رئيسيسياسة عربية

الأمن يسترد «حماوته» في «الاستراحة» السياسية

تَقدّم الأمني على السياسي في المشهد اللبناني الذي تنقّل بين «الصندوق الأسود» لتفجيرات طرابلس والضاحية الجنوبية وما كُشف من شبكات قيل انها كانت تخطط لعمليات تفجير واغتيال، مما أعاد الى المناخ العام توجُسه من ان لبنان ما زال على «خط النار» الاقليمي رغم مؤشرات «اطفاء المحركات» التي أعقبت التفاهم الاميركي – الروسي حول الكيميائي السوري وملامح الحوار بين الولايات المتحدة وايران.

 من جرود عرسال (البقاع) الى طرابلس عاصمة الشمال، خط توتّر واحد شقّ طريقه الى الواقع السياسي، طرفاه انفجارا الضاحية الجنوبية، اي بئر العبد الذي وقع في 9 تموز (يوليو) وأدى الى جرح نحو 50 شخصاً والرويس الذي «ضرب» في  15 آب (اغسطس) الماضي وذهب ضحيته نحو 26 مدنياً وجُرح نحو 340 آخرين، والانفجار المزدوج الذي استهدف طرابلس في 23 آب (اغسطس) في «جمعة الدم» التي حصدت نحو 51 قتيلاً وألف جريح امام مسجديْ «التقوى» و«السلام» حيث انفجرت سيارتان مفخختان.
وقد اعتُبر كشْف شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي غالبية خيوط التفجير المزدوج الذي استهدف طرابلس إنجازاً أمنياً مرموقاً يوازي في أهميته ما حققته في آب (اغسطس) 2012 حين وجّهت «ضربة استباقية» لمخطط التفجيرات الفتنوية في شمال لبنان الذي يُحاكم فيه حالياً الوزير اللبناني السابق الموقوف ميشال سماحة و«الفاران من وجه العدالة» مدير مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك ومعاونه العقيد «عدنان» امام المحكمة العسكرية الدائمة.
وتم التعاطي مع إنجاز شعبة المعلومات بتوقيفها 3 من مجموعة السبعة التي يقودها الفار حيان حيدر الملقب بـ «رمضان» (خمسة من افرادها الرئيسيين من جبل محسن) على انه بمثابة «الضربة رقم 2» لمخطط سماحة – مملوك لاعتبارين:

تفجير وتحقيقات
الاول: ان العمل الارهابي في عاصمة الشمال اعتُبر «نسخة» من هذا المخطط الذي كان يقضي قبل إحباطه القيام بأعمال ارهابية عبر التفجير وتجهيز عبوات ناسفة ومتفجرات ونقلها من سوريا الى لبنان لوضعها في اماكن عامة واحتفالات في مناسبات رمضانية بهدف اغتيال نواب ورجال دين وسياسيين في عكار (شمال لبنان) كما جاء في القرار الاتهامي.
الثاني: ان خلاصات التحقيقات مع الموقوف في تفجيري طرابلس الشيخ احمد الغريب كانت أفضت الى الادعاء ايضاً على الضابط في الاستخبارات السورية في طرطوس النقيب محمد علي وعلى رسم شبهة حول دور مملوك في العملية، بعدما كشف الغريب ان التحضير لعملية طرابلس بدأ قبل نحو سبعة اشهر حيث حصلت اجتماعات عدة في دمشق وطرطوس مع النقيب محمد علي، وان الاجتماعات تخللتها مناقشة المسافة التي سيتم وضع السيارة المفخخة فيها امام مسجد «التقوى» في طرابلس، مشيراً الى انه بعد مراجعته رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الاسلامي الشيخ هاشم منقارة (مدعى عليه في القضية ومخلى سبيله) استمهله الاخير للعودة الى مملوك، وهو ما نفاه منقارة وقابله الغريب بالتمسك بروايته، معلناً انه بعد ذلك لم يعد له اي علاقة بالمخطط الذي عُهد الى أشخاص آخرين.
وتبعاً لذلك، لاحظت دوائر مراقبة ان جمْع «بازل» تفجيري طرابلس وكشف المعطيات التي توصلت اليها شعبة المعلومات في هذا الملف اكتسب رمزية مزدوجة في توقيته لاعتبارين:
الاول: ان هذا الامر جاء قبل ايام قليلة من موعد الذكرى الاولى لاغتيال «رأس» شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن في منطقة الاشرفية، وهي الجريمة التي تم ربْطها من المسؤولين الرسميين اللبنانيين وبينهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدور الحسن المحوري في كشف مخطط سماحة – مملوك، الامر الذي يمكن وصفه بانه بمثابة «هدية» لروح الحسن في السنوية الاولى لاغتياله، ورسالة بان هذا الجهاز الامني ما زال قادراً على تحقيق الانجازات رغم «محاربته» المستمرة من قوى 8 آذار التي تعتبر انه «الذراع الامنية» لفريق 14 آذار، وانه أمّن «الأرضية» (خريطة الاتصالات) لما خلص اليه القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الثاني: ان إماطة اللثام عما توصلت اليه التحقيقات لجهة توقيف الشخص الذي تولى ركن السيارة امام مسجد السلام (يوسف دياب) وكشْف هوية مَن اوقف السيارة امام مسجد التقوى (احمد مرعي) وتوقيف حسن جعفر (امّن نقل السيارتين من سوريا) وأنس حمزة وتحديد هويات اعضاء المجموعة الآخرين و«رأسها» المتواري حيدر حيان والادعاء عليهم جميعاً، جاء غداة انفجار الوضع الأمني في طرابلس التي شهدت بعيد توقيف دياب (هو من الحزب العربي الديموقراطي) في بعل محسن توتراً كبيراً فجّر مواجهات مع منطقة باب التبانة.

التجاذب السياسي
ولم يتأخر هذا الملف في ان يدخل على خط التجاذب السياسي، بعدما وجدت شعبة المعلومات نفسها مجدداً في «مرمى النار» السياسي، وسط تكرار قريبين من سوريا و«الحزب العربي الديموقراطي» الهجوم على هذا الجهاز من بوابة اتهامه بـ «الفبركة» والسعي الى الفتنة، وبانه «الذراع الأمني» لـ «تيار المستقبل»، في موازاة تأمين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي غطاء بارزاً للشعبة التي هنّأها «على الانجاز المهم وتوقيف أحد المتهمين في جريمة طرابلس»، مؤكداً «أن التحقيقات القضائية متواصلة في هذا الملف لكشف كل المتورطين فيه وملاحقتهم»، وهو الامر الذي اعتُبر بمثابة قطع الطريق على المناخ الذي  يسعى الى استكمال مساعي «تهشيمها» وتعطيل عملها.
وفيما سعى نواب طرابلس وفاعلياتها الى منع اي تفاعلات مذهبية وامنية لكشف منفذي تفجيري طرابلس اذ دعوا الى ضبط النفس و«عدم اللجوء الى كل ما من شأنه ان يهدد السلم الاهلي»، و«الاسراع في القبض على كل المشتبه بهم»، مع المطالبة بحل الحزب العربي الديموقراطي «كون هذا الحزب يشوه صورة أهلنا المسالمين في بعل محسن»، استمرت المخاوف من احتمال ان تستعيد طرابلس اجواء التوتر في اي لحظة.
على ان كلاماً أطلقه الامين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد حمل اشارات مزدوجة الى التصعيد والتهدئة، اذ شن هجوماً حاداً على «فرع المعلومات» متهماً اياه بالتسبب بالفتنة الحاصلة في طرابلس.
واذ اعلن «ان كل الاشخاص المتداولة اسماؤهم بريئون حتى تثبت التهمة»، اكد انه «لا يوجد بين المتهمين اي منتسب الى الحزب العربي لكن قد يكون بينهم من يناصر الحزب». وقال: «نقبل بما يصدر عن القضاء لسحب الذريعة لكن في موضوع جبل محسن ثمة حساسية كبيرة جداً واذا اردتم التصعيد بالاعلام او بالشارع فسنصعّد بالاعلام والشارع ولن نقبل بأن يؤكل لحمنا زوراً وبهتاناً».
ورأى انه اذا ثبتت التهمة على الموقوف يوسف دياب فليحلّ وزير الداخلية الحزب العربي الديموقراطي. اما «اذا ثبتت براءة يوسف دياب فنحن نطالب بحلّ فرع المعلومات، لانه يكون قد ادخلنا بفتنة ولنا تجارب مع الفرع بهذا الموضوع سابقاً خلال معارك طرابلس».
وكانت تقارير كشفت عن ان التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات في قضية تفجيري طرابلس اعتمدت تقنيات متقدمة جداً، وأثبتت بما لا يقبل الشك منذ توقيف الشيخ أحمد الغريب قبل نحو شهرين وقوف المخابرات السورية وراء هذين التفجيرين.

اعترافات دياب
ونُقل عن مصدر امني ان الموقوف دياب اعترف بعد عشر دقائق من وصوله بكل تفاصيل جريمته، وروى كيف ركن السيارة امام مسجد السلام وكيف فجرها، وخصوصاً بعدما فوجىء بالمعطيات التي كانت في حوزة المحققين ووضعت أمامه (صور)، كما أقرّ بان أحمد مرعي رَكن السيارة أمام مسجد «التقوى»، وأنهما ينتميان الى شبكة يرأسها حيان حيدر وتضم شخصين آخرين، وكلهم من جبل محسن.
وبحسب التقارير قامت شعبة المعلومات بتحليل مضامين 350 شريط فيديو لكاميرات مراقبة، ومن بينها تلك التي يضعها جهاز الحراسة الخاص بمنزل اللواء أشرف ريفي قبالة مسجد «السلام»، حيث ظهر وجود الموقوف دياب في المكان، إضافة الى شخصين كانا يستقلان دراجة نارية حاولا توقيفها أمام منزل ريفي ومنعتهما عناصر الأمن، ثم انتظرا دياب أمام مقهى «برانش» الذي يبعد 50 متراً عن المسجد ونقلاه بعد ركن السيارة.
وتضيف المعلومات المسربة أن هذه الشبكة حصلت على السيارتين المفخختين من سوريا بتسهيل من أنس حمزة وحسن جعفر الذي امّن انتقالهما الى القبيات في الشمال عبر منطقة القصر الحدودية في الهرمل ثم الى جبل محسن حيث تم ركنهما من 21 الى 23 آب (اغسطس) في جوار منزل حيان رمضان من دون أيّ تدابير استثنائية من شأنها أن تثير أيّ شبهات.

ضلوع النظام السوري
وفي ما يتعلق بموضوع ضلوع النظام السوري في هذين التفجيرين، نُقل عن مصادر امنية ان «الامر محسوم لدينا، وعندنا ما يكفي من المعطيات والادلة الحسية والملموسة والاعترافات منذ ان اوقفنا الشيخ الغريب الذي تبين انه ضالع في التخطيط مع ضباط من المخابرات السورية، وعرض معهم الخرائط اللازمة، ولم يتبين انه هو من نفذ، ولدينا نسخ عن كل شيء في هذا الاطار».
وفي جرود عرسال لجهة سوريا، وتحديداً في منطقة نعمات الواقعة بين الجرود ومنطقة القصير على مقربة من جوسيه، برزت المعلومات عن «اغتيال» عمر الاطرش (ومعه سامي حسن الحجيري) الذي سبق ان اتّهمه «حزب الله» عبر وسائل اعلامه بالوقوف وراء تفجيري الضاحية والذي أورد وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال فايز غصن اسمه قبل نحو شهرين على انه رأس مجموعة أعدّت سيارات مفخخة لتفجيرها في الضاحية وفجرت عبوة بدورية عسكرية للجيش اللبناني وقتلت عسكريين على حاجز في البقاع وخطفت وقتلت شباناً شيعة في جرود عرسال، وكان من عداد هذه المجموعة (بحسب غصن) المدعو سامح البريدي الذي نجا من العملية التي استهدفت الاطرش.
وفيما شيّعت عرسال الأطرش والحجيري وسط حال غضب كبير واحتقان عالٍ وتلويح بردات فعل اذا ثبت ضلوع «حزب الله» في عملية «تصفية» عمر الذي لم يصدر اي ادعاء عن القضاء العسكري عليه في ملف تفجيرات الضاحية، برزت تقارير شككت في حقيقة مقتل الأطرش الذي رفض ذووه ان تعاين جثته الاجهزة الامنية بحجة انه تحوّل أشلاء نتيجة اصابة السيارة التي كان يستقلها بصاروخ موجّه أُطلق من موقع لـ «الفرقة الرابعة» في الجيش السوري، فيما غمزت وسائل اعلام قريبة من 8 آذار من قناة امكان ارتباط العملية بخلافات بين الأطرش ومجموعات مسلحة أخرى وبين فاعليات في بلدية عرسال بشأن عمليات تهريب سلاح.

عملية عسكرية
في المقابل قفزت مخاوف في عرسال، من ان يكون «شطب» الأطرش له علاقة بما يتمّ الإعداد له من عملية عسكرية ذات اهمية استراتيجية للنظام السوري و«حزب الله» على مثلث جرود عرسال – القلمون – الزبداني، نظراً الى الدور الذي كان يلعبه مَن باتوا (اهالي عرسال) يصفونه بـ «الشهيد» في رفد الثوار بالسلاح والعناصر.
ولم تُخف مصادر في عرسال الخشية من ان يكون قتل الاطرش تم تحت غطاء مدروس هو الترويج لعلاقته بتفجيريْ الضاحية وذلك في اطار «حرب نفسية» استباقية لقطع الطريق على اي عملية ادانة لما تعرّض له، مذكّرة بان عرسال سبق ان تعرّضت لأكثر من محاولة «تأديب» على موقفها الداعم للثورة السورية ولمحاولات جرّها الى صِدام ذي طابع مذهبي.

ف. ا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق