تلفزيون

مع النظام أو ضده؟ الدراما السورية بألف خير

كثر راهنوا على أفول نجمها مع اندلاع الثورة السورية، ومنهم من افترض أن أفكار كتّاب الدراما السورية ستنضب بسبب ويلات الحرب، لكن شاشات رمضان ضربت كل المقاييس، وقلبت الحسابات على الطاولة. وتبين أن الثورة كانت حبر الكتّاب وعصب الممثلين وهاجس المخرجين والمنتجين بغض النظر عن الاصطفافات التي باتت واضحة مثل الشمس. مع النظام أو ضده؟ حتى هذا السؤال لم يعد من المحرمات. ومرة جديدة اثبتت الدراما السورية ريادتها، وطالما هي بخير فذوق المشاهد العربي وخياله بألف خير.

ليس صدفة أن تتطور ظاهرة المسلسلات التلفزيونية السورية منذ بداياتها حتى اليوم. فالمدارس الإخراجية من علاء الدين مروراً بهشام شربتجي وصولاً إلى نجدت أنزور أظهرت أن الحراك الفني والدرامي في سوريا تجلى برؤى جديدة عبر استعراض مواضيع ومحاور عدة أهمها واقع المرأة في الدراما السورية، والنضال ضد الاستعمار الفرنسي، ومشكلات الشباب السوري، وتاريخ الإقطاع في المجتمع السوري، وصولاً إلى حرب حزيران (يونيو) وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية، والتداعيات الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية للاحتلال الأميركي للعراق، إضافة إلى النتائج الفكرية والثقافية لحرب تشرين التحريرية. لكن قمة الإبداع تجلت في تظهير الثورة السورية والصراع القائم اليوم بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له.

تجاوز المحرمات والخطوط الحمراء
حتى بداية شهر رمضان كانت الخشية من ان ينسحب أفول باب الحارة 6 على كل الدراما السورية. لكن بعد وضع المسلسل على جدول رمضانيات 2014 تحولت الأنظار إلى الدراما التي عرضت على الشاشات الأرضية والفضائية لتثبت أنها الرائدة في مجال صناعة المسلسلات التلفزيونية. والكلام ليس من باب التعظيم ولا التبجيل، فهذه الدراما التي تجلت فيها عناصر الجرأة والعمق في تناول القضايا والمسائل الاجتماعية والفكرية وحتى السياسية والقومية، أثبتت أنها قادرة على تجاوز المحرمات والخطوط التي كان يفترض ان تكون حمراء. فمن كان يتصور مثلاً أن يجرؤ كاتب مسلسل «سنعود بعد قليل» المقتبس عن السينما الإيطالية «الجميع بخير» على تظهير عناصر الثورة وصولاً إلى تضمين الحوار سؤالاً عن الإصطفافات في الداخل السوري. علماً بأن الكاتب رافي وهبي (ويؤدي دور راجي الرسام) اقتبس القصة واحترم خصوصياتها وروحيتها. لكنه لم ينس ان يضمنها الواقع السوري في ظل الثورة.

مع النظام أو ضده؟
السؤال فتح العيون على اكثر من احتمال، لكن تبين أن لا أحد من أبطال مسلسل «سنعود بعد قليل» الذي يؤدي فيه الممثل دريد لحام د
ور البطولة، يبدو مستعداً للعودة، أو لديه الرغبة في ذلك. ففي الخطوط الدرامية للمسلسل، شخصيات تائهة وهاربة ومأزومة. وبين «الأزمة» و«الثورة» و«المعارضة» و«الموالاة»، يحاول المخرج الليث حجو أن يقارب الأوضاع السورية. لكنه لا يسجل موقفاً واضحاً مما يحصل في سوريا، ولم يقع حتى في مطب المباشرة. ومع الحبكة التي تضمنت حذراً في تعامل شخصياته، جاءت المواقف السياسية مختلفة والشخصيات مرتبكة في مقارباتها للوضع السوري. وفي المقابل قام المخرج سيف الدين سبيعي بخطوة مغامرة في «منبر الموتى» حيث تمكن من أن يضع اليد على الجرح ويتكلم عن آفات النظام والممارسات التي يمارسها في حق شعبه. وفي الجزء الثالث من «الولادة من الخاصرة» الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، كان النضوج واضحاً في التعامل مع الأحداث بعد تخلص الكاتب سامر رضوان – الذي اعتقلته أجهزة الأمن السورية قبل فترة – من الإرباك الذي وقع فيه في الجزءين السابقين، وغياب الترابط بين خطوط درامية عدة واستثمار الوضع الحالي في سوريا لزيادة جرعة الجرأة والتشويق. فهل يكون وجع الثورة وراء تفجر إبداع الدراما السورية؟
 

من يوميات الشارع السوري
الكاتب اللبناني أنطوان غندور أكد أن السوريين «يشتغلون صح لأنهم يعكسون واقعهم ومشاكلهم، ويتكلمون بالمنطق. وهذا غير موجود في الدراما اللبنانية. فكل ما فيها تقليد ومستورد ولا
يمت إلى بيئتنا ومشاكلنا بصلة، وهذا ما يبهر المشاهد اللبناني بالمسلسلات التركية الذي يؤخذ بالإنتاج الضخم والمشاهد السياحية وإن كانت بعيدة عن بيئتنا وثقافتنا».  واللافت في مجمل أعمال الدراما السورية هو هذا التحول في النصوص. ويتجلى ذلك في محاكاة الكتّاب الدراما في يوميات الشارع السوري، والكشف عما كان ممنوعاً ومكبوتاً لجهة اصطدام أهل الطبقة المعدومة بضباط الأمن الذين يسحقون كل من يفكر في معارضة النظام ورفع الصوت عالياً. وترصد غالبية الأعمال التي عرضت خلال شهر رمضان انعكاسات الوضع السوري الراهن على الشخصيات، ومصائر الناس الضعفاء، والمجتمع ككل. هذا عدا عن التطرق إلى مشهد رجال المال والسياسة الفاسدين الذين يتحكمون بمصائر الناس والبلاد وكيفية تكوين مجموعات بشرية من فئة الفارين من وجه العدالة، ليكونوا ذراعاً للمؤسسة الأمنية التي تستخدم لقمع التظاهرات. هل هي جرأة في غير مكانها أم أنها وليدة ظرف سياسي وأمني قابل للإندثار لاحقاً؟
نعود إلى الكاتب غندور الذي اعتبر أن المنطق الذي يتبعه كتّاب ومخرجو الدراما السورية ينسحب على الدراما المصرية «فهي بدورها تحاكي الواقع والبيئة وتتكلم عن الثورة في مصر. أما
نحن فنتكل على المقتبس والتقليد ونعتمد على المشاهد التي تصور في الخليج وأوروبا». ويضيف: «هذا المنطق لا يقتصر فقط على مسلسلات رمضان. ففي كل المواسم نلاحظ أن الدراما السورية تعتمد على نقل الواقع وتحاكي بيئتها وثقافتها وهذا هو سر تمايزها. ومهما كان وجع الواقع كبيراً يبقى أفضل من الكذب والتكاذب».

الثورة مادة دسمة
ولا ينكر غندور فضل الثورة على خيال كتّاب الدراما. «فالكاتب مرآة البيئة وعليه أن يكتب عن معاناته بصدق وشفافية. من هنا يمكن القول: إن الثورة أعطت الكتّاب مادة دسمة وكذلك الحال بالنسبة إلى الممثلين الذين فجروا مشاعرهم واحاسيسهم. ومنهم من كان يعيش واقعه لكن من وراء الشاشة».

  قد يكون برنامج «باب الحارة» من أكثر مسلسلات الدراما السورية التي ارتبطت بفكر وخيال المشاهد اللبناني كونه كان ينقل واقع المجتمع والبيئة السوريين. حتى التصوير لم يخرج من حدود باب «الحارة» السورية. وطالما أن هناك كاتباً سورياً قادراً على أن يقول ما يريد، ومنتجاً مستعداً لصرف اموال على أعمال درامية تحاكي واقع الثورة واضدادها، وممثلين يترجمون مشاعر شعبهم بصدق وعفوية وثورة على الماضي، فهذا يعني أن الدراما السورية بألف خير. فماذا ينقص الدراما اللبنانية التي تعوم فوق 30 عاماً من الحروب والثورات التي كان لبنان احد روادها، من ان تعكس وقائعها وتكون مرآة لهذا الواقع الذي عشناه؟ هي قصة منتج على ما يقول غندور. فمن يقدم على مغامرة مماثلة لينقذ الدراما اللبنانية من واقع التقليد والإقتباس؟.

ج. ن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق