واشنطن تحاور «حزب الله»؟!
التحوّل في العلاقة الاميركية – الايرانية صفقة كبرى، لكنها تبقى مؤقتة وهشة تمنح الأطراف المعنية ستة أشهر للتوصل الى اتفاق أكثر متانة وطويل الأمد. لكن ما يُمكن اعتباره على الأرجح صفقة أكبر وما تغاضت عنه التغطية الاعلامية للأخذ والرد في شأن هذا الاتفاق المؤقت، الزخم الكبير الذي شهدته العلاقات الأميركية – الايرانية خلال الأشهر الأخيرة، وانعكاساتها على الملفات اللاهبة في الاقليم، وخصوصاً المسألة السورية بتشعباتها اللبنانية. وثمة من لا يستبعد ان يقود (او قد يكون قد قاد بالفعل) التقارب الاميركي – الايراني الى حوار اميركي مع «حزب الله»، وهو امر كان يعتبر مجرد التفكير به قبل اسابيع ضرباً من الخيال والجنون السياسي.
خصّب الاتفاق الاميركي – الدولي مع ايران، التحليلات حول الحوار المفترض بين واشنطن و«حزب الله»، خصوصاً في ظل الحديث عن ملاحق سرية ادرجت في الاتفاق، جهدت صحف غربية في محاولة كشفها.
ومن بين هذه المحاولات، ما كتبه في «لو فيغارو» الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو، المتخصص في الشؤون العربية والقريب من الاستخبارات الفرنسية، اذ تحدث عن أن المفاوضات السرية بين الأميركيين والإيرانيين مستمرة منذ أسابيع وتتركز على أربعة ملفات هي: أفغانستان والعراق وسوريا وتعزيز العلاقات التجارية بين طهران وواشنطن بعد توقيع اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ولفت الى ان المفاوضات بدأت منذ انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في ايلول (سبتمبر) الفائت، والتي أجرى خلالها الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصالاً هاتفياً بنظيره الإيراني حسن روحاني.
وكشف أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف «بقي عشرة أيام في الولايات المتحدة بعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة»، كما «رافق روحاني (في زيارته) إلى نيويورك 75 شخصاً من القطاع الصناعي الخاص بالنفط والغاز والتقوا مع ممثلين عن شركة شيفرون أو إكسون».
وأكد أن «المحادثات الأكثر صعوبة» كانت في شأن الصراع السوري، مشيراً إلى أنها «ورقة الجوكر في المفاوضات التي يتركها الإيرانيون حتى آخر لحظة لكي يرموا بها»، علماً بأنهم لن يضحوا بحليفهم الرئيس السوري بشار الأسد في غياب أي بديل اثبت صدقيته حتى الآن.
واشار إلى أن «الملف السوري لا يديره روحاني، إنما الحرس الثوري الذي يعد أقل قبولاً بكثير لتقديم تنازلات حول سوريا».
لم يدرج تقرير مالبرونو لا لبنان ولا «حزب الله» في سياق المحادثات السرية، لكن ذلك لا ينفي ان الاثنين بند جانبي، في حال صحت معلومات الصحافي الفرنسي. ذلك ان مراقبين يرون انه لا يمكن ان تقارب واشنطن وطهران الملف السوري من غير ان يكون «حزب الله» تحديداً في صلب هذه المقاربة، نظراً الى دوره في المسألة السورية، فضلاً عن ارتباط لبنان عموماً بهذه المسألة، من التورط السياسي – الحزبي المباشر لضفتي الصراع اللبناني، الى ازمة النازحين ومخاطرها السياسية والديموغرافية والاقتصادية.
بالتقاطع، اطلق تقرير استخباري عرضه موقع Geostrategy Direct الاميركي في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، عن حوار بين الولايات المتحدة الاميركية و«حزب الله»، واوردت مقتطفات منه الصحيفة الاميركية World Tribune (الشقيقة للموقع)، واطلقت العنان للتحليلات.
فقد نقل التقرير عن مصادر لبنانية قولها إن ديبلوماسيين أميركيين بدأوا اتصالات مع سياسيين من «حزب الله» سراً في بيروت بخصوص استقرار الوضع في لبنان والحكومة المقبلة. اضافت: «ترسل الولايات المتحدة وتتسلم رسائل من «حزب الله» من طريق اطراف ثالثة. وقد تم تكثيف الحوار على مدار الاسابيع القليلة الفائتة». واشارت الى ان اعضاء في تحالف الرابع عشر من آذار هم الذين أبلغوها بالحوار، غير انهم رفضوا ذكر أسمائهم. ولفتت الى ان الحوار الأميركي مع «حزب الله» يأتي في إطار توجه إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما بالتقارب مع إيران.
حوار بالواسطة
يجزم المراقبون على ان اي حوار اميركي – ايراني لا يمكن الا ان يكون «حزب الله» في صلبه، نظراً الى ادراك الادارة الاميركية حبل السرّة الذي يربط الحزب بطهران، وهو غير قابل للفكاك او التأثر.
ويستنتج هؤلاء ان هذا الواقع يجعل توقع او ترقب اي حوار اميركي مع «حزب الله»، امراً ممكناً، في ظل المقاربة الجديدة في البيت الابيض القائمة على الانخراط السياسي والانصراف عن الحلول العسكرية، بعدما كان مجرد الحديث عن هكذا خيار حوار، قبل اشهر، ضرباً من الجنون والخيال.
ولا يستبعدون ان يكون الحوار الاميركي مع الحزب قائماً راهناً بالواسطة، اي من خلال طرف ثالث، اوروبي على الارجح، سبق ان ساق حواراً مباشراً مع «حزب الله».
وكان تقرير صحافي قد تحدث عن ان الحوار بين واشنطن و«حزب الله»، قد بدأ فعلاً، بشكل غير مباشر. واشار الى جلسات تبادل آراء مع قياديين في الحزب، وان «البريطانيين ينقلون فحوى هذه اللقاءات الى نظرائهم الاميركيين ويعملون على انشاء قناة تواصل غير مباشر بين الحزب اللبناني وواشنطن».
تزامنت هذه المعلومات، مع عودة الحرارة الى العلاقة البريطانية – الايرانية في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما اعلنت المملكة المتحدة تعيين قائم بالاعمال غير مقيم لها في ايران، فيما كان رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون قد تحادث هاتفياً مع الرئيس الايراني حسن روحاني، في سابقة هي الاولى من نوعها منذ العام 2003.
وكانت العلاقة بين الدولتين قد تدهورت الى ادنى مستوياتها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، عندما اقتحم ايرانيون السفارة البريطانية في طهران.
مواكبة
وأوضح التقرير الصحافي ان الحوار «يهدف الى مواكبة التغيرات في المنطقة والعالم، والعودة المرتقبة لايران الى المجتمع الدولي»، وان لا جدول اعمال محدداً حتى الآن، بل «تعزيز اواصر العلاقة مع الجناح السياسي للحزب، وتبادل وجهات النظر حول قضايا لبنان وسوريا والمنطقة عموماً». ورأى انه «بسبب انقطاع العلاقة بالكامل بين حزب الله والمسؤولين الاميركيين، الذين تضع بلادهم الحزب على لائحة التنظيمات الارهابية وترفض التمييز بين جناحيه السياسي والعسكري على عكس البريطانيين، فانه لا يمكن قانوناً للمسؤولين الاميركيين اجراء اي حوارات مباشرة مع اي عضو في هذا الحزب».
ولفت الى ان «واشنطن تتبلغ بفحوى هذا الحوار، وتبدي استعداداً لسماع وجهات نظر الحزب والعمل على تسخين العلاقة المباشرة معه مستقبلاً».
وحدّد التقرير عناوين مشتركة تجمع الاميركيين بـ «حزب الله»، كـ «مكافحة ارهاب تنظيم القاعدة، والاستقرار الامني، واجراء مناقصات من اجل منح تراخيص لمسح واستخراج الغاز في المياه اللبنانية مع ما يحتاج ذلك من تشكيل حكومة، وتأمين جلسة انتخاب هادئة لخلف الرئيس اللبناني ميشال سليمان خلال السنة المقبلة».
وخلص الى انه «باستثناء مشاركة الحزب في الاعمال القتالية في سوريا، وفي ظل التقارب الاميركي – الايراني، يبدو الحوار بين اميركا و«حزب الله» نتيجة متوقعة لمسار الامور».
الموقف الرسمي
يظهر ان هذا الدفق في التحليلات، دفع بوزارة الخارجية الاميركية الى سوق موقف مناقض، اذ خرج سفير الولايات المتحدة ديفيد هيل بموقف ينفي، لو بشكل غير مباشر، اي تقارب مع الحزب. واعلن اثر لقائه برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في الثامن والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، ان المباحثات بين واشنطن وطهران «لن تغير من تحالفاتنا وصداقاتنا، وفي الواقع، هذه المباحثات مع ايران لن تُضعف بأي حال من الاحوال قوة وصمود التزامنا القيم المشتركة بين اللبنانيين والأميركيين، أو بإستراتيجياتنا وشراكاتنا لتعزيز تلك الأهداف. فيما نكمل المفاوضات حول برنامج إيران النووي، فإن الولايات المتحدة لن تتجاهل انشطة إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة. وسنستمر في مواجهة أنشطة إيران الإرهابية، وأنشطة وكلائها، بما في ذلك حزب الله. سنستمر في فرض العقوبات الباقية وبالضغط على إيران خلال هذه المرحلة الأولى. وسنواصل عملنا مع لبنان لنضمن بأن تنفيذ العقوبات الدولية سيبقى دقيقاً. ونحن سنواصل الحض على التمسك بالقانون اللبناني والاتفاقات الدولية، مثل إعلان بعبدا وقراري مجلس الأمن 1701 و1559. إننا، ومجموعة الدعم الدولية، سنستمر بمعالجة الآثار المترتبة على لبنان نتيجة الحرب في سوريا والمساعدة لسياسة لبنان الحكيمة بالنأي بالنفس عن ذلك الصراع». وخلص الى ان «التزامنا بلبنان ورغبتنا في العمل مع الشعب والقادة فيه لضمان وجود لبنان مستقر ومستقل ومزدهر وذا سيادة يبقيان قويين».
في هذا السياق، نُقل عن ديبلوماسي غربي انه «من المغالاة وسوء الحساب والتقدير أن يعتبر النظامان السوري والإيراني أن تخليهما عن ورقتي السلاح الكيميائي والنووي سيسمح لهما بتحقيق أطماعهما التوسعية على حساب محيطهما بطرق أخرى أو بالرهان على عامل الوقت، وأن هذا التخلي هو مكسب وانتصار ونقطة قوة لهما».
وبحسب هذا الديبلوماسي، «ستثبت مرحلة الأشهر الستة المقبلة أن النظامين السوري والإيراني سيكونان أمام استحقاقات تسديد فواتير جديدة للمجتمع الدولي على حساب مشاريعهما في كل من العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج، لا العكس. فالاتفاق بين النظامين السوري والإيراني في شأن البرنامجين الكيميائي والنووي لا يعني في أي شكل من الأشكال إطلاق يدهما في الشرق الأوسط، بل هو خريطة طريق للتراجع المتدرج (…). أما إذا لم يقتنع النظامان بالواقع الجديد وأظهرا أن ما يقومان به من حملات إعلامية في الوقت الحاضر يتعدى الدعاية السياسية الى المشروع السياسي، فسيجدان نفسيهما اعتباراً من النصف الثاني من السنة المقبلة أمام جولة جديدة من الضغوط الدولية عليهما بما يرغمهما على الرضوخ».
طلال عساف