أبرز الأخباررئيسيملف

… وما زالت اراضي لبنان تسحب تباعاً من تحت بساط المسيحيين!

ثمة من يقول ان الكلام عن عمليات بيع الأراضي في لبنان تخطت الأمتار المباعة. ومنهم من يؤكد انها خطة مبرمجة لتيئيس المسيحيين وايصالهم الى مرحلة بيع الأرض لغير أبناء الطائفة تمهيداً للوصول إلى خطة التغيير الديمغرافي الموضوعة على طاولة الكبار. لكن غاب عن أذهان البعض أن المشكلة تكمن اساساً في ذهنية اللبناني – التاجر، ولا شيء سيتغير الا اذا صدرت قوانين تمنع أو تقونن عمليات بيع الأراضي. الا أن مشاريع القوانين موجودة في أدراج مجلس النواب وتستحق التوقف عندها وتشريعها. فمن يعرقل صدورها؟ وأي دور تلعبه الأحزاب المسيحية في ملف بيع الأراضي؟ وهل تتوصل الكنيسة وتحديداً سيد بكركي الى القاء الحرم على كل من يجرؤ على بيع أرض أجداده؟ تجربة شاهين نادر في القبيات كانت أكثر من درس. لكن من يتعظ بها؟

من بين كل الملفات الحياتية والأمنية والسياسية الشائكة في لبنان والمنطقة ، ملف واحد يبقى في أولوية من يدرك خطورته على المدى البعيد، إنه ملف بيع الأراضي وتحديداً المسيحية منها. الأرقام الإحصائية الموثقة لدى «حركة الأرض» التي يرأسها عضو الرابطة المارونية طلال الدويهي مخيفة: 36 مليوناً و558 ألف متر مربع بيعت منذ بداية العام 2007 وحتى بداية سنة 2013. أرقام تنفّر. تنقّز. والعمل؟ هل يكفي أن نطرح الصوت عالياً ؟هل يكون الكلام عبر وسائل الإعلام حافزاً لتشريع القوانين الموجودة في أدراج مجلس النواب؟ هل نقول للمتمول الكبير الذي يبيع أرضه عبر سماسرة أن يضع حداً لطمعه؟ لكن ماذا عن نسبة الفقراء ومتوسطي الحال الذين يعرضون حلالهم وارزاقهم للبيع بهدف تأمين أقساط أولادهم الجامعية؟ ولماذا لا يلقون الآذان الصاغية عندما يطرقون أبواب الكنيسة بحثاً عن متمول مسيحي لشراء الأرض؟ ولماذا نلومهم عندما يبيعونها بعد مرحلة من الكرّ والفرّ والتيئيس، لمتمول عربي أو لبناني من غير الطائفة المسيحية؟ هل نصدق إنها خطة مدبرة لتهجير المسيحيين وهم بكامل إرادتهم وقواهم العقلية؟ ربما. لكن المساهم الأكبر فيها هم المسيحيون انفسهم. فأي دور تلعبه الكنيسة والأحزاب لاحتضان ما تبقى من مساحات الأرض المستباحة في لبنان؟

  صمود رغم المغريات
خلافاً للاعتقاد الشائع بأن الكنائس اللبنانية وتحديداً المارونية غافلة عما يحاك ضد لبنان من مؤمرات، فالكنيسة واعية ومتيقظة لهذه الظاهرة الخطيرة. فملف الأراضي والتشبث بالأرض هو الملف الرئيسي الذي يحمله البطريرك بشاره بطرس الراعي في رحلاته الرعوية إلى دول الإنتشار، ويدعو المغتربين إلى الإتعاظ بالأجداد الذين حولوا تراب الأرض إلى كنوز في الأرض والسماء. بدوره يمسك رئيس «المركز الماروني للتوثيق والابحاث» المطران كميل زيدان بملف بيع الأراضي، ويؤكد ان الامور ليست متروكة على غاربها. فكل من يبيع ارضه سواء في اقصى عكار أو في اقصى الجنوب ووسط بيروت وكل الانحاء هو معروف لدى الكنيسة. وكل السماسرة توثق اسماؤهم للتاريخ. وما يعزي في كلام المطران زيدان ان ثمة انخفاضاً كبيراً في عمليات البيع على رغم المغريات وجماعات السماسرة الذين يبحثون باستمرار عن المزيد من الاراضي لبيعها.

 من يشتري الارض؟
في التوصية رقم 6 من
«السينودس من اجل الشرق الاوسط» فقرة تتناول اهمية الدفاع عن الارض والحفاظ عليها، واعادة شراء ما بيع منها. لكن من يشتري الأرض؟ السؤال ما عاد حزورة. فالشاري هو إما لبناني من الطائفة الشيعية أو السنية. لكن الثابت أن غالبية المبيعات تتم من خلال التحايل على القانون، ليتبين لاحقاً بأن اللبناني ليس إلا غطاء لصفقة تجارية تعود الى متمول عربي أو لأحد المقربين من حزب الله لأهداف تتعلق بتغيير ديمغرافية البلد.
لكن كان يمكن تفادي الجزء الأخطر من الأمور لو لم يتم تعديل قانون ملكية الاجانب  في العام 2001 عبر السماح بتملك الاجانب اكثر من 3 في المئة من الاراضي اللبنانية وتخطي بنود القانون الأساس الصادر في العام 1969. هذا عدا عن محاولات التلاعب ببيانات انتقال الملكية خصوصاً الى غير اللبنانيين، من اجل التغطية على ما كان يجري من محاولات نقل ملكية الى غير اللبنانيين واغفال تطبيق المادة السابعة من القانون التي تطلب نشر بيانات في صورة دورية. واللافت أن القوانين الناظمة لهذا الامر في سوريا والامارات وقطر لا تسمح بتملك اللبنانيين وكان يمكن لحظ هذا الموضوع في التعديل بحيث يسمح للأجنبي بالإستثمار دون التملك.

 


عاليه الاكثر بيعاً
نعود الى لبنان، فإحصاءات الكنيسة تشير الى أن قضاء عاليه يحتل صدارة الاراضي المباعة من الاجانب، ويليه المتن وبعلبك وغيرهما من الاقضية. وتضيف المعلومات الكنسية بأن نسبة المبيعات انخفضت بعد العام 2007 من 2،557،000 متر مربع الى 700 الف متر مربع بسبب تصاعد وتيرة الاحتجاجات والتحركات المناهضة لهذا الامر في جميع المناطق، وخصوصاً تلك غير الممسوحة عقارياً، وتبلغ مساحتها 51،25 في المئة من مساحة لبنان. وهنا يأتي دور السماسرة في التحايل على القانون وبيع مساحات هائلة عن طريق اوراق نقل ملكية يتم اعدادها لدى المخاتير حيث تؤدي الرشوة والمال دوراً كبيراً في خسارة الارض وانتقالها الى جنسيات عربية مختلفة.
رئيس حركة «الأرض» طلال الدويهي اعتبر أن التحركات أثمرت تخفيض نسبة البيوعات. لكن المطلوب حل جذري وهو يكمن في إنشاء شركة عقارية مسيحية برعاية ومساهمة بكركي لشراء الأراضي وإعادة شراء المباع منها لغير المسيحيين. وعن دور الأحزاب من ملف بيع الأراضي أكد ان الجولات التي قامت بها «حركة الأرض» على قيادات الأحزاب تؤكد اهتمامهم ودعمهم، لكن واقعياً على الأرض لا شيء واضحاً باستثناء مشاريع القوانين التي قدمها كل من النائب العماد ميشال عون عن تملك الأجانب، والنائب سامي الجميل لجهة قانون تملك الأجانب ومعاملتهم بالمثل بحيث يمنع عليهم التملك ويسمح لهم بالإستثمار فقط. أما القوات اللبنانية فقدمت بشخص نائبها جوزف المعلوف مشروعاً وكذلك برز مشروع النائب بطرس ح
رب عن المستقلين.


خطة لتغيير ديمغرافية لبنان
إذاً هي سلة مشاريع قوانين
لكن لم يقر منها شيء والسبب؟
المسألة واضحة يقول النائب في كتلة
التغيير والإصلاح نعمة الله أبي نصر: «هناك خطة لتغيير وجه لبنان الديمغرافي وهذا واضح من خلال تجميد مشاريع القوانين الأربعة الموضوعة في مجلس النواب والتي تنظم عملية بيع الأراضي. ويضيف، الإرشاد الرسولي والسينودوس من أجل لبنان الذي أطلقه البابا الراحل الطوباوي يوحنا بولس الثاني، والسينودس من أجل الشرق الأوسط الذي انطلق مع البابا بنديكتوس السادس عشر، يصران على تلك المبادىء وعدم اعتبارها مجرد شعارات ومدونات على الورق، مع تحويل تلك القيم إلى طريقة حياة معاشة. فالتجذر لا يعني بيع الأرض. ونحن المسيحيين نبيع أرضنا. والانفتاح على الآخر لا يعني الارتهان لإرادة الخارج، سواء كنا من مؤيدي فريق 8 أو 14 آذار». ويسأل ابي نصر: «هل يمكن للدولة أن تفرض قانون منع التدخين في الأماكن العامة ولا تقر قانون تنظيم بيع الأراضي في لبنان؟! قد تكون هناك خروقات في قانون منع التدخين لكنه أقر. وغداً سيقرون قانون منح الجنسية للأولاد علماً أنه سيخلق خللاً في التوازن الطائفي بحسب الوثائق الموجودة في وزارة الداخلية».
في أدراج مجلس النواب اليوم مشروع قانون طرحه النائب سمير الجسر وعدد من النواب ويتضمن في أحد بنوده مسألة الأخذ في رأي رئيس البلدية عند وجود نية لشراء قطعة أرض في البلدات والقرى اللبنانية. «لكن من يضمن نظ
افة كف رؤساء البلديات؟ فالغالبية من فئة السماسرة». ويضيف أبي نصر، إذا سلمنا بنص القانون الذي ينص على أحقية بيع أراض بنسبة 15 في المئة من مساحة القرى فهذا يعني استباحة ثلثي المساحة المبنية». وتمنى أن يكون هناك مطلب مسيحي جماعي يصدر عن بكركي ويتوافق عليه النواب المسيحيون، أو تطبيق السياسة المعتمدة في الجبل والتي تمنع مطلق أي لبناني من الطائفة الدرزية من بيع أرضه. هل نفهم من ذلك ان أمثولة بلدة القبيات التي طردت إبنها شاهين نادر وأحرقت الدواليب امام منزله ستتحول إلى عبرة؟» قد تكون كذلك يختم أبي نصر، «شرط أن يثمّن أصحاب الأرض قيمة هذا الكنز الذي ورثوه عن أجدادهم».

  خطة «القوات»
حتى الساعة لم يتبلور شيء لا على مستوى الأحزاب ولا بكركي.  والأراضي تسحب تباعاً من تحت بساط المسيحيين. أما الحل فيتوقف على تأسيس شركة عقارية برعاية ومساهمة بكركي لأن الوسيلة الوحيدة لمواجهة عمليات بيع الأراضي هي المال على ما ينقل طلال الدويهي عن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بعد الإجتماع الأخير الذي جمع الطرفين في إطار الجولة التي تقوم بها الحركة على الأحزاب. وهذا يفترض الإسراع في تأسيس الشركة العقارية «لكن المسألة تتطلب رأسمالاً بقيمة مليار دولار».
مبلغ خيالي ويصعب تأمينه في المرحلة الحاضرة لكنه لا يوازي ربع قيمة الأراضي المباعة. والثابت أن هناك متابعة حثيثة من قبل حزب القوات اللبنانية لملف بيع الأراضي. وما حصل في منطقة القبيات أثبت دور الأحزاب الفاعل في لجم هذه الظاهرة ولو مناطقياً في المرحلة الأولى. وهنا تبرز ضرورة اقرار مشاريع القوانين ومنها القانون الذي قدمه عضو كتلة القوات اللبنانية النائب جوزف المعلوف والذي يرمي الى تقييد عملية بيع العقارات التي تتجاوز مساحتها حدّاً معيّناً.
ومن أبرز النقاط الواردة في مشروع قانون النائب المعلوف: «تخضع لأحكام هذا القانون عقود البيع التي تجري على العقارات غير المبنيّة سواء كانت هذه العقارات ممسوحة أم غير ممسوحة، ويُستثنى من الخضوع لأحكام المادة الأولى أعلاه عمليات البيع والشراء التي تقوم بها الدولة أو البلديات أو تلك التي تجري بين الزوج والزوجة أو بين الأصول والفروع لغاية الدرجة السادسة. ويتوجّب على صاحب الملك في العقار المُراد بيعه إبلاغ المجلس البلدي حيث يقع العقار بعملية البيع والثمن، وإمهاله مدة محددة لممارسة حقه باستملاك العقار لصالح المنفعة العامة مقابل بدل عادل، أو شراء العقار المراد بيعه عبر ممارسة حق الشفعة أو تأمين مشتر للعقار من أبناء البلدة الذين يملكون عقارات مجاورة للعقار المراد بيعه، وبالشروط والسعر المعروضين. وإلا يكون لزاماً على المجلس البلدي الموافقة على عملية البيع، ويعدّ سكوته بعد انقضاء المهلة بمثابة قبول بالبيع. في المقابل، يرمي القانون إلى الحد من الفوضى العمرانية في القرى وتقييد عملية المتاجرة بالأراضي، من دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمالكين أو إلى الحدّ من حرياتهم كما يمنح في هذا الإطار، المجالس البلدية المنتخبة صلاحيات إضافية انطلاقاً من مبدأ اللامركزية والإنماء المتوازن. ومن أولى هذه الصلاحيات، ممارسة حق الشفعة على بعض العقارات ضمن النطاق البلدي، وذلك عبر إعطاء المجلس البلدي الحق في شراء العقارات الواقعة ضمن نطاقه عبر ممارسة حق الشفعة هذا، سواء لصالح البلدية أو لصالح تنفيذ سياستها العامة للاستثمار والتخطيط.

الفقراء لا يبيعون
في دراسة اجريت تحت عنوان «فرص التنمية في الاقضية الحدودية» شملت القرى والبلدات المسيحية في الاقضية الحدودية، بهدف تحديد عمليات البيع وسبل انماء تلك القرى، تبين ان التهجير يؤدي الى بيع الارض، وانحسار الوجود المسيحي سيؤدي الى سقوط العيش المشترك حكماً. واظهرت الدراسة مبادرة قسم من المسيحيين الى شراء الاراضي من اخوانهم لمنع بيعها الى الطوائف الاخرى والذين يدفعون مبالغ طائلة وغير منطقية لشراء اراضي المسيحيين، مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب، ومسؤولية عقلاء الطوائف الاخرى في التصدي لهذا الامر ومنعه، حفاظاً على الوحدة الوطنية.
وخلصت الدراسة الى ان الفقراء والمزارعين والفلاحين المسيحيين لا يبيعون ارا
ضيهم ويتشبثون بها إنطلاقاً من حس المسؤولية الوطنية والإجتماعية. في حين كبار المتمولين يقدمون على بيع أراضيهم طمعاً بالمال. هذه النظرية يؤكد عليها عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب سيرج داغر الذي اعتبر ان مسؤولية بيع الأراضي يتحملها ثلاثة أطراف: الكنيسة والأحزاب المسيحية وكل مكونات الدولة بما فيها الطوائف الأخرى. واعتبر أن دور الكنيسة فاعل وأساسي «شرط أن يكون هناك تنسيق بين الأطراف، لافتاً إلى وجود حل يتمثل في إنشاء «لوبي» قد يكون ممثلاً بصندوق مشترك لمجموعة متمولين ويصار إلى دراسة كل ملف لبيع الأراضي… فإذا تبين أن صاحب الطلب بحاجة إلى المال، والسعر المطروح منطقي وعادل، تتم صفقة البيع التي تخضع بمجملها لإشراف بكركي».


  القبيات النموذج
يبقى الطرح الأهم الذي تقدم به حزب الكتائب وهو اللامركزية الموسعة الذي يسمح في انتخاب مجالس محلية تملك جميع الصلاحيات لإدارة مجموعة الأراضي في منطقة معينة ووضع قوانين تنظم عمليات بيع وشراء الأراضي. وإذا سلمنا بآخر الوسائل التي اعتمدت في منطقة القبيات لضبط عمليات بيع الأراضي وطرد كل من يجرؤ على بيع شبر منها، إلا أن الحلول تكمن أولاً في إنشاء صندوق دعم من كبار المتمولين المسيحيين أو شركة عقارية تعمل تحت إشراف بكركي وتشريع أحد القوانين التي تنظم عمليات بيع الأراضي.
انتهى الكلام في هذا الملف؟ نشك. فمع كتابة السطر الأخير حتماً هناك عقد بيع ينظم في إحدى القرى النائية أو داخل إحد القصور.
متى ينتهي الكلام؟ عندما يقتنع من يمسك بالقلم للتوقيع على عقد البيع أن الارض ليست سلعة تجارية نتصرف بها على هوانا، بل هي البيت والوطن والحرمات… في اختصار هي اساس الوجود.

جومانا نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق