تونس: ازمات الثقة تتفاقم والبلاد نحو التصعيد
يتوقف المتابعون عند كم من عناصر التأزيم المتكونة على الساحة التونسية. فاضافة الى تعثر الحوار بين الحكومة والمعارضة بشأن تشكيل حكومة مؤقتة، ثمة ازمة جديدة عنوانها «النقابات الامنية» التي تمددت، ودخلت مجالات العمل السياسي خلافاً لاهدافها وتخصصاتها التي قامت على اساسها.
التقارير الواردة من العاصمة التونسية تشير الى خلافات تتعمق بشكل كبير بين الحكومة التونسية والنقابات الامنية، وان وزارة الداخلية تعد العدة لتحجيم تلك النقابات مهما كلف ذلك من ثمن. بينما تتمسك تلك النقابات بما تقوم به من نشاطات، وتصر على توسيع حدود صلاحياتها وصولاً الى التدخل في المجالات السياسية والامنية وغيرهما.
وبالتزامن، تواصل التنظيمات الاسلامية المتطرفة اعمالها وتنفذ المزيد من العمليات التخريبية الامر الذي يؤدي الى تشتيت الجهود وبعثرتها على حساب الحوارات التي يفترض ان تنتهي الى حلول امنية وسياسية تنهي الازمة المتفاقمة والتي تهدد البلاد وتضعها على حافة المواجهة. فقد احتدم التوتّر بين نقابات أمنيّة تونسية تأسست بعد ثورة 14 كانون الثاني (يناير) 2001، ووزارة الداخلية ومن ورائها حكومة علي العريض. وبلغ الخلاف بين الطرفين حدّ الصدام المباشر، فتبادلا تصعيد اللّهجة ما أثار تخوّفات من طموحات النقابات الأمنيّة واتهامها بممارسة السياسة تحت غطاء العمل النّقابي فيما تنفي النّقابات هذه الإتهامات وتعتبرها مجرّد إفتراءات. واندلع الصّراع القديم – الجديد بعد إجبار أمنيّين غاضبين الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة علي العريض، ورئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) مصطفى بن جعفر، على مغادرة موكب تأبين عنصرين من الدرك قتلا خلال مواجهات مع مجموعة مسلحة في منطقة «قبلاط» من محافظة باجة، ردّت عليها الحكومة بإصدار بطاقات إيقاف عن العمل، شملت عدداً من أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة قوات الأمن الداخلي، التي تعتبر أكثر النقابات الأمنيّة إثارة للجدل. في هذه الاثناء، طالب حزب «جبهة الاصلاح» السلفي التونسي بحل نقابات قوات الأمن التي تأسست إثر اطاحة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. واتهم الحزب الذي يصنفه مراقبون ضمن التشكيلات السياسية «الموالية» لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة، في بيان نقابات الأمن بالانحياز الى خدمة أجندات سياسية معينة. ودعا الحزب الذي يطالب بتطبيق أحكام «الشريعة الاسلامية» في تونس الى حل النقابات الامنية، وتكوين جمعيات بديلة تكون مهمتها السهر على تأطير الأمنيين والإحاطة بهم والمحافظة على حقوقهم.
تعمق الازمة
الازمة التي تشكلت على ارضية تعاطي النقابات الامنية اختصاصات ليست لها تعمقت بشكل لافت، عندما اصدرت النقابات بياناً انتقدت فيه الاداء الحكومي، خصوصاً اداء وزارة الداخلية. حيث ردت الوزارة ببيان استنكرت خلاله موقف النقابة الأمنية الأبرز، والذي حمل اتهاماً للحكومة بالفشل في التصدي لآفة الارهاب، وهدد بتصعيد النضال بـ «طرق غير مسبوقة» من أجل حفظ أرواح أعوان الأمن مما اسماه «موجة الارهاب الأخيرة»، حيث كشفت التطورات عن تصاعد التوتر بين الطرفين.
اضافة الى ذلك، وفي الوقت الذي تعطل الحوار بين حركة النهضة والمعارضة حول الحكومة الجديدة، كشفت مصادر سياسية عن بعض عناصر تلك الازمة المتفاقمة. وفي هذا السياق، قال معارض بارز ان حركة النهضة الاسلامية تريد ضمانات قبل ترك السلطة، وانها تخشى من تعرضها للاضطهاد في حال مغادرتها الحكم. وقال أحمد نجيب الشابي القيادي البارز في الحزب الجمهوري المعارض خلال مؤتمر صحافي ان حركة النهضة تريد ضمانات في مقابل تخليها عن الحكم خارج اطار الانتخابات المألوف. وقال الشابي، ان حركة النهضة تخشى من عودة الاضطهاد ومن سوء استعمال السلطة ضدها، او الانحراف بها اذا ما غادرت الحكم.
وكان الحوار قد توقف بعد فشل الأطراف السياسية في التوافق حول الشخصية الوطنية التي ستقود الحكومة الجديدة واستنفادها للآجال المحددة بخريطة الطريق.
وتمسكت حركة النهضة حتى آخر لحظة بترشيح السياسي أحمد المستيري (88 عاماً) الذي ترفضه المعارضة لشكوك في وضعه الصحي وعدم ملاءمته حسب رأيها لمقتضيات المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد. وأوضح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي عقب لقائه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ان موعد استئناف الحوار لم يتحدد بعد وان المشاورات مع الأحزاب السياسية ما زالت مستمرة. وأوضح الغنوشي ان هناك اتجاهاً لطرح اسماء مرشحين جدد لمنصب رئيس الحكومة.
ويتم تداول اسم المناضل السياسي والحقوقي المعروف حمودة بن سلامة وهو أيضاً من جيل المستيري ومحمد الناصر مرشح المعارضة، ويحظى باحترام واسع من اغلب الأحزاب السياسية. وكشف الشابي انه تم طرح اسم السياسي حمودة بن سلامة في كواليس الحوار الوطني كخيار جديد، يحظى بقبول متفاوت، لكنه لم يحصل اجماع حوله ولم يتم تقديمه بشكل رسمي. مضيفاً انه يجري التباحث مع جميع الأحزاب بهدف البحث عن أرضية جديدة للحوار والانطلاق في تشكيل حكومة جديدة في غضون اسبوعين. وكشف الشابي عن ان «فشل الحوار يعني الذهاب الى المواجهة والى المجهول».
تبادل الاتهامات
في تلك الاثناء يسود الغموض الساحة التونسية حول إمكانية الخروج من الأزمة العميقة التي تتخبط فيها البلاد، بينما يتبادل الاسلاميون الحاكمون والمعارضون الاتهامات بالمسؤولية عن فشل مباحثات تعيين رئيس وزراء جديد.
واعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي وقف الحوار، مؤكداً ان القرار رهن بتوفير ارضية صلبة لنجاحه. مؤكداً عدم التوصل الى توافق على الشخصية التي ستترأس الحكومة، حاولنا تذليل الصعوبات لكن لم يحصل توافق.
واشار الى خطة بديلة تتمثل باقتراح اسماء جديدة في حال لم تتوصل الاحزاب الى اتفاق بهذا الخصوص. مضيفاً انه يتوجب ان تحصل الحكومة الجديدة على موافقة الاسلاميين وحلفائهم اذ انهم يشكلون الاغلبية في المجلس التأسيسي.
وتبادل رجال السياسة بمن فيهم اسلاميو حركة النهضة والمعارضون التهم حول مسؤولية المأزق. وتتركز مآخذ المعارضة على ترشيح المستيري (مرشح النهضة) على كبر سنه وترنح وضعه الصحي ما يثير شكوكاً حول مدى قدرته على العمل المضني والمتواصل في مرحلة حساسة ودقيقة وإلمامه بجميع الملفات والحفاظ على حيادية الدولة. ويتناقل انصار المعارضة وبعض وسائل الاعلام المحلية صورة المستيري وهو يتوسد عكازه للمشي في دلالة على تدني وضعه الصحي.
تونس – «الاسبوع العربي»