ترياق مصر آت من الخليج
«الربيع» الذي شهدته مصر منذ حركة «25 يونيو» لم ينبت عشباً ولا زهراً حتى الآن، لا بل انه ما زال يوحي بالتخبط والبلبلة مالياً واقتصادياً. ولولا «الترياق» الآتي من دول الخليج لكانت مصر اليوم على الشفير.
يعتبر الخبراء الاقتصاديون ان كل الحركات التي شهدتها الساحة المصرية من « 25 يونيو» الى «30 يونيو» لم تحمل الاستقرار ولا الازدهار للشعب المصري الذي يعاني اليوم من ارتفاع مستويات الاسعار، وزيادة معدلات البطالة والفقر، وتفاقم ازمة المواصلات، وارتفاع العجز في الموازنة، واستشراء الفساد وغيرها من المشكلات التي تزداد تعقيداً مع استمرار الاضطراب الامني والسياسي.
الدعم الخليجي
وسط هذا التراكم من الازمات الذي اوشك على اغراق الاقتصاد المصري رمت الدول الخليجية حبل النجاة لهذا الاقتصاد وللنظام الجديد، وذلك عبر تقديم نحو 12 مليار دولار كمساعدات تعهدت بها كل من الامارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والكويت. وبدأت هذه المساعدات النقدية والعينية تصل الى مصر عقب اطاحة الرئيس السابق محمد مرسي. وحتى آب (اغسطس) الماضي وصل من هذه المساعدات 8،78 مليارات دولار ما لبثت الحكومة المصرية ان فتحت اعتماداً اضافياً لها في الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي 2013 – 2014. وسينفق نصف المساعدات النقدية لتنفيذ رزمة من البرامج الاستثمارية والاجتماعية. ووقعت الامارات اخيراً في هذا الاطار اتفاقية لدعم البرنامج التنموي لمصر تقدم الامارات بموجبها دعماً اضافياً يقدر بنحو 3،9 مليارات دولار لتنفيذ عدد من المشاريع لتطوير القطاعات والمرافق الخدمية في مصر.
ويقول خبير اقتصادي مصري «ان اصلاح منظومة الدعم، وتطبيق الحد الاقصى للاجور، وعلاج الازمات مثل ازمة المواصلات وارتفاع مستوى الاسعار كان يجب ان تكون على رأس اولويات الحكومة. فالبلاد تحتاج الى حكومة خلاقة وليس الى أيد مرتعشة». ويعتبر ان اخطر ما يواجه الاقتصاد المصري حالياً هو عجز الموازنة، و«تقليصه لن يأتي الا بترشيد الانفاق الحكومي وليس الانفاق العام، لأن دولة مثل مصر تعاني من ازمات مالية لا يتوافق معها مناخ من البذخ، واعداد كبيرة من المستشارين الذين تقدر رواتبهم الاجمالية بمليارات الجنيهات»، مع ان الحكومة الحالية تقوم حالياً بحصر اعداد المستشارين العاملين في الحكومة.
ويذهب الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى الاقتصادي المصري الى حد القول انه «لولا المساعدات العربية لما استطاعت مصر توفير غذائها». والحقيقة ان هذه المساعدات ساهمت في صعود احتياط النقد الاجنبي لدى البنك المركزي المصري ليصل الى 18،7 مليار دولار في نهاية آب (اغسطس)، وهو ما يغطي الواردات السلعية لمصر لاكثر من ثلاثة اشهر، وهو معدل آمن وفق معايير صندوق النقد الدولي».
ويعتبر عبده ان ادراج الودائع الآتية من دول الخليج في الموازنة العامة للدولة «قد يحل المشكلة آنياً ولكنها تشكل عبئاً على الحكومات المقبلة، خصوصاً اذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي بشكل كبير لأنها ستعجز معها عن سداد ديونها».
نظر ة «هيرمس»
اشارت مجمو عة ـ«هيرمس» المالية المصرية في تقرير لها الى ان النشاط الاقتصادي في مصر تراجع بسبب الاوضاع الامنية. واظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات العام ان النشاط الاقتصادي وصل في شهر تموز (يوليو) وآب (اغسطس) الى ادنى مستوى له منذ 30 حزيران (يونيو). كما تراجعت معدلات السياحة. «ويمكن القول بأن النشاط الاقتصادي وصل الى القاع في الربع الثالث من العام الحالي مع تراجع مؤشرات السياحة، وتضرر الخدمات اللوجستية بسبب حظر التجوال».
وتعتبر «هيرمس» ان الاستقرار القصير الاجل المتوقع للعملة، والذي سببه الرئيسي الدعم الخليجي بدأ يبث الثقة في الاقتصاد، ودعم تلك الثقة ايضاً التقدم في خريطة المرحلة الانتقالية»، وتضيف ان تلك المساعدات (الخليجية) ادت الى تراجع تكلفة التأمين ضد العجز عن سداد الديون، كما الى تراجع العائد على ادوات الدين الحكومية، وارتفاع سعر العملة المحلية. واللافت ان البنك المركزي المصري استخدم الحزم المالية الآتية من الخليج في تخفيف سياسته النقدية لتحفيز النمو، الذي يتوقع وصوله الى 3٪ بفعل خفض الفوائد ايضاً مرتين منذ آب (اغسطس) (بمقدار 100 نقطة).
مزيد من المساعدات الخليجية
3 مليارات دولار من المساعدات التي تتفاوض الحكومة المصرية للحصول عليها من الامارات ليصبح حجم المساعدات الاماراتية لمصر ستة مليارات دولار. ويضاف المبلغ المتفاوض عليه الى المساعدات المقررة لمصر من المملكة العربية السعودية، والامارات العربية، والكويت والبالغة 12 مليار دولار. وذكر وزير المالية المصري احمد جلال ان وزارته اعدت تعديلات على قانون الموازنة العامة للعام المالي الحالي 2013 – 2014، لاستيعاب اثر المتغيرات الاقتصادية والمالية التي تشهدها مصر بعد حركة 30 حزيران (يونيو). واعتبر ان المساعدات الخليجية اهم تلك المتغيرات، يضاف اليها تراجع اسعار الفائدة على اذون وسندات الخزانة الذي قارب 4٪ خلال الشهرين الماضيين.