«حزب الله» كتحدّ وخيار!
بين حزب الله والمجتمع الشيعي محلياً، وبينه وبين ايران وسوريا خارجياً، صلة رحم وحياة… يتبادل الثلاثة بامتياز الادوار والوظائف، ويراكمون – مفرقين او متحدين – المكتسبات. لكن المسألة السورية دفعت عدداً من مراكز الابحاث الغربية الى توقع ان يتأثر هذا الحلف الثلاثي التراكمي نتيجة كثرة الانشغالات والتدخلات والتداخلات.
ثمة من المراقبين من يعتقد بأن الاطلالات الاخيرة للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله خطّت منحى جديداً في تدخل الحزب في سير المعارك السورية، قد يكون على شاكلة انسحاب تكتيكي – تدريجي من ارض المعركة، مع ابقاء قوات محددة المهام والاهداف في سياق اعادة تموضع غير قليلة. وثمة من بين هؤلاء من يربط بين قرار الحزب هذا – في حال صحت هذه التوقعات – والزيارة التي قام بها في بداية ايلول (سبتمبر) الى بيروت رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، حيث قيل كلام كثير وراء الابواب المغلقة، خصوصاً في الاجتماع الذي جمع المسؤول الايراني برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في القصر الرئاسي الصيفي في بيت الدين.
ولا ريب في ان تطورات المسألة السورية وتعقيداتها المتشعبة، ولا سيما موقعية «حزب الله» في أغلب هذا المشهد، لا تزال الشغل الشاغل لدوائر القرار الغربي ولمراكز الابحاث والتحليلات المتخصصة في اقليم الشرق الاوسط.
في فترة سابقة لاشتداد الاحوال السورية وتدهورها، وضع «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، في تقريره «التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران: الحرب الباردة بالوكالة في المشرق ومصر والأردن»، مقاربة للواقع الشيعي في لبنان، منذ ان حط الحضور الايراني رحاله في لبنان في بداية ثمانينيات القرن العشرين، انتهاء بالواقع الراهن في ضوء النفوذ الكبير الذي بات لـ «حزب الله»، وخصوصاً بعد حرب تموز (يوليو) 2006.
حزب الله والمجتمع الشيعي
يقول التقرير: «إستفادت إيران من واقع التهميش المستمر للشيعة من جانب الإئتلاف السني – الماروني في حقبة لبنان ما بعد الإستقلال والذي عمل على ترسيخ الهويات الطائفية وفشل الشيعة بالإيمان والثقة بهيكليات الدولة. هذا الأمر ترك الشيعة أيضاً – أكبر فئة في سكان لبنان – في وضع يبحثون فيه عن آليات سياسية، مذهبية، وأمنية يمكنها أن تدفع قدماً بالمصالح المجتمعية الشيعية، حتى لو كانت هذه المنصات إيديولوجية بطبيعتها، إن لم تكن راديكالية. وحافظت إيران على علاقات وثيقة مع المجتمع الشيعي اللبناني حتى خلال عهد الشاه. في كل الأحوال، رأت الجمهورية الإسلامية الجديدة في لبنان الممزق جراء الحرب، وبالمجتمع الشيعي اللبناني، أرضاً مثالية لتصدير الثورة. وسهل الغزو الإسرائيلي آنذاك لجنوب لبنان في العام 1982 وجود دور إيراني أكثر بروزاً في لبنان، ووسع نفوذ طهران في أوساط شيعة البلد. وخلق الغزو وما أعقبه من إحتلال واقعي للجنوب العداء المتنامي تجاه إسرائيل وتجاه الحكومة التي كان الموارنة مهيمنين عليها. وأعطى ذلك أيضاً رافعة إضافية على حساب سوريا وساعد على قلب التأثيرات المدمرة للغزو العراقي لإيران وعلى قلب الموقع القوي لدمشق في مقابل طهران».
بين ايران وسوريا
وفي الحديث عمّا أسماه التقرير «التوازن غير المتماثل»، يعتبر انه «خلال الاجتياح الإسرائيلي في السادس من حزيران (يونيو) 1982، بات واضحاً للقيادة السورية أن قواتها النظامية لن تستطيع منافسة إسرائيل، وعلى الفور، اغتنمت إيران الفرصة. وفي 17 حزيران (يونيو)، عرضت لجنة إيرانية يرأسها وزيرا الدفاع والخارجية إرسال قوات نظامية وأسلحة والتطوع للقتال في لبنان تحت القيادة السورية. رفضت دمشق لقناعتها بأنه ليس بإمكان إيران قلب الأوضاع لمصلحتها. وعندما تبين أن لا إيران ولا سوريا تملكان الوسائل للتأثير في التوازن العسكري النظامي، بات واضحاً ان هناك حاجة لمقاربة جديدة أطلق عليها (الرئيس السوري حافظ) الأسد اسم استراتيجية «السيف والدرع»، (والسيف يعني حلفاء سوريا في لبنان، بما في ذلك الشيعة الأوفياء لسوريا وإيران)، بغية استخدامهم في حملة قتال غير متماثلة وحرب عصابات ضد إسرائيل وحلفائها في لبنان، في حين ان الدرع كانت تتطلّب دعماً من الاتحاد السوفياتي لتحقيق تكافؤ استراتيجي مع اسرائيل، وبناء قوة ردع طويلة الأمد. لكن استراتيجية «السيف والدرع» انهارت بفعل انهيار الاتحاد السوفياتي، مما دفع سوريا إلى توثيق علاقاتها وتعاونها مع إيران، وزادت دعمها لـ «حزب الله» وزادت اعتمادها على المنظمات الفلسطينية في لبنان، في وقت واصلت ايران بناء قدراتها الصاروخية، لتضع دمشق وطهران سوية أسس استراتيجيات غير متماثلة وغير نظامية، منحت سوريا الوسائل لانتهاك لا بل لتقويض أمن إسرائيل والمصالح الإستراتيجية في المنطقة. وما حرب تموز (يوليو) 2006، سوى مثال على ذلك، باعتبار ان الحزب لم يكن ليصبح قوة أساسية في لبنان لولا تهريب سوريا وإيران الأسلحة له».
ويلفت الى ان «حزب الله» أثبت انه ليس طرفاً بالوكالة لسوريا أو إيران، إلا إذا وجد ان التصرف على هذا النحو يصب في مصلحته، بمعنى أن دمشق وطهران والحزب استخدمت بعضها بعضاً، كل لمصالحه الخاصة».
تحفظات
ويضيف: «في حين كان لدى سوريا تحفظات في شأن غض الطرف عن العمليات الإيرانية والروابط مع مجموعات شيعية في البقاع، فإن هزائم سوريا على أيدي جيش الدفاع الإسرائيلي تركتها من دون بدائل، ما عدا السماح لإيران بالحصول على نفوذ أكبر. ومع الموافقة الضمنية لسوريا، حافظت إيران على وجود حوالي 1500 رجل من جنود الحرس الثوري الإيراني في سهل البقاع في العام 1982. وعملت هذه القوة بشكل وثيق مع مجموعات شيعية محلية، بما فيها مجموعة «أمل الإسلامية» التابعة لحسين الموسوي ومع «حزب الله»، الذي كان آنذاك بقيادة الشيخين عباس الموسوي وصبحي الطفيلي. وإضافة الى الدعم المعنوي والإيديولوجي، قدمت إيران الى «حزب الله» الدعم السياسي والإقتصادي والعسكري كوسيلة للحفاظ على موطىء قدم لها في الخاصرة الشمالية لإسرائيل وللحفاظ على دورها في السياسات الأمنية المشرقية. فترسانة «حزب الله» هي في جزء كبير منها النتاج الثانوي لأكثر من 25 عاماً من الدعم الثابت الذي لا ينضب للمجموعة. أما التشبيه الإقليمي الأقرب للمساعدات الأمنية الإيرانية لـ «حزب الله» فهو الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل: لم يتلق أي لاعبين آخرين في المنطقة ما ناله هذان من الدعم الثابت والمستمر على إمتداد فترة طويلة من الزمن. ومنذ ذلك الحين و«حزب الله» ينمو ويزداد قوة ليتطور ويصبح واحداً من أقوى القوى السياسية والعسكرية الهائلة في البلد. ورغم توجهه السياسي وحكاية الدعم الإيديولوجي، لم يكن هناك مجهود علني لتأسيس حكم ديني – ثيوقراطي في لبنان، بفضل واقع أن لدى المجتمع الشيعي اللبناني ما يكسبه بواسطة تحريك السياسات المذهبية بشكل منهجي أكثر مما يكسبه من محاولة إبعاد لبنان عن هيكلية السلطة الطائفية بشكل علني».
الانخراط
ويشير التقرير الى أن «قرار الحزب بمواصلة الحياة السياسية ضمن النظام السياسي الراهن في لبنان يحد من نفوذ إيران على المستوى اللبناني – المحلي. إذ على إيران الإعتماد بشكل متزايد على الحزب كوسيلة للتأثير على المنطقة. في هذه الأثناء، يعتبر «حزب الله» راهناً بديلاً لسوريا أو إيران بنسبة أقل بكثير عن السابق، وأكثر إستقلالية بكثير في لبنان وأكثر تجذراً بكثير في البيئة اللبنانية المحلية مما يتوقعه آخرون كثر أو يبدو أنهم يدركونه. هذا الأمر يعقد قدرة كل من إيران وسوريا على توزيع المجتمع الشيعي في جهودهما للتأثير في السياسات الأمنية الإقليمية».
ويرى ان «قدرة إيران على الإعتماد على الحزب كمصدر للتفاخر والدعم والمكانة الإقليمية مسألة غامضة واكثر ضبابية بشكل متزايد بسبب عوامل عدة. فالإنقسامات الفارسية – العربية والسنية – الشيعية ذات صلة متزايدة وحتمية في منطقة يهزها عدم الإستقرار. علاوة على ذلك، فإن هالة الشجاعة العسكرية التي اكتسبها حزب الله في حرب 2006، ورغم أنها لا تزال مهمة، فإنها لم تفعل الكثير لترسيخ نموذج دعم عربي سني على الأمد الطويل. ويقال أن إيران إستثمرت كثيراً جداً ورأت في المقابل الشيء العظيم من حزب الله، وان دعمها للحزب عرضة لأن يبقى في صلب المصلحة السياسية الخارجية الإيرانية لوقت طويل حيث أن جهوداً كهذه تعتبر مستدامة ومحتملة».
الترسانة
ويستعرض تقرير «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» ترسانة «حزب الله»، بما في ذلك «امتلاك الحزب أكبر نظام للصواريخ وهو «زلزال – 2» الذي يزن 3400 كلغ وفي إمكانه اطلاق رؤوس حربية وزنها 600 كيلوغرام وعلى مدى 200 كيلومتر. وهو نظام يفتقر الى أنظمة التوجيه الإلكتروني. ويأمل الحزب في توسيع ترسانته لتشمل أنظمة التوجيه تلك او صواريخ «فتح آيه – 110»، وهي من طراز «زلزال – 2»، لكنها مزودة بأنظمة توجيه. وهذه قد تشكل تهديداً للداخل الإسرائيلي».
ويتطرق الى «احتمال تهريب سوريا صواريخ بالستية من طراز «سكود بي» الروسية إلى الحزب في العام 2010، بينما تحدثت تقارير عن تهريب سوريا الى الحزب صواريخ من طراز «سكود دي» في تموز (يوليو) 2011». ويشير الى «تقارير تتحدث عن توسيع الحزب ترسانته عبر تزوده بأنظمة صواريخ بعيدة المدى مضادة للسفن، وان الحزب طوّر على نحو كبير ترسانته من الأنظمة الموجهة وغير الموجهة المضادة للمدرعات، حيث قيل ان طهران زوّدت الحزب بأنظمة «نادر» و«طوفان»، وهي نسخ إيرانية للـ «آر بي جي- 7» الروسية، كما تحدثت تقارير عن ان الحزب في صدد تسلّم أنظمة «توسان» و«رعد».
ويتحدث التقرير عما حكي عن امتلاك الحزب ترسانة من الأسلحة الدفاعية الجوية، فيعتبر انه «إضافة إلى تطوير الحزب صواريخ أرض – أرض، فإن امتلاكه – مستقبلاً – قدرات منظومة «اس آيه ام» المضادة للصواريخ، قد يشكل بُعداً آخر في التوازن غير المتماثل للقوى في المنطقة. ويقال إن الحزب في صدد امتلاك أنظمة «اس آيه – 14 غريملين» و«اس آيه 18 ايغلا»، في حين ذكرت مجلة «جاين» الدفاعية أن الحزب تلقى التدريب في سوريا على انظمة «اس آيه 8 جيكو»، من دون وجود أي أدلة على حصول الحزب على هذه الانظمة التي تشكل تهديداً للمروحيات الإسرائيلية».
طلال عساف