قبل أن «يضربكم» داء السكري!
انه السكري يأتي من جديد في حلةِ «عيدٍ» ليحكي، في يوم السكري العالمي، حكاية ذاك الداء الذي يتضمن حلاوة زيادة! وفي العيد تكرج الأرقام والنسب لتؤشر الى حجم «السكريين» في العالم طارحة معدلات الكبار من أعداد الصغار، مقسمة السكري بين نوع أول ونوع ثان وبين عنصر لطيف وعنصر خشن… لكن: من يؤكد لنا أن الأرقام صحيحة؟ من يجزم لنا بأن الدراسات اتكلت على أبحاث ميدانية دقيقة؟ ومن يُخبرنا أن النسب مستندة الى معلومات لا تحتمل التأويل ولا تتحمل اللغط؟ انطلق في لبنان، في العيد، في يوم السكري العالمي، العدّ العكسي الى حقيقة السكري الواقعية والبداية: اختبار مجاني!
بدا الحدث أشبه بتظاهرة صحية. نقباء صحة بالجملة شاركوا في إطلاق اليوم العالمي للسكري. نقيب الأطباء البروفسور أنطوان بستاني كان هناك. نقيب الصيادلة الدكتور ربيع حسونة حضر. نقيبة الممرضات هيلين نويهض حضرت. رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الغدد الصماء والسكري الدكتور شارل صعب ونائب رئيس الجمعية الدكتور منذر صالح شكلا العمود الفقري في الحدث. والى جوارهم جلست مديرة مركز الرعاية الدائمة ميشال ابي سعد. فلماذا كل هذا الحضور؟ وهل المناسبة هذه السنة تختلف عن كل المناسبات التي سبقت؟ هل ما سيجري هذه السنة، ابتداء من الرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) هذا، يختلف عن كل ما جرى في الأعوام التي سبقت؟
الحشد وراءه هدف والهدف أعلن: تضافر كل الجهود، في كل المجالات، من أجل الإحاطة الكلية الشاملة بداء السكري. لكن هل النقابات مستعدة فعلياً للتكافل والتضامن أم أن المسألة لا تعدو مجرد استعراض ينتهي ما إن تُطفأ العدسات؟ الجواب أتى على لسان النقباء أنفسهم: ثمة كيمياء جميلة بين نقابتي الطب والصيادلة قد تُسهم هذه السنة باجتراح النجاح! نصدق. ماذا في التفاصيل؟
مجاناً في كل الصيدليات
سنبدأ من الآخر، من المحصلة، من الأساس: صيدليات لبنان، كل الصيدليات في لبنان، مدعوة ابتداء من صباح الرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الى إجراء فحص مجاني للسكري لكل مواطن لبناني يقصدها، من أجل تبيان – في بحث واقعي تطبيقي – نسبة المصابين بالسكري الفعلية. والحملة تدوم مبدئياً 15 يوماً، حتى الأول من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وقد تُمدد قليلاً الى حين تبلغ عينة المشاركين في فحص السكري 250 ألف شخص.
ممتاز، استعدوا إذاً للمشاركة بحملة السكري وكونوا كثراً…
ما هي آفاق التوقعات من هذه الحملة؟
نقيب الأطباء أنطوان بستاني يحدد اللبّ، الغاية، ويقول: نشارك كلنا في هذه الحملة إيماناً منا بجدوى الوقاية المبكرة، وكي نقول أنه غير صحيح ما يُشاع عنا من أننا ننتظر المرضى لنربح مالاً! لا، هذا كذب وذمّ. نحن نصرّ على مبدأ الوقاية المبكرة حتى ولو نقص عدد مرضانا. مهمتنا رسالة ورسالتنا محورها الإنسان قبل أي شيء آخر. نقيبة الممرضات بدأت من حيث انتهى نقيب الأطباء: كلنا يفترض أن نتعاون معاً لمصلحة المريض عموماً ونحن نمثل، لمن لا يعرف، نحو خمسين في المئة من حجم الجسم الطبي ودورنا كان ويستمر العمود الفقري وشبكة الأمان ونحن نعلن أننا سنضع أيدينا في أيدي كل الآخرين من أجل التوعية في مجال السكري. فالتعاون قوة والتكافؤ قوة والحراك الإيجابي قوة. وشعار الأمم المتحدة هذا العام: «الوحدة من أجل السكري».
دراسات خاطئة
السكري مارد خرج من القمقم! والأعداد التي تصدر من هنا ومن هناك مخيفة، مرعبة ومقلقة! والأرقام في لبنان، في هذا المجال، تتحدث عن إصابة 22 في المئة، ممن هم فوق سن الثامنة عشرة، بالسكري! فهل نُصدق؟ رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الغدد الصماء والسكري الدكتور شارل صعب يحكي عن هذا الرقم ويُعقّب عليه: إنه رقم خاطىء أتى من دراسة خاطئة كانت تسأل الناس بعشوائية: تعانون من السكري أم لا؟ وطبيعي أن يجيب مطلق إنسان على هكذا سؤال عام بـ «لا»! لا يحب الناس عادة الكلام في شؤونهم المرضية الخاصة. والعمل؟ يجيب صعب: لهذا قررنا إجراء دراسة تطبيقية لإحصاء مرضى السكري وإعداد خريطة خاصة بنا، بلبنان، تحدد لنا رقم السكريين الصحيح. نريد أن ننقل الى الناس، عموم الناس، أن لا شيء اسمه «طرف سكري»! فإما أن يكون الإنسان مصاباً بالسكري أو لا وبالتالي الإجابة التي كثيراً ما نسمعها: «عندي شوية سكري» مضحكة! فإما أن يكون الإنسان مهيأ للإصابة أو لا، وما يعنينا حالياً هو التدخل الإيجابي عند هؤلاء المهيئين، لأن الدراسات تُثبت أننا إذا تدخلنا في مرحلة ما قبل السكري نستطيع أن نحمي أنفسنا منه. نستطيع بكلام آخر إيقاف حصول هذا الداء قبل أن يتمّ، لأنه بعد حصوله لا يعود ممكناً العودة الى الوراء، فنكتفي عندها بالعمل فقط على الترسبات والمضاعفات.
هل أنت مصابٌ بالسكري؟
لا يتحمل الجواب هنا التأويل فهو إما يكون نعم أو لا. ولعلّ إختبار الدم المجاني الذي قد تخضعون له، إذا شئتم طبعاً، ابتداء من 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في صيدليات لبنان سيحسم النتيجة بنعم أو لا!
السكري ليس نهاية العالم بل هو داء يتطلب عناية وعلاجاً. والسؤال الآخر الذي قد يلوح في البال: هل من آثار نفسية تتأتى جراء الإصابة بالسكري؟
نقيب الأطباء لمن لا يعرف بعد هو طبيب نفسي والجواب يصدر هنا عنه: كلنا نعرف أهمية الأكل في حياة الإنسان، فالإنسان قد ينجح في الإبتعاد عن زوجته شهراً أو حتى شهرين لكنه يعجز عن التوقف عن الطعام والشراب مدة 24 ساعة. وثمة علاقة، بحسب الطبيب بستاني، بين الطعام والقلق. ثمة علاقة بين الطعام واللذة. ومن يتوقف عن تناول المأكولات الشهية، الطيبة، قد يُصاب بإحباط، أولم تسمع بمقولة: كل على ذوقك والبس على ذوق الناس؟ لهذا يُفترض أن يخضع من يظهر لديه سكري الى تربية غذائية جديدة يتدرب خلالها على أسلوب الغذاء ما بعد السكري. أما درجة الكآبة التي قد يقع فيها فتحددها تربيته الإجتماعية والغذائية وما إذا كان من النوع الذي يعتقد بأنه يأكل ليعيش أو يعيش ليأكل!
المتابعة النفسية ضرورية عند مريض السكري، عند الكبير وعند الصغير، فالإنسان البالغ قد تشبه علاقته مع الطعام علاقة الطفل الصغير. وكلنا، لمعلوماتكم، أمام الطعام الشهي نعود أطفالاً!
كيف ستشارك الممرضات في حملة السكري؟
النقيبة نويهض تتحدث عن رسائل سارة ورسائل محزنة يُفترض أن تُنقل الى المريض وأهله وتقول: هذه مهمتنا، مهمة الممرضة، التي قد تساعد مريض السكري على اكتشاف أسرار هذا الداء ونتائجه، فتخبره، بأسلوبها، أنه إذا حمى نفسه من أمراض شرايين القلب والضغط العالي حمى نفسه من السرطان. وأن مريض السكري إذا لم يحم حاله ويتخذ إجراءات رادعة فيأكل أقل وما هو صحي ويتحرك أكثر فسيكون معرضاً مرتين الى أربع مرات أكثر من الآخرين لأمراض القلب والشرايين والضغط العالي وطبعاً السرطان، كما قد ترتفع إمكانية إصابته بالفالج ثلاث مرات أكثر من سواه.
مرض مسلكي
مرض السكري ليس جينياً فقط بل هو مسلكي أيضاً، فالمشي قد يُنجي من دواء، والأكل الطبيعي الصحي قد يمنع تمدد الداء. ونحن نتكلم هنا عن السكري من النوع الثاني الذي يمكن التحوط منه قبل الإصابة غير أن هناك السكري من النوع الأول، سكري الأطفال، الذي لا يمكن التدخل فيه إلا بعد أن يكون السكري قد ضرب… فما رأي مديرة مركز الرعاية الدائمة في الموضوع؟ وهل من إحصاءات دقيقة حول السكري من النوع واحد؟
هناك، بحسب أبي سعد، 1899 طفلاً مسجلين في المركز وهناك 120 حالة جديدة سنوياً. وهناك رقم يحدد عدد المصابين بالنوع الأول من السكري في لبنان بثلاثة آلاف مريض.
وماذا عن الأنسولين؟
يجيب الدكتور منذر صالح: ثمة مرضى يتوترون حين يصف طبيبهم لهم أنسولين ويشعرون بأن الدنيا ضاقت والجدران هبطت على رؤوسهم غير مدركين بأن الحبوب مصنوعة كي تحث البنكرياس على العمل، وحين لا تعود تجدي يُصبح الأنسولين حلاً أفضل. وهناك أطباء ينصحون بأخذ الأنسولين منذ البداية، غير أن المعتقدات الخاطئة هي التي تجعل مرضى السكري يتخيلون أنهم بلغوا مشارف المرض الأخيرة حين يسمعون بالأنسولين، وهم يتلون الصلوات ليل نهار: يا رب إبعد عنا شبح الأنسولين! الأنسولين ليس شبحاً ولا إدماناً بل هو علاج يحمي من تعقيدات السكري.
حملة السكري انطلقت صباح الرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وهي لكل الناس، من عمر الثامنة عشرة وصعوداً، وهي ستستمر، نذكر، 15 يوماً قابلة للزيادة… دخلنا إذاً، بتضافر كل المعنيين في قطاعات الصحة، من الباب الصحيح لتحديد عدد السكريين في لبنان. أليس شعار هذه السنة: «الوحدة من أجل السكري»؟
نوال نصر