طرابلس تترنح عسكرياً على وقع اجندة سوريا لتحسين المواقع قبل «جنيف – 2»

وفق مصدر ديبلوماسي غربي، ان جرح طرابلس يستمر بالنزف لانه على تماس مع اجندات اقليمية ولأنه في خضم الصراع في المنطقة، لن يندمل من خلال معالجته بأدوات محلية، ولن يكتب للمحاولات النجاح، على رغم جهود المسؤولين والخطط الموضوعة، وعلى رغم تحرك المجتمع المدني لوقف الحرب وابعاد صورة العنف عن طرابلس المدينة المسالمة والهادئة، لانه لا يجوز اعتبارها «قندهار لبنان» كما اسمتها احدى الطرابلسيات. وفي رأي احد نواب المدينة ان كلام الرئيس بشار الاسد في حديثه التلفزيوني الاخير عن «ان جبل محسن هو محافظة من سوريا» اعطى افضل صورة لطبيعة الصراع القائم، اضافة الى مواقف رفعت عيد رئيس الحزب العربي المحسوب على سوريا.
فشلت الفاعليات السياسية الطرابلسية في معالجة الوضع في طرابلس على رغم المحاولات التي بذلتها، لعدم قدرة الاجهزة الامنية والعسكرية على وقف الحرب، اضافة الى اعلان بعض الاطراف عن فقدان الثقة ببعض الاجهزة الرسمية وصولاً الى اتهامها بالانحياز والبعض الآخر بالتواطؤ، وهذا ما يدفع الى استمرار المواجهات من دون موقف رادع يحسم الامر ويؤدي الى فصل ملف طرابلس عن الصراع الاقليمي. واعطى الرئيس ميشال سليمان بعد اجتماع امني عسكري التعليمات بضرورة استعمال الحزم لوقف الحرب والتنسيق بين الاجهزة. وطالب نواب طرابلس بغرفة عمليات مشتركة للاشراف على تنفيذ الخطة الامنية وتطبيق الاجراءات لوقف الحرب. وعكس اللواء اشرف ريفي المدير السابق لقوى الامن الصورة الحقيقية لما يجري في المدينة، عندما اعتبر «ان ما تتعرض له طرابلس من اعتداءات تأخذ طابع المؤامرة لتدفيعها ثمن وقفاتها الوطنية وتمسكها بخيار الدولة». واكد «ان أمن طرابلس ليس سلعة بيد النظام السوري ولا بيد حزب الله». واعلنت فاعليات سنية طرابلسية انها «لن تسمح لسوريا ولحزب الله بوضع يدهما على طرابلس، وطرابلس لن تسقط في «فخ» عبرا و7 ايار (مايو) بعدما تمدد الحزب على اثرهما في بيروت وصيدا باعتراف النائب بهية الحريري التي اشارت الى وجود شقق عدة لحزب الله في عبرا وليس شقة كانت المطالبة بازالتها الامر الذي ادى الى سقوط عبرا».
واتضح ان «هجمة» سوريا وحزب الله على الساحات السنية في بيروت وصيدا وطرابلس وعرسال، عقّد الحل في ظل ضباب اقليمي حول ما يجري ومعلومات عن صفقات غير واضحة المعالم حتى الان لا سيما لدى قوى اقليمية فاعلة تحاول تلمس خيوط الاتفاق الاميركي – الروسي الذي تبين انه يتناول ايجاد حلول لملفات المنطقة، من الكيميائي في سوريا الى النووي في ايران الى المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية لان الجبارين قررا طي هذه الملفات للانصراف الى الخطر الاتي من القارة الصفراء.
الخلاف الاميركي – السعودي الى العلن
واشارت تقارير ديبلوماسية الى ان الصراع في المنطقة على اشده حتى الان من دون ان تتضح معالم المرحلة، الامر الذي خلق توتراً في العلاقات بين «عرب الاميركان» وعلى رأسهم السعودية، والولايات المتحدة. وخرج الخلاف الاميركي – السعودي الى العلن من خلال انتقاد السفير جيفري فيلتمان مساعد الامين العام للامم المتحدة، المملكة، من دون ان يصدر اي نفي بشأنه، وامتناع مسؤولين سعوديين عن الاجتماع مع مسؤولين اميركيين، واعتذار السعودية عن تولي مقعد غير دائم في مجلس الامن ممثلة المجموعة العربية، واتهمت المنظمة الدولية بانها تكيل بمكيالين، وغمزت من موقفها تجاه الحرب السورية، والفشل الذي منيت به. واشارت التقارير الى انه بعد تسليم سوريا تدمير السلاح الكيميائي بضغط من ايران، رغم انه سلاح للتوازن في المنطقة، عرضت ايران على الجانب الاميركي ومن ضمن مشروع صفقة، واستكمالاً لخطوة تدمير الكيميائي، ان يسلم حزب الله الترسانة الصاروخية مقابل ان يعزز الحزب حضوره في السلطة، مع الاعتراف بدور سياسي وشراكة فعلية لايران في المنطقة، اي ان تتولى دور سوريا، مع التعهد باراحة واشنطن. ونقلت جهات ديبلوماسية المعلومات الى سياسيين لبنانيين كاشارة الى ابعاد الانفتاح الاميركي – الايراني وخطورته على التوازنات والمعادلة السياسية، وهذا ما حمل السعودية وفق ديبلوماسي غربي على اتخاذ موقفها من واشنطن لفضح الصفقة، ورفضت الرياض استقبال المبعوث الاممي الاخضر الابراهيمي ومسؤولين اميركيين على رغم تأكيدها على متانة العلاقة مع الولايات المتحدة.
مواجهة الاصولية السنية
وتعترض اوروبا على الاقتراح لان موافقة الاسد على تدمير الكيميائي تنطوي على وعد ايراني ببقائه في السلطة، وموقعه في المنطقة، من خلال اعادة تلزيمه لبنان مع الحزب واعادة اعطائه الدور الاقليمي لكي يشرف مع الحزب على تطبيق الاتفاق الاميركي. وتقول اوساط سياسية «ان التفاهم الدولي الذي يجسده الاتفاق الاميركي – الروسي يهدف الى مواجهة الاصولية السنية تحت عنوان «مكافحة الارهاب» في المنطقة. ويرى مصدر غربي ان هذه المواجهة قد تحمل «السنة» على اعادة النظر في تحالفاتها. ويقول احد العلماء السلفيين في لبنان «ان على الغرب ان يفهم العقلية والنفسية السنية، فالسني لا يقبل ان يحكمه شيعي ايراني وسيحول دون حصول ذلك». ويضيف: «ان حزب الله يحاول الهيمنة على الساحات السنية في بيروت وصيدا وطرابلس وعرسال والتحكم بقرار السلطة السياسية. ان ما يجري في طرابلس لا يمكن قراءته بعيداً عن هذا المناخ الذي تشجعه التطورات الاخيرة في المنطقة. وان الاتحاد الاوروبي وفرنسا تحديداً ليسا في وارد خسارة السنة وابدال التحالفات وتغيير المعادلات». ويرى مسؤولون غربيون في الخطة قشرة موز ايرانية يجب عدم الانزلاق عليها، والعمل على تعزيز العلاقات مع الاعتدال ودعمه لامتصاص التطرف. وان عملية تسليم صواريخ الحزب وفق الاقتراحات المتداولة هي محاولة لشطب الحزب عن لوائح الارهاب الغربية، واسقاط العزل الحكومي عنه وقبول مشاركته في الحكومة. ويطالب الرئيس سليمان بوجوب فصل ازمة طرابلس عن الاجندة الاقليمية، فلبنان لا يجوز ان يبقى صندوق بريد، ويفترض انهاء المواجهات وعودة الهدوء الى طرابلس بعدما فشل الامن بالتراضي والامن الذاتي، وعلى الجميع الانصياع للقانون والى التدابير التي ستتخذها الاجهزة الامنية والعسكرية التي عليها ان تفرض الامن بحزم وشدة وتمنع استخدام السلاح مقدمة لجمعه.
خطة طرابلس
تقضي خطة طرابلس بانتشار الجيش بالتوازي في منطقتي جبل محسن وباب التبانة لمنع استخدام السلاح وقد اشترط اهالي التبانة صدور مذكرة توقيف بحق رفعت عيد كخطوة تؤكد عدم انحياز الدولة لينتشر بعدها الجيش في التبانة. ويقول احد الوزراء انه لا يجوز ان تستمر الحوادث في طرابلس على الوقع الاقليمي والتطورات في سوريا. ونقل سياسي لبناني عن مسؤول امني سوري بعد عودته من زيارة دمشق «ان معركة القلمون لن تحصل بسبب ضغط روسي لافساح المجال امام مناخ التفاوض والانفراج لانجاح جهود المبعوث الاممي الاخضر الابراهيمي في عقد مؤتمر «جنيف – 2» في 23 الجاري الذي يؤيده الجميع بشروطهم لوضع اطار الحل. وقد يكون «جنيف – 2» البداية لسلسلة اجتماعات يفترض ان تتواكب مع وقف اطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية بعدما تبين ان الحرب السورية تستنزف الجميع، ولا احد من الاطراف بامكانه الحسم على الارض.
فيليب ابي عقل