سياسة لبنانية

لبنان يحرك ملف ترسيم الحدود ومنع تهريب السلاح

اعتقد فريق من اللبنانيين، لا سيما قوى 14 اذار، ان اقامة العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسوريا والتي سعى اليها الرئيس ميشال سليمان منذ تسلمه مقاليد الحكم، وفي اول قمة عقدها مع نظيره السوري الرئيس بشار الاسد (اب – اغسطس 2008)، ان هذه العلاقات قد تسلك مساراً يطورها ويعززها وينهي حال التوترالقائمة، ويرسيها على قاعدة من الند الى الند، وهو التعبير الذي كان يستاء منه السوريون عندما يستخدمه اللبنانيون.

لم تحقق الخطوة اية قيمة مضافة ولم توقف حال العداء او التعاطي السوري مع لبنان بنظرة فوقية، وهناك امثلة كثيرة على هذا التصرف، خصوصاً في المؤتمرات العربية عندما كان وزيرالخارجية السورية يملي على الوزير اللبناني المواقف الامر الذي كان يترك ردود فعل محلية على المستويين الرسمي والسياسي. ونجح الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2007 في اخراج سوريا من عزلتها بدعوة الاسد الى احتفالات 14 تموز (يوليو) بعدما انتزع منه الموافقة على تسهيل انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية على اثر توافق دولي – اقليمي ودعوتها الى «رفع اليد» عن لبنان والتعاطي معه كدولة مستقلة ذات سيادة، وترسيم الحدود وضبطها بعد تسلل عناصر «فتح الاسلام» لمقاتلة الجيش اللبناني في معركة نهر البارد.

 اساءة سورية
وتسترسل اوساط ديبلوماسية مطلعة في الحديث حول ملف العلاقات اللبنانية – السورية وكيف ان اقامة العلاقات الديبلوماسية لم تبدل في اسلوب التعاطي السوري مع لبنان، واستمر التعاطي معه كمحافظة سورية وليس كدولة مستقلة، وأمعنت سوريا في «الاساءة»، فحاولت الابقاء على المكتب اللبناني – السوري والامانة العامة للمجلس الاعلى، على رغم وجود سفير للبنان. ويروي مصدر ديبلوماسي انه عند انشاء المكتب اصر الجانب السوري على الا يكون المسؤول اللبناني  ديبلوماسياً بل موظف من الفئة الثالثة وما دون من موظفي الخارجية، ولم تنشىء سوريا بالمقابل مكتباً في لبنان،   لا بل عرقلت اعمال الترسيم وعطلت عمل اللجنة الامنية المشتركة مؤخراً، واشترطت ان يبدأ الترسيم من شبعا من دون الاعتراف بهويتها اللبنانية، رغم اعترافها بانه لا  يمكن الترسيم من الجنوب في ظل الاحتلال الاسرائيلي. كما اعترضت على استعانة لبنان باليونيفيل، تنفيذاً للقرار 1701 لضبط الحدود بالتعاون مع الجيش اللبناني، واستخدام معدات حديثة ومتطورة قدمتها المانيا الى لبنان، كانشاء ابراج مراقبة ورادارات الانذار المبكر لمنع وصول السلاح الى لبنان.
وشن حلفاء سوريا في لبنان اعنف الحملات لمنع الخطوة فاستعاض عنها لبنان بانشاء قوة مشتركة من الاجهزة لضبط الحدود التي بقيت سائبة والخلافات قائمة حولها في اكثر من نقطة. وشعر المسؤولون السوريون مع اندلاع «الربيع السوري» بخطورة الحدود السائبة مع لبنان بعدما كانوا يستخدمونها في السابق، فطالبوا لبنان بضبطها من دون ان يتخذوا اية اجراءات من جانبهم، تحاشياً للتعرض لمقاتلي حزب الله الذاهبين للقتال الى جانب النظام، كما يقول وزير سابق للداخلية، ويشير الى ان النظام اعتمد سياسة  تحميل لبنان مسؤولية تهريب السلاح وتسلل المسلحين من دون ان يقدم اي دليل، في حين ان دليل مشاركة الحزب هو اعتراف الامين العام للحزب حسن نصرالله بذلك، والاعلان عن الضحايا من المقاتلين. واعلن نصرالله انه يقاتل في سوريا دفاعاً عن لبنان وفلسطين والمقاومة، وعن النظام السوري ومحور المقاومة والممانعة من ايران الى سوريا، مؤكداً ان شرط سحب مقاتليه لتشكيل حكومة جامعة غير وارد فهم في مهمة جهادية ضد التكفيريين.
وعمد السفير اللبناني فور تسلمه مهامه الى الغاء مكتب التنسيق لانه يتعارض مع دوره. كما حاول الغاء مركز امين عام المجلس الاعلى اللبناني – السوري، بحجة ان العلاقات بين دولتين تمر عبر الخارجية وان وزارتي خارجية البلدين تشكلان الامانة العامة، ورد الجانب السوري بتعزيز دور الامين العام وتقديمه على السفير الذي لم يحظ يوماً بموعد من وزير الخارجية وليد المعلم او غيره من المسؤولين، خلافاً لما هي عليه حال السفير السوري في لبنان. كما لم تقدم الخارجية اللبنانية يوماً على ارسال مذكرة احتجاج الى سوريا او الى مجلس الامن حول الاعتداءات السورية على لبنان وقصف المناطق الحدودية من داخل الاراضي السورية باعتراف كبار المسؤولين، في حين ان سوريا قدمت اكثر من مذكرة احتجاج الى الامم المتحدة على لبنان.

بانتظار جلاء الصورة
وفي سياق الامعان السوري في التحكم بالساحة اللبنانية، التهديدات السورية مع اندلاع الحرب، بتفجير لبنان اذا لم تتوقف المؤامرة الدولية على سوريا. وعلى رغم سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا تحييد لبنان عن تداعيات الازمة السورية، اصرت الاطراف اللبنانية على ربط مواقفها بالتطورات في سوريا ما انعكس سلباً على الوضع، وباتت الازمة السورية تتحكم بمفاصل الازمة السياسية بين مطالب بفصل ازمة لبنان عن الازمة السورية ومصر على استخدام لبنان ساحة للرد على القوى الداعمة للثورة. وبات لمؤتمر «جنيف – 2» تأثيره على لبنان. وان انعقاده قبل نهاية العام ممكن في ظل التطورات الايجابية مع حرص الاطراف السورية على تحسين شروطها التفاوضية واصرار الاطراف المحلية على التناغم مع الازمة كما اعترفت بذلك اطراف في 8 اذار. ويسعى النظام السوري الى المزيد من السيطرة على مناطق المعارضة قبل مؤتمر جنيف خصوصاً في الشمال، حيث  اكثر من 2000 تنظيم مسلح يعملون تحت اسماء وعناوين مختلفة، وفق تقرير ديبلوماسي. وتسعى المعارضة الى تسجيل انتصار عسكري يحسن من موقعها.
وينتظر لبنان جلاء الصورة في سوريا وحسم الامر ليعيد اثارة معاهدة التعاون والصداقة بين البلدين، بعدما حاولت حكومة الرئيس سعد الحريري اعادة النظر فيها الا ان الجانب السوري اكتفى بجلسات استماع سرعان ما توقفت. ويعتبر وزير سابق ان بعض بنود المعاهدة لا سيما في مجال الامن والقضاء يتعارض مع الدستور. وقد يثير لبنان مع النظام الجديد موضوع العلاقات انطلاقاً من وجوب ترسيم الحدود وحسم الخلافات والاستعانة باليونيفيل لمنع تهريب السلاح وتسلل الاصوليين. وتحاول جهات سياسية جمع المستندات والوثائق لتقديم شكوى ضد اعتداءات النظام السوري وخرق السيادة اللبنانية، الى القضاء الدولي.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق