وجوه ممزقة تصرخ في وجه الثورات والسياسيين في بيروت
من قمة جو عدم الارتياح الذي يعيشه العالم العربي المهتز تحت وطأة الانتفاضات والثورات، الاحداث العاتية والخضات، التي تسببت ولم تزل بالخوف والغضب والقرف والاثارة، والتي ارقت الناس كما الفنانين وطاردت مخيلتهم – يأتي معرض الفنانين احمد قليج وساندرا عيسى في غاليري جنين ربيز الروشة – بيروت تحت عنوان «الوجوه الممزقة» في شهر ايلول (سبتمبر).
معرض مهم عبر خلاله كل من الفنانين على طريقته الخاصة عن واقع شاهده او اختبره من الحراك العربي: فركز احمد قليج على الناس الذين دفعوا ثمن الصراع بأرواحهم واوجاعهم وآلامهم وبيوتهم رجالاً ونساء واطفالاً غير واعين للمفاوضات ولا للمواضيع السياسية المحيطة بهذه الخلافات والمشاكل التي وقعوا هم ضحيتها.
صرخة بالالوان
يقدم قليج بورتريهات اولئك الذين لم يسألوا عن شيء. انهم المنسيون في هذه الصراعات او الوجوه التي بلا اسماء والتي نشاهدها على شاشات التلفزيون. عمل قليج في المعرض يمثل صرخة مدوية في وجه اللاعدالة والظلم والاضطهاد.
اما ساندرا عيسى فاشتغلت من جهتها على الاخبار حيث نقلت معلومات وسائل الاعلام وخصصت صوراً معينة من الصحف تعبر عما تريده، واعادت بناء القصة من خلال رؤيتها، فأضاءت على الانسان ومكانته في العالم.
الحقيقة انه من نظرة اولى على المعرض نلاحظ ان الفنان السوري احمد قليج نقل مشاهد الحزن والقهر والدمار والتشرد، وعبّر عن ضياع الاحلام والمستقبل، اي عن واقع الحال المأساوي، من خلال مشاهد الجرحى والمتاريس والهجرة القسرية ونظرات الناس الضائعة الشاخصة في الفراغ. اما الفنانة اللبنانية ساندرا عيسى فتولت نشر اجواء الثورة والرفض، وعبرت عن الانفجار في وجه كل شيء، الانفجار الذي كاد يخرج من اللوحات، فجاءت لوحاتها بلا اطارات، محروقة الاطراف مشظاة، «عل صوت الانسان العادي يصل بهذه الطريقة، لانه لم يعد بامكانه ان يحتمل اكثر، اذ بتنا كأننا ننهي انفسنا بيدنا» – قالت لـ «الاسبوع العربي» واوضحت انها جعلت الصحف مثل جلد الانسان تحمل افكارنا ومعتقداتنا وتاريخنا «اردت ان اوصل صوت الانسان العادي ليعلو ويطغى على الصحف والسياسيين».
ضجيج العالم
وبالنسبة الى قماش لوحاتها اخبرت ان مصدره الملابس القديمة واثاث المنزل والاغراض التي نستخدمها في حياتنا اليومية: بالنسبة الى ساندرا عيسى فان الصحف تجسد ضجيج العالم واصوات السياسيين والناس المؤثرين الذين يصنعون الاخبار. الصحف هي اكثر وسائل الاعلام الملموسة، تحمل لنا كل يوم كمية من القصص نقرأها ونسمعها، تحمل في طياتها التاريخ الذي يجب ان نتعلمه ونعرفه، او بالاحرى التاريخ الذي يريدوننا ان نتذكره.
وباجتماعها معاً اي الصحف والقماش (الصحف ملصقة على القماش) شكلت الغشاء الذي ارادته الفنانة، غشاء العالم. وعلى هذا الغشاء المقسم على غرار هذا العالم الذي يتلف نفسه بنفسه رسمت صورها، بعد ان جمعتها من الصحف. وتقول ان هذه الصور متأتية من انفجار المعلومات التي تعرضها وسائل الاعلام كل يوم، والتي اصبحت جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة ساندرا عيسى فهي تشبه الشظايا التي اعادت ترتيبها بعد ان افرغتها من محتواها واعادت ترجمتها، لترفع مواضيع انسانية اساسية وراء القصص الواقعية التي استخرجت منها بالاساس.
وكشفت لنا الفنانة على هامش المعرض انها منذ حرب تموز (يوليو) بدأ اهتمامها بتأثير الاحداث السياسية على الناس وعكسته في مشروعاتها الفنية وان هذه السلسلة من الاعمال المجتمعة في هذا المعرض والتي تطلب تحضيرها تسعة اشهر، يمكن القول انها انعكاس للاوقات التي عشناها: وضعتها في الفضاء (المساحة) بشكل يرجع معنى الانفجار الذي وقع في حينه وبهدف توليد تأثيره ذاته في الذهن عند وقوعه.
اذاً فان هذه الاعمال المتناثرة في كل الاتجاهات من شأنها ان تخلق مناخاً معيناً بامكانه ان يعكس اجزاء من تاريخنا المعاصر، خصوصاً انها تشهد على حقبة اثار مجتمع ينظر اليه من زاوية شخصية، وتم تجسيدها من خلال بورتريهات رجال ونساء لا يمكن ان نعرف اسماءهم ابداً.
ونرى انها في لوحاتها تناولت حقوق المرأة في مصر وسوريا وخلصت الى ان الانسان المظلوم والمقهور في اي مكان من العالم يؤثر بي.
ساندرا عيسى مواليد 1984 في لبنان تخصصت في مجال الفنون البصرية في لبنان وفرنسا، يدخل في عملها الرسم والتلوين والتجهيز الذي تضمنه تعليقاتها على المواضيع السياسية والاجتماعية. منذ العام 2005 قدمت رسماً حياً مباشراً في ساحات مختلفة واحداثاً. وهي تعمل للعديد من الفنانين والغاليريهات الفنية في فرنسا ولبنان. ومنذ العام 2012 تنظم وتشارك في معارض جماعية عدة في لبنان.
انحياز الفنان
اما احمد قليج فيصف انه «ربما كنت بحاجة الى اكثر من لوحة واكثر من محاولة وانا ارصد هذا القلق وهذا الدمار الذي يحوط بي. مشاهد تجتاحك كل يوم وكل ساعة وانت تترقب القادم بما يحمله من ضياع وحدها اللوحة كانت الخلاص والملاذ، وحدها كانت الذاكرة المعاشة كل يوم». ويقول: «كنت منذ لوحتي الاولى منحازاً الى هذا الانسان البسيط والمقهور، محاولاً تجسيد قلقه وخوفه، احلامه وحزنه». على اي حال فان الوان الفنان احمد قليج كانت الصرخة التي اطلقها في هذا المعرض في وجه هذا القهر وهذا الظلم، منذ الام سبارتكوس مروراً ببكاءالامهات في حلبجة الى اخر طفل يسقط على احد الارصفة مضرجاً بدمه.
قليج عبر بالوان تدل بمعظمها على العنف، وان من خلال رمزية ايحائية في بعض اللوحات، وميل اكبر الى الواقعية التعبيرية في القسم الاكبر منها، بل ذهبت صوب القتامة: الاسود والرمادي، لكنها لم تخل قطعاً من بعض الاضاءات التي لم يقصد بها الامل بل اضافها لضرورات توازن العمل ليس الا.
ومن الواضح هنا ان ألوانه القاتمة في هذا المعرض تعكس حزنه الداخلي العميق الذي خيم على المعرض ككل ولفه الاحساس.
من هو؟
احمد قليج مولود سنة 1964 في سوريا. حاصل على ديبلوم في الفنون التشكيلية من مركز فتحي محمد في حلب، بالاضافة الى شهادته في الكيمياء. يقيم ويعمل في لبنان منذ 18 سنة. له معارض فردية عديدة ومشاركات في معارض جماعية.
عن البداية يخبر: «في الرابعة او الخامسة من عمري بدأت ارسم واكتشف سر الالوان. كانوا ينادونني «بيكاسو» الصغير او «ميرو». المفارقة انني لم اكن سعيداً بذلك لانني ما كنت اعرف ماذا يقصد هؤلاء الناس بهذا القول، ولم اكن اعرف شيئاً عن الفنانين الكبيرين. في عمر 11 سنة ربحت الجائزة عن رسمي لقريتي، ومن هنا كانت الانطلاقة. وتجدر الاشارة الى انني لم ارسم يوماً بهدف العرض، بل كنت ارسم لانني احتاج الى ذلك، ولانني احب الرسم ويشعرني بنوع من الرضى الذاتي».
كوثر حنبوري