سياسة عربية

العراق: بماذا عاد المالكي من واشنطن وكيف سيواجه الاستحقاقات؟

ذهب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى واشنطن، طالباً مساعدة الدولة التي تربطها وبلاده اتفاقية شراكة امنية من مستوى رفيع، لمواجهة الهجمة الشرسة المتجددة بوتيرة عنف اعلى من تنظيم «القاعدة» على بلاده، فوجد في اوساط المسؤولين الاميركيين من يفاتحه بأمرين اثنين يخففان كثيراً من وهج زيارته، ويخفضان من وتيرة آماله وطموحاته.

 امران اثنان واجه بهما الاميركيون رئيس وزراء العراق نوري المالكي وهما:
الاول: الشكوى من اتساع نطاق الحضور الايراني في بغداد، والذي جعل من بلاده واسطة العقد لنقل النظام في طهران مساعدات عسكرية الى حليفها نظام الرئيس بشار الاسد في سوريا، مما رفد هذا النظام بأسباب القوة والصمود لمواجهة المجموعات المعارضة له طوال ما يقرب من ثلاثة اعوام.
وهو امر
بدد الكثير من الجهود والتضحيات الاميركية السابقة الجبارة منذ عام 2003 وحتى عام 2011، والتي ادت الى اطاحة نظام صدام حسين وترسيخ أسس اللعبة الديموقراطية في العراق والتي سمحت للقوى والشخصيات التي كانت في موقع المعارضة وكانت منفية ومقصية من بلاد الرافدين، ان تصل الى رأس قمة هرم السلطة في بغداد، للمرة الاولى منذ عقود عدة.
واكثر ما سمع المالكي هذا الكلام السلبي هو في اوساط الكونغرس الاميركي، اذ ان اعضاء بارزين في هذه المؤسسة الاساسية في القرار الاميركي، اعربوا عن عدم قناعتهم بما سمعوه من «دفاعات» المالكي وطروحاته، معتبرين انها لم تبدد قلقهم وشكوكهم.
الثاني: ان عدداً بار
زاً من المسؤولين الاميركيين الذين اجتمعوا بالمالكي صارحوه ايضاً بشكوكهم حول ادعاءات المالكي السابقة من انه يطبق اسس ومعايير الديموقراطية ابان ممارسته الحكم، وخصوصاً لجهة الانفتاح على شركائه الاساسيين في الوطن اي السنة والاكراد، وهذا يعني ان الدستور العراقي الذي وضع منذ عام 2005، لم يعد يعمل به وانه وضع على الرف.

اقرار المالكي
ومع ان المالكي بدا مقراً بوطأة ردة الفعل الاميركية على سياسته ونهجه في الحكم عندما قال عبر بيان صدر عن مكتبه في بغداد من ان بعض اعضاء الكونغرس متأثرون بالحملات الاعلامية المضادة للعراق، فإن رئيس الوزراء العراقي الجالس على كرسي اهم منصب حكومي في العراق منذ نحو 7 اعوام، سعى الى ان يعطي انطباعاً فحواه ان الادارة الاميركية لن تترك العراق لوحده امام حرب تنظيم «القاعدة» عليه، وانه (اي المالكي) سمع هذا الكلام من الرئيس الاميركي باراك اوباما ومن نائبه المستلم ملف العراق جوزف بايدن الذي اجتمع به مرتين متتاليتين.
وعموماً اراد المالكي حسب الراصدين بدقة لنتائج زيارته الى العاصمة الاميركية ان يحصر الايجابية في زيارته بجانب الحصول على دعم لوجستي ومخابراتي من جهة، وتلبية الادارة الاميركية لـ «طلبية» الاسلحة النوعية التي طلبها وخصوصاً الطائرات من دون طيار والاسلحة الهجومية، كونها ضرورية جداً لمنطقة شاسعة من الصحراء العراقية التي تتخذ منها الخلايا الارهابية بعض الملاجىء التي تختبىء فيها وتشن منها هجماتها على المناطق الامنة.
ثمة من رأى في حديث المالكي عن طلب الطائرات من دون طيار، تعبيراً عن رغبة بأن تبادر القيادة الاميركية الى ان تجعل من العراق ساحتها الاساسية لمواجهة تنظيم «القاعدة» والحد من انشطته وهجماته على غرار ما يحصل في كل من باكستان واليمن حيث الطائرات الاميركية من دون طيار، تقوم منذ فترة بعيدة بمهمة قتل الرموز القيادية لتنظيم «القاعدة» في هذين البلدين ومهاجمة مخابىء اساسية لعناصر هذا التنظيم والكشف عن معسكراتها واماكن التجمعات الرئيسية لوحداتها.
ومما يعزز هذا الاعتقاد ان المالكي اطلق قبيل سفره بساعات الى واشنطن شعار الاعداد لحرب عالمية في وجه الارهاب وتنظيم «القاعدة» وهجمتها الشرسة والواسعة في المنطقة عموماً.
وبصرف النظر عن دقة هذا الرأي، فالواضح ان المالكي نجح الى حد بعيد في اختيار الظروف المناسبة لزيارته الاميركية ان على مستوى التحولات والتطورات في المنطقة، او على صعيد تصاعد الاحداث الارهابية الى درجة الاحتدام والتفاقم داخل العراق على نحو اعاد الى الذاكرة العراقية الطرية المشهد السوداوي الذي طغى على البلاد ما بين عامي 2005 و2007، حيث وصلت البلاد يومها الى شفير حرب اهلية كان مقدراً لها الا تبقي ولا تذر.

 في مقر القرار
فالمالكي اختار ان يمضي في رحلته الى واشنطن في لحظة دراماتيكية تشير فيها كل المؤشرات والتوقعات الى ان واشنطن تعيد النظر بكل سياستها حيال منطقة الشرق الاوسط  عموماً، في ضوء تفاهمها مع روسيا حول الملف السوري المشتعل وفي ضوء فتحها الابواب الموصدة منذ عقود مع طهران.
لذا فإن المالكي شاء ان يذهب الى مقر القرار في واشنطن ليعلن في حضرتهم انه ما زال على اتم الاستعداد لتجديد الالتزام بالاتفاقية الامنية المبرمة منذ اكثر من عامين بين واشنطن وبغداد والتي كانت اساس الانسحاب العسكري الاميركي التام من بلاد الرافدين، وهي الاتفاقية التي اثارت لغطاً وموجة اعتراض واسعة حتى في الداخل العراقي في زمن وضعها.
وثمة من يقول في الاوساط السياسية العراقية، ان المالكي شاء ايضاً ان يختبر متانة وصلاحية المعاهدة الامنية المبرمة بين بلاده وواشنطن، فبلاده الان في ذروة حرب مفتوحة مع تنظيم «القاعدة» ومع الارهاب الشرس الذي تمثله وخصوصاً بعد اشتعال نيران الاحداث في الساحة السورية المجاورة، وارتفاع منسوب اطماع هذا التنظيم، واتساع رؤاه ورغباته في تحويل جزء من الاراضي العراقية واجزاء من الاراضي السورية المحاذية الى امارة يقودها عبر ما صار يعرف بـ «تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام».
وعلى مستوى آخر، يبدو جلياً ان المالكي سافر الى واشنطن بعد السقوط التلقائي للعديد من الهواجس والمخاوف الاميركية من العلاقات بين بغداد وطهران، مما افسح في المجال امام تمدد ايراني سياسي وغير سياسي في الداخل العراقي، وهو امر ابدت الدوائر الاميركية تفهمها لأبعاده وضروراته، لكن واشنطن رفعت عقيرتها بالاعتراض الصريح لاحقاً، وبالتحديد عندما ابدى المالكي انحيازاً لمصلحة نظام الرئيس الاسد في سوريا، ووفر له اسباب العديد من عوامل الدعم والاسناد، وعندما حوّل اجواء بلاده ومطاراتها طوعاً الى ممر للطائرات الايرانية المحملة بالعتاد والاسلحة وغير ذلك الى القوات النظامية السورية.

جرعة دعم
وبالطبع، ثمة في العراق وخارجه، من يعتبر ان المالكي حصل نتيجة هذه الزيارة على جرعة دعم معنوية لمجرد استقبال الاميركيين له، كونه عاش في الاشهر القليلة سلسلة صدمات وانتكاسات على المستوى العسكري والامني، وخصوصاً بعدما نجح الارهاب في توجيه سلسلة ضربات كبرى للجهود الامنية للنظام العراقي، مما بدد الكثير مما كانت بغداد قد اعتبرته في السابق انجازات كبرى في مجال ترسيخ الاستقرار والامان، وابعاد شبح الارهاب وما يحمله معه من احتمالات نشوب حروب اهلية، وخصوصاً بعدما نجح الارهاب في الآونة الاخيرة في رفع رقم اعداد ضحايا عملياته التي طاولت كل العراق في الآونة الاخيرة الى ارقام تجاوزت في اشهر عدة ارقام ضحايا السنوات الاربع العجاف.
لذا فإن هناك من يرى بأن المالكي اثبت لجبهة خصومه الواسعة في الداخل ولاعدائه في الخارج، انه ليس رجلاً لوحده، وان واشنطن التي ساهم وجودها العسكري في العراق في الاصل في تمهيد الطريق امامه لبلوغ سدة اعلى منصب في السلطة في بغداد، ما زالت بحاجة اليه والى العلاقة معه وانه خلافاً لمزاعم شاعت سابقاً لم يعد (اي المالكي) الى قائمة خصوم واشنطن.
ولا ريب في ان المالكي سيضع هذا الانجاز المعنوي والسياسي في رصيده الداخلي لينفق منه في المرحلة المقبلة وليواجه خصومه المطالبين اياه بإخلاء الواجهة السياسية بعدما صار عبئاً على واشنطن نفسها، وحتى على مكونات واطراف الفريق السياسي الذي وفر له ظروف العودة ثانية الى رئاسة الحكومة العراقية.

 مواجهة الواقع الصعب
المالكي عاد الى بلاده بعد زيارة حافلة لواشنطن استمرت اربعة ايام، صحيح انه عاد بمكاسب معنوية كان بأمس الحاجة اليها، ولكنه عاد ليواجه امراً واقعاً صعباً، فالخطر الناجم عن جموح تنظيم «القاعدة» ما زال حاضراً بعناد ويفصح عن نفسه بسلسلة الهجمات اليومية المتكررة في اكثر من منطقة، اضافة الى المخاطر الاخرى التي كشف المالكي عنها في واشنطن، وخصوصاً في عمق الصحراء العراقية، وليواجه في الوقت نفسه استحقاقات داخلية داهمة، لم يعد بامكانه ان يتهرب منها وفي مقدمها استحقاق التحضير للانتخابات العامة التي ينبغي اجراؤها في العام المقبل.
وفي القريب العاجل على المالكي مهمة ان ينتج قانون انتخاب جديداً ينال ثقة مجلس النواب الحالي وهي مهمة ليست بالسهلة واليسيرة، فخصومه ينتظرونه هناك.
وفي كل الحالات بإمكان المالكي ان يزعم ان زيارته الى واشنطن حققت مكاسب ونجاحات في مجال الحصول على دعم لوجستي واستخباراتي لمواجهة الارهاب المتفشي كالداء في بلاده، ولكن ذلك على اهميته ما زالت دونه رحلة شاقة لكي يقول انه وضع بلاده على سكة الاستقرار.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق