من هو الرجل ذو البندقية والحذاء الاخضر الذي ارعب باريس؟
بعد ساعات، وكانوا قد غسلوا الدم في مدخل مكاتب جريدة «ليبراسيون»، في شارع بيرانجه، الباريسي، وكانت اثار خرطوشات من طراز برينيكه، عيار 12 ملم، التي تستعمل في صيد الخنازير البرية، لا تزال على السقف وجدار المدخل، بعد ان كادت تقضي على حياة المصور، سيزار (23 عاماً) الآتي من جنوب فرنسا.
كانت تلك المرة الاولى، التي جاء فيها سيزار، الى مكاتب الجريدة الكائنة في الرقم 11 من شارع بيرانجه، لتصوير عرض ازياء في مناسبة الاعياد المقبلة. وبعد دقائق لحقه الرجل ذو البندقية التي اخرجها من كيس كان يحمله، واطلق رصاصتين، فاصاب سزار في ظهره، وكادت الرصاصتان تلامسان قلبه، وكاد يفارق الحياة واختفى الرجل ذو البندقية عن الانظار، وانطلقت كل شرطة فرنسا تسعى وراءه. بادر الرئيس فرانسوا هولاند: «يجب القبض عليه بأي ثمن، انه حاول ان يقتل وقد يعاود الكرة مرة اخرى».
محاولة قتل اجبرت مدير تحرير «ليبراسيون» فابريس روسلو، على الادلاء بتصريحات صحافية، متواصلة، ربما كانت هذه هي الناحية الاكثر تناقضاً في يوم مجنون وكان يوم الاثنين في 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، بدأ الساعة 10،15 صباحاً عندما دخل رجل الى مدخل جريدة «اليسار» في فرنسا، المفتوح، تقليداً امام الجميع، ولم يكد موظفا الاستقبال، يتنبهان لوجود الرجل، حتى استل بندقية واطلق الرصاصتين اللتين اصابتا المصور سيزار، الذي حاول الهروب الى المرآب، ولكنه عاد الى المدخل وانهار وبقي واعياً حتى وصوله الى المستشفى حيث خضع لعملية مراقبة دقيقة جداً، دامت 6 ساعات، واستعاد وعيه بعد 3 ايام.
كل شيء حصل في اقل من 20 ثانية، وبينما كانت الشخصيات، من وزير الداخلية، فالس الى رئيس بلدية باريس،، ديلانويه، تصل الى مكاتب الجريدة في الدائرة الثالثة. كان الرجل ذو البندقية، قد انتقل االى الناحية الاخرى من باريس، في حي لاديفانس، مشياً على الاقدام، بهدوء ومكشوف الوجه، وعند الظهر اطلق 3 رصاصات، على مدخل فرع مصرف سوسيتيه جنرال، وغادر، وفي هذه الاثناء، كانت التلفزيونات، ومحطات التواصل الاجتماعي تعلن حالة الانذار وتهرع قوات من الشرطة، لحماية مقري جريدتي لوموند ولو فيغارو.
عدو داخلي
اكتشفت باريس، انها امام عدو داخلي، سري، جديد، رجل «اوروبي» طوله 1،70 متر، لم يحلق ذقنه. شعره بين الرمادي والابيض يضع قفازات في يديه وقبعة على رأسه، وخصوصاً ينتعل حذاء اخضر في قدميه، هو الحذاء ذاته، الذي ظهر في الصور التي اخذت له، يوم الجمعة – الذي سبق، في مدخل مبنى تلفزيون، ب اف ام، في الدائرة 15 من باريس، حيث هدد احد رؤساء التحرير لكنه لم يفتح النار، متوعداً بان يفعل مرة اخرى، ولكن وجدت على الارض، رصاصة من العيار الذي استعمل في جريدة ليبراسيون وامام فرع سوسيتيه جنرال، مما يدل على ان الذي بدا وكأنه عمل رجل معتوه، هو اقرب الى خطة «رجل بارد الاعصاب وعالي التصميم»، حسب دوائر التحقيق، ويبدو ان عطلاً اصاب بندقيته، في مبنى التلفزيون. ولكنه استمر يطلق النار، في الهواء وهو ينسحب من فرع سوسيتيه جنرال. فحطم بعض النوافذ.
ولم تنته «لعبته» لان الرجل اوقف سيارة كانت عابرة واجبر سائقها على اعادته الى قلب باريس، امام فندق جورج الخامس، في حي الشانزليزيه. وقال للسائق، انه خارج لتوه، من السجن، وانه: ينقل في كيسه عدداً من الرمانات المتفجرة.
وما كاد سائق سيارة التوينغو، يستعيد حريته حتى اسرع يخبر الشرطة، التي انتشرت في كل منطقة الشانزليزيه، وفي غرب باريس، بما فيه برج ايفل، ووسعت قوى الامن مجال انتشارها، الى حماية المحلات الكبرى وبعض المدارس في حي الشانزليزيه، التي اغلق بعضها ابوابه، وانتقل الرعب الى مبنى الاذاعة في الدائرة السادسة الذي منعت الشرطة الدخول اليه، بعد ان انتشرت اخبار ان رجل البندقية في الجوار. ولكن المشتبه الذي وجدوه، في مرآب المبنى، لم يكن هو.
ووقعت جريدة ليبراسيون، كذلك ضحية اعتداء معلوماتي. وكانت الشرطة ترددت في نشر صور الرجل ذي البندقية حتى لا تثير الرعب بين الناس. لكن ضغوط الرأي العام، اجبرتها على ان تفعل. على امل الحصول على تفاصيل اضافية من الذين قد يكونون شاهدوه ودعا مدعي عام باريس فرانسوا مولان، الناس: «ساعدونا» على اكتشاف الرجل ذي البندقية والحذاء الاخضر». وفي وقت لاحق تمكنت الشرطة من اعتقاله.
سائق السيارة
ويبقى سائق السيارة الذي نقل المجنون البارد الاعصاب من حي ديفانس الى الشانزليزيه الشاهد المفتاح الذي استجوبته الشرطة سعياً وراء تفاصيل، طوال ساعات في المبنى رقم 36 من كي دي زورفيغر، الشهير، حيث مرت اشهر الحالات الاجرامية التي عرفتها فرنسا.
ويبقى تفصيل في غاية الخصوصية بالنسبة الى هذا القاتل، الذي زلزل امن العاصمة الفرنسية، وارعب سكانها، فالمحققون اكدوا ان الرجل لم يعلن عن اية مطالب. ويبقى الاستنتاج الوحيد حول الاهداف التي اختارها: مكاتب وسيلتين اعلاميتين ومصرفاً.
مال واعلام تفصيلان وحيدان،، لارشاد المرحلة التالية من التحقيق.
تفصيل آخر، احداث باريس، توافقت مع وجود وزير الداخلية اللبنانية، مروان شربل في زيارة رسمية الى باريس، حيث تبادل الشكوى، مع نظيره الفرنسي، مانويل فالس، صباح الثلاثاء، بعد الانفجارين، امام السفارة الايرانية، مما يحصل لهما، مع فارق، ان الوزير اللبناني لا يستطيع اتخاذ التدابير التي اعتمدها نظيره الفرنسي.
وانعكست الاجواء السائدة على الرئيس فرانسوا هولاند الذي ظل ينفي انه سيحضر مباراة منتخب بلاده، ضد اوكرانيا، للتأهل للمشاركة في بطولة العالم، حتى اللحظة الاخيرة. ولكنه كان في طليعة الحضور.
باريس – جوزف صفير