبادرة من الأمم المتحدة التي تسعى الى أكبر عملية تمويل في تاريخها لإغاثة وضع إنساني ملح في سوريا حيث يعاني 13 مليون شخص من النزاع الذي يدمر بلادهم. وتتوقع الأمم المتحدة التي تحاول جمع مبلغ 6،5 مليار دولار ان تتجاوز أعداد اللاجئين السوريين أربعة ملايين شخص بحلول نهاية العام 2014.
احمد الحسبان