هل يقاطع الفلسطينيون المفاوضات وما هي الخيارات الاخرى؟
قبل ايام، حمل بعض مصادر الاخبار معلومات مفادها ان كبير المفاوضين الفلسطينيين مع الجانب الاسرائيلي، صائب عريقات، هو في وارد الاستقالة من مهمته من قبيل ابداء الاحتجاج على امرين، الاول: ان المفاوضات المستمرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بعيداً عن الاضواء ومنذ نحو سبعة اشهر تراوح مكانها من دون احراز اي تقدم يعتد به. الثاني: مضي السلطات الاسرائيلية قدماً في عملية بناء المستوطنات بشكل مكثف في مدينة القدس والضفة الغربية عموماً، على نحو بدا وكأنه تحد لمشاعر الفلسطينيين وتجويف مسبق للنتائج الممكن ان تترتب عليها المفاوضات الدائرة حالياً.
نبأ الاستقالة سرعان ما سحب من التداول الاعلامي، حتى ان ثمة من شكك اصلاً بإقدام الديبلوماسي والمفاوض الفلسطيني المخضرم عريقات على الاستقالة، في حين ان ثمة مراقبين اعتبروا ان الامر مجرد تلويح من جانب السلطة الفلسطينية بالاستعداد لاخذ الجانب التصعيدي متى ما بلغت الامور الحائط المسدود.
منذ فترة دأبت السلطة الفلسطينية على ارسال اشارات وتلميحات الى من يعنيهم الامر، فحواها ان مسار المفاوضات الدائرة لا يسير على السكة المنشودة على الاقل بالنسبة الى الجانب الفلسطيني.
غطاء للاعتداءات
ولكن في الايام القليلة الماضية، بدا جلياً للفلسطينيين والمراقبين على حد سواء، ان الحكومة الاسرائيلية هي المستفيدة الابرز من هذه المفاوضات، بل انها تتخذ منها غطاء يستر جملة اجراءات واعتداءات تقوم بها على الشعب الفلسطيني وحقوقه، منها:
– استمرار انتهاكات المستوطنين والجنود الاسرائيليين لحرم المسجد الاقصى، الى درجة ان الجانب الفلسطيني رفع الصوت مراراً في الآونة الاخيرة خشية من ان يناموا ويستيقظوا ليجدوا الاسرائيليين وقد حققوا حلمهم التاريخي في السيطرة على حرم هذا المسجد ذي القدسية والمكانة الخاصة لدى الفلسطينيين ولدى المسلمين عموماً. فقد سجلت في الفترة الاخيرة اكثر من 10 عمليات اقتحام لحرم هذا المسجد، مما اضطر عدداً كبيراً من الشبان الفلسطينيين الى تنظيم عمليات «مرابطة» وحراسة دائمة لكي لا يؤخذ المسجد على حين غرة، خصوصاً ان العالم مشغول في امكنة اخرى.
ولم يكن من قبيل العبث تحذير جهات اسرائيلية في الايام القليلة الماضية من مغبة نشوء انتفاضة فلسطينية ثالثة اثر المحاولات المتكررة لتغيير الوضع القائم في المسجد الاقصى، فمثل هذا الاستنتاج يدل على مدى الاحتقان الذي بات يعتمل في الشارع الفلسطيني بفعل الاغارات المتتالية للمستوطنين المتشددين والجنود الصهاينة على المسجد الاقصى.
– «تصعيد» الحكومة الاسرائيلية مجدداً لبرنامج زرع المستوطنات في الضفة الغربية على نحو يستثير مشاعر الغضب والاستياء لدى الجانب الفلسطيني.
ففي الاسبوع الماضي، وفيما كان الفلسطينيون يستعدون وبفرح كبير لاستقبال 26 اسيراً اطلقتهم السلطات الاسرائيلية المعنية بعدما مضى على اعتقال اغلبيتهم فترات تتجاوز العشرة اعوام، فوجىء الشارع الفلسطيني بمعلومات تقول بأن السلطات الاسرائيلية المعنية، اقرت 4 مشاريع استيطانية جديدة في القدس اي ما يعادل 15 الف وحدة سكنية مما خفض من منسوب فرحة الفلسطينيين الذين انتظروا طويلاً الافراج عن الدفعة الثانية من السجناء والمعتقلين الذين تعهدت السلطات الاسرائيلية بإطلاقهم، ضمن الشروط التي فرضت على الاسرائيلي من الجانب الاميركي، بغية توفير الاجواء اللازمة لموافقة الجانب الفلسطيني على الانضمام الى طاولة التفاوض مع الجانب الاسرائيلي.
وحيال هذا المشروع الاستيطاني الجديد، هددت السلطة الفلسطينية باللجوء الى الامم المتحدة في محاولة للحد من الممارسات الاستفزازية الاسرائيلية.
– على الحدود بين غزة وقطاعها، وبين اسرائيل كانت الاوضاع تشتعل فجأة في الآونة الاخيرة، اذ تدور مواجهات يسقط بنتيجتها 4 عناصر من «القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، ويصاب 5 من الجنود الاسرائيليين بجروح. وعلى الفور، تبدأ اسرائيل بتصعيد لهجتها، اذ هددت بالعودة الى اسلوب الهجمات السابقة على غزة وقطاعها، فيما نقلت جزءاً من الدرع الصاروخي الى الاراضي المحتلة المتاخمة لغزة وقطاعها.
رفع منسوب التوتر
وهكذا بدا واضحاً ان اسرائيل ترفع من منسوب التوتر الى اقصاه مع حركة «حماس» التي تبسط سلطتها على غزة وقطاعها.
كما يبدو واضحاً ان السلطات الاسرائيلية توجه من خلال هذا التصعيد رسالة مزدوجة الى حركة «حماس» والى السلطة الفلسطينية فحواها انها ما زالت على اهبة الاستعداد للمضي بالامور الى اسوأ الاحتمالات.
وحيال كل هذه المعطيات والوقائع، فإن السؤال المطروح بإلحاح امام الجميع هو: هل كان الجانب الاسرائيلي قد عاد في الآونة الاخيرة الى سياسة التلويح بالعودة الى خيار العصا الغليظة واستخدام العنف ازاء اي تفكير فلسطيني بتغيير المعادلات والوقائع الحالية على كل «محاور التماس»، فهل لدى الجانب الفلسطيني بشقيه اي سلطة رام الله وحركة «حماس» في غزة ما تفعله للرد على التحديات والاستفزازات الاسرائيلية الاخذة في التصاعد، وخصوصاً على مستوى العودة الى عملية التوسع في زرع المزيد من المشاريع الاستيطانية في اراضي الضفة الغربية التي هي وفق اتفاقية اوسلو الموقعة في عام 1993 جزء من الدولة الفلسطينية الموعودة؟
وضع حماس
يرى المراقبون للشأن الفلسطيني ان الاوضاع على محاور غزة والارض المحتلة، ستعود الى ما كانت عليه من هدوء نسبي قبيل الايام القليلة الماضية. وينطلق اصحاب هذه الرؤية من مسألة اساسية وهي ان الوضع الذي تعيشه «حماس» لا يسمح لها بالمضي قدماً الى درجة فتح ابواب المواجهة العسكرية مع اسرائيل كما حصل قبل نحو عامين وعملية الرصاص المسكوب.
فهذه الحركة كما هو معلوم، تعيش في هذه المرحلة في اسوأ اوضاعها بعدما اخرجت نفسها طوعاً من الحضن السوري وفقدت استطراداً الدعم الايراني المفتوح والسخي، وبعدما اخرجها النظام المصري الحالي الذي اتى على انقاض حكم «الاخوان المسلمين» من حسابات القاهرة، ودفعها لتكون في مصاف الخصوم بعدما شن عليها ولا يزال هجمات اعلامية وسياسية واسعة النطاق وصلت الى حد اتهامها بالاشتراك مع فلول «الاخوان» والتنظيمات الارهابية المعششة في شبه جزيرة سيناء لمواجهة القوات المصرية.
وهكذا يبدو جلياً ان «حماس» في طور اعادة حساباتها واعادة وصل ما انقطع من جسور وقنوات اتصال مع الاخرين، وليست بالتالي لديها القدرة على الفعل وفتح ابواب التصعيد على اي جبهة.
خيارات السلطة
اما على مستوى السلطة الفلسطينية فثمة حسابات ورؤى اخرى مختلفة تماماً. فهذه السلطة لا تضع في لائحة اهدافها من الاصل هدف فتح ابواب المواجهة العسكرية مع الجانب الاسرائيلي اطلاقاً، فالمعلوم تماماً ان رئيس هذه السلطة معروف برفضه المطلق لخيار المواجهة العسكرية وهو الذي يسرع الى ادانة واضحة وجلية لأي عملية تستهدف القوات الاسرائيلية او حتى المستوطنين الاسرائيليين، فضلاً عن انه وقف دائماً موقف الرافض لاسلوب حركة «حماس» وخياراتها العسكرية في مواجهة الاسرائيليين في محطات متعددة. فضلاً عن ذلك لا يبدو ان عريقات جاد في الانسحاب من المفاوضات الحالية.
ومع ذلك فالسؤال: كيف ستتصرف السلطة الفلسطينية حيال الاحتقان المتراكم اخيراً في الشارع الفلسطيني من جراء ازدياد الاستيطان وازدياد الاقتحامات الاسرائيلية للمسجد الاقصى والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين في مدن اخرى من الضفة الغربية؟ الواضح ان هذه السلطة ليس امامها من خيار الا ممارسة الضغوط على الراعي الاميركي للمفاوضات.
المعلوم انه عندما اضطر الجانب الفلسطيني للعودة الى المفاوضات مع الاسرائيلي تحت وطأة الضغوط الاميركية، حصل على تعهد شفهي وليس مكتوباً من الاميركي بالعمل على وقف عمليات الاستيطان الاسرائيلية طالما ان مسار هذه المفاوضات مستمر.
وبالتالي فإن لدى الاوساط الفلسطينية رأي يقول بأن زمن قطع المفاوضات مع الاسرائيليين لم يحن بعد، وبالتالي لا بديل عن المفاوضات الا المفاوضات نفسها.
ضغوط مباشرة
ولدى الاوساط نفسها من يقول ان في عودة الاسرائيليين الى نغمة توسيع الاستيطان نوعاً من الضغوط غير المباشرة على الراعي الاميركي وبالتحديد الاستنكار لنهج سارت عليه واشنطن اخيراً في موضوعات لها صلة بصراعات المنطقة، ولا سيما على مستوى العلاقة مع طهران وخيار التفاوض معها.
وهكذا، فإنه من الواضح ان الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ينتظران نتائج الاتصالات مع الجانب الاميركي ليبنيا على الشيء مقتضاه.
ومع ذلك، فإن الفلسطينيين مضطرون بين الفينة والاخرى الى التذكير بوجودهم واعلاء الصرخة في وجه الممارسات والاطماع الاسرائيلية.
ا. ب