كيف ظهرت عملة الدولار واكتسبت نفوذها في العالم؟
يحتفل مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في وقت لاحق هذا الشهر بمئويته، ومن بين أهم المهام المنوط بها المجلس إدارة الدولار، العملة الأميركية الرسمية في البلاد لما يزيد على مائتي عام.
والسؤال: ما الذي كان يتداوله المستوطنون في العالم الجديد، (وهي التسمية التي أطلقت على الولايات المتحدة في ذلك الوقت)، بدلاً من العملة وقبل ظهور البنك المركزي أو عملة الدولار؟
في عام 1620 أبحرت السفينة مايفلاور من روثرهيث في شرق لندن إلى العالم الجديد حاملة على متنها منشقين دينياً يبحثون عن حياة جديدة عبر البحار.
أخذ هؤلاء المستوطنون معهم في البداية ذهباً وعملات إنكليزية، لكنهم لم يكونوا من الأثرياء وسرعان ما نفدت الأموال وأصبحوا عاجزين عن شراء الغذاء وجلود الحيوانات واحتياجات أخرى من السكان الأصليين للقارة الأميركية.
ويوجز تلك الصعوبة جاسون جودوين، مؤلف كتاب «العملة الخضراء: الدولار القوي واختراع أميركا» قائلاً: «لم يكن لديهم أي نقود، ولم يكونوا من الاثرياء عند وصولهم. وأصبح التبادل أمراً محرجاً بين المستعمرين أنفسهم، وبدا من المناسب مقايضة الأشياء، لكن بالطبع وبعد وقت قصير ظهرت تبادلات معقدة أبرزت ما يحمله المال من نفع كبير».
بداية الفكرة
اكتشف المستوطنون بعد وقت قصير من وصولهم أن أنواعاً معينة من الأصداف كانت ذات أهمية رمزية للكثير من السكان الأصليين، وبناء عليه أمكن تبادلها مع المستعمرين الإنكليز مقابل ما يحتاجونه من أشياء، مثل الغذاء.
وبعد أن أصبح التبادل بين المستوطنين أنفسهم مهماً للغاية، بدأ المستوطنون استخدام سلع أخرى في عملية المقايضة. ففي المستعمرات الشمالية استخدموا الذرة وأسماك القُد على سبيل المثال، وفي الكثير من المستعمرات الجنوبية كانوا يفضلون التبغ. وقد أعلن الكثير من هذه السلع أموالاً قانونية على الرغم من ان بعضها لم يلق نجاحاً كعملة.
ويقول جيسون جودوين: «إن قيمة التبغ في التداول كانت تتذبذب بناء على نجاح المحصول، مضيفاً أن مشكلة أخرى برزت في ما يتعلق بالتبغ وهي أن «الأوراق كانت تخزن ثم يجري تداولها، لكن بالطبع كانت تتفتت وتجف وكان الناس يسعون إلى مقايضة الأوراق الأكثر تفتتاً وجفافاً. وذلك كان يسبب الكثير من الارتباك، لأنه في الحالة التي تكون فيها عملتك متدهورة للغاية تفقد قيمتها وبالتالي هذا شيء غير جيد».
وكان سعر السلع يختلف حال الدفع باستخدام العملة الصعبة، الذهب أو الفضة أو قطع النقود من نوع ما، بدلاً من استخدام أحد اشكال العملات القانونية مثل الاصداف، لأن العملة الصعبة كانت الأكثر قبولاً وبالتالي الأكثر نفعاً.
وعلى الرغم من ذلك لم يكن لدى المستعمرين الأوائل خيارات بديلة عن هذا الشكل المتطور للمقايضة لأن السلطات البريطانية رفضت السماح بتصدير قطع النقود الذهبية والفضية، كما رفضت السماح للمستعمرين بصك عملاتهم الخاصة. فكان من الأسهل لهم استخدام العملات الاسبانية، التي باتت تتداول في الولايات المتحدة حتى أوائل القرن التاسع عشر.
وفي نهاية المطاف أفضى تشدد السلطات البريطانية والعبء الضريبي الذي فرضته الحكومة البريطانية على المستوطنين إلى حدوث قطيعة كاملة مع الجانب البريطاني.
هزيمة بريطانيا
وأصدر المستعمرون إعلان الاستقلال الشهير في عام 1776 ونجحوا بعد حرب طويلة ومريرة في سبيل الاستقلال في إلحاق الهزيمة بالقوات البريطانية في عام 1783.
وخلفت الحرب الثورية، كما يطلق عليها، 13 ولاية متحدة في حالة فوضى مالية.
كانت الحرب أطول من المتوقع وباهظة التكلفة بالنسبة الى المستعمرين. ويفسر بنيامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للثورة، قائلاً: «أصدر الكونغرس كمية كبيرة من الأوراق النقدية لدفع قيمة الملابس والسلاح وطعام الجنود وتجهيز سفننا، دون دفع ضرائب لمدة ثلاث سنوات، لقد حاربوا وهزموا واحدة من أشد الأمم قوة في أوروبا».
كانت تعرف هذه الأوراق المالية باسم كونتننتالس Continentals (ومعناها الحرفي: القاري) وسميت باسم المجلس القاري الذي كان مسؤولاً عن إعلان الاستقلال والذي كان يدير الحرب ضد بريطانيا.
لكن مع انتهاء هذه الحرب أصبحت أوراق الكونتننتالس لا قيمة لها، وكان لزاماً على الجمهورية الجديدة وضع نظام اقتصادي ومالي على نحو عاجل.
وفي عام 1785 اجتمع المجلس القاري في نيويورك وأصدر الدولار في السادس من تموز (يوليو) لتكون عملة رسمية للولايات المتحدة الأميركية الجديدة.
وقرر الكونغرس أن يكون النظام عشرياً ليعادل الدولار مئة سنت. غير أن خلافات دبت بين أعضاء الكونغرس أدت إلى تأخر صك العملة في أميركا حتى عام 1792.
ومر سبعون عاماً أخرى، أي في منتصف الحرب الأهلية عام 1862، حيث استطاعت وزارة الخزانة الأميركية طبع أوراق الدولار، باللونين الأسود والأخضر، وهي ألوان استخدمت منعاً لتزييف العملة، ومنذ ذلك الوقت ظهر الدولار في عالمنا.
المصدر: بي بي سي – العربية