سمير تابت في تسعينه: «لم اشعر بالرضى يوماً عن اعمالي»
بعد اربعين سنة من الرسم وبالرغم من تحقيق نجاحات في لبنان والخارج، لم يشعر الفنان التشكيلي الدكتور سمير تابت ابداً بالرضى يوماً عن اعماله، هذا ما كشفه لـ «الاسبوع العربي» على هامش معرضه الاخير المستمر في غاليري اليس مغبغب الاشرفية – بيروت الى اخر تشرين الاول (اكتوبر) الحالي 2013، فهو «غير راض» الى درجة انه يقول: «ولو استطعت ان اغير الاعمال هذه قبل موعد الافتتاح بيومين لفعلت»!
الحقيقة انه كلام غير مستغرب ومفهوم جداً عند فنان يتوق دوماً الى الكمال الذي لا يمكن ان يبلغه انسان، ويجعلنا نفهم اكثر اسباب نجاح الفنان سمير تابت الذي لم يهتم قط لمسألة بيع لوحاته، والدليل الحسي الاخير ان معرضه الذي نحن في صدده والذي يصادف في عيده التسعين سيخصص ريعه بالتعاون مع الغاليري لجمعية بيت الطفل اللبناني ومركز رونيه وهبه للمسنين المرضى.
الرسم وحب الحياة
معرض سمير تابت الذي حمل عنوان «رسومات»، ضم لوحات بين طبيعة صامتة وبورتريهات وتأليفات تجريد انجزها الفنان بالالوان الزيتية او بالباستيل خلال السنتين المنصرمتين، يقول: «لم ازل اعمل بنشاط يومياً بين 5 و6 ساعات، الرسم يزيدني حباً بالحياة». ويتابع: «ولأنني لا احب الخروج كثيراً جعلت محترفي مجاوراً لغرفة نومي»، ويروي: «بدأت ارسم وانا في العاشرة من عمري الا ان اهلي اعترضوا على تخصصي في الرسم من البداية مما اضطرني الى التوجه صوب الكيمياء لكنني عدت وتفرغت باكراً للرسم بعد ان كنت نائب رئيس في الجامعة الاميركية».
من على قمة تسعينه يستعرض سمير تابت بداياته: «ولدت في مصر سنة 1923 انهيت دروسي عام 1948 جيولوجيا ودكتوراه في الكيمياء من جامعة لندن 1951-1952، عملت في مجال الكيمياء وعدت الى بيروت، 1952-1959. تعينت عميد كلية الفنون والعلوم وسنة 1970 نائب رئيس الجامعة الاميركية في بيروت»، لكن الفنان يستطرد هنا متسائلاً: «بماذا تهم الناس هذه التفاصيل؟ اعني ماذا تهم الناس الذين ينظرون الى لوحاتي»؟
المهم انني ارسم. ترددت فترة طويلة عند بييرو ديلا فرانشيسكا في محترفه وعند ليونارد دافنتشي وجوان فرمر مع تفضيلي دائماً اعمال ديدجيو فيلالسكيز وجان باتيست شاردان من هنا جاء اهتمامي بالبورتريه والطبيعة الصامتة خصوصاً ان استاذين من هذا النوع اثرا فيَّ هما بيترو انيغوني في فلورنسا وجان كلود جانيت في باريس، دخلت محترفيهما لأتعلم، لم يسهلوا مهمتي لكنهما في الوقت عينه احاطاني بالصداقة والعطف فتعلمت واكتسبت الكثير من قساوتهما وايضاً من موهبتهما وحرفيتهما ولم ازل الى اليوم رساماً يتعلم، لا انتمي الى اية مدرسة فنية اعرف ان رسوماتي ليست «ثوروية» ولا تحمل تجديداً جذرياً، ارسم لمتعتي الشخصية، اني ارسم بكل بساطة».
رسام كلاسيكي
واننا في الواقع حين نتأمل لوحاته نرى ان اطاراتها مشدودة، اعتمد فيها اللون الواحد (مونوكرومية) والاضاءة المباشرة والموضوع الممسرح.
ومما لا شك فيه انه مثال الرسام الكلاسيكي بامتياز لا بل يمكن القول انه «متزمت اكاديمياً» وهو الامر الذي كشفه لـ «الاسبوع العربي»، فالرسم بالنسبة اليه امر جدي لا يمكن الا تحترم فيه الاصول والتقاليد. يستاء لغياب المعايير الفنية الواضحة مما يساهم في تغيير مفاهيم الفن واضاعة وجهة غير المتمرسين، وهو لا يخفي ذوقه الكلاسيكي في كل شيء، في الموسيقى وغيرها، ويقول: «لا احب الرسم الحديث ولم اجد نفسي فيه».
بين اللوحات المعروضة نجد لوحة وضع عليها اخر لطشة لون وربط اليها فرشاة الرسم خاصته. اننا هنا في صدد نوع من حميمية محترفة تتناوب عليها المادة والروح بلا تعب في مشاهد من الحياة الصامتة، مشاهد الكتب مصفوفة ومرتبة واوعية ايفيت وفيها احتياجات المطبخ الى جانب بورتريهات هرتل وميشال شيحا وزلفا شمعون التي رسمها كموديل رسماً حياً في محترفه وكشف لنا انه اهدى هذا البورتريه لشقيقته وهي الصديقة المقربة للراحلة زلفا شمعون.
تأثير الغرب
نظرة متأنية الى لوحاته تظهر بوضوح انه يميل اكثر، ان لم نقل كلياً، الى الفن الغربي وخصوصاً الى اجواء عصر النهضة في ايطاليا وهو امر ثابت، وعلى اي حال فقد اقام الفنان فترة طويلة في لندن حيث درس وفي فرنسا حيث عمل في فلورنسا تحديداً.
اما تأثره ببييترو انيغوني فجلي، وانيغوني هو رسام بورتريه وجداريات ايطالي اكتسب شهرة واسعة بعد رسمه للملكة اليزابيت سنة 1956، تأثر بالنهضة الايطالية في فلورنسا حيث عرف انه بين عامي 1945 و1950 انجز سلسلة من الاعمال المهمة التي عرفت نجاحاً كبيراً، وسنة 1947 وقع معاهدة الرسامين التي جمعت 7 رسامين في مواجهة التجريد والحركات الفنية المختلفة التي جاءت الى ايطاليا خلال هذه السنوات.
وكذلك بدا تأثر تابت واضحاً بجان كلود جانيت، الرسام الفرنسي التصويري الذي انجز مئات البورتريهات من نوع العري والطبيعة الصامتة، كما نلاحظ تأثير شاردان الفرنسي من القرن الثامن عشر الذي يعتبر من اسياد الطبيعة الصامتة، لان سمير تابت مثله انجز تأليفات متوازنة وعمل على نشر الاضاءة عليها بنعومة وشاعرية، لكن له بصمته الخاصة التي يستدل عليها الناقد المتابع لاعماله دون حاجة للنظر الى التوقيع.
كوثر حنبوري