نصيحة من هولاند علقت لقاء اوباما – روحاني
سوريا ، ايران، روسيا، الولايات المتحدة. الفاظ تكررت كثيراً في اروقة وعلى منصة الامم المتحدة خلال الايام القليلة الفائتة، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة التي شارك فيها اكثر من مائتي زعيم عالمي. ودون اغفال ملفات اخرى من بينها ملف عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، والتغير المناخي ومكافحة الارهاب، حظيت قضايا «النووي الايراني» و«الكيميائي السوري» بأهمية قصوى في مناقشات القادة وكلماتهم، وفي كواليس الاجتماع الدوري الذي جرى استغلاله من قبل البعض للترويج لقضايا قطرية، وضمن ما يمكن ان يكون «استعراضاً للعضلات».
نتيجة المناقشات كانت واضحة تماماً، وتمثلت بحالة من الاحباط من مجريات الربيع العربي، وجهود مبعثرة في مجال محاربة الارهاب، وتراجع في سلم الاولويات لبعض القضايا ومنها عملية السلام.
وفي مسار مواز، نوع من الرضا عن وصول الرئيس الايراني حسن روحاني الى السلطة، وتفاؤل بأن وجوده في سدة الحكم يمكن ان يشكل حالة انفراجية في جدار الازمة النووية، وكذلك الملف السوري.
المجهود الدولي تركز على محاولات دفع ايران وروسيا الى التخلي عن دعم نظام الرئيس بشار الاسد. وجرى التركيز على ضرورة صدور قرار دولي حازم وحاسم بهذا الخصوص، ما يعني صعوبات تواجه تطبيق الاتفاق الروسي – الاميركي. ومعلومات عن حدوث ازمة في اروقة الاجتماع في هذا الصدد. من ابرز النقاط التي اعتبرتها وسائل اعلام حالة مضيئة، اللقاء الذي جرى بين الرئيسين الفرنسي والايراني، والذي تخللته مصافحة تاريخية ومناقشات سريعة لبعض القضايا، خصوصاً ملفي سوريا و«النووي». فالمعلومات تؤكد ان هولاند وجه رسالة حاسمة الى نظيره الايراني. تتكون من شقين: الاول، ضرورة تقديم افعال واجراءات تؤكد حسن النية وتنزع فتيل الازمة في ما يخص الملف النووي. والثاني جدية العالم في عدم السماح ببقاء الاسد في الحكم، وباستمرار ايران في السير بمشروعها النووي في ظل شكوك بامكانية عسكرته.
اما بالنسبة الى اللقاء الذي كان مرتقباً، بين الرئيسين الاميركي والايراني فقد اعتذر البيت الابيض عن اللقاء بحجة ضيق الوقت. بينما تسربت معلومة مفادها ان اوباما تلقى نصيحة من الرئيس الفرنسي مفادها تأجيل اللقاء، لانه خرج بانطباع مفاده عدم نضوج الموقف الايراني بخصوص «النووي» وان ما لدى الرئيس روحاني يقتصر على حسن النوايا فقط.
انقلاب سياسي
وبالتوازي سربت معلومة تقول ان الحرس الثوري نبه الرئيس روحاني الى انه لن يسمح له بتجاوز ما يعتبره «خطوطاً حمراء» في ما يخص البرنامج النووي. الامر الذي فسر بانه خلاف داخلي يمكن ان يفضي الى تحجيم الرئيس روحاني، او تنفيذ انقلاب سياسي ضده.
وفي ما يخص الملف السوري، لم يكن لدى روحاني ما يؤشر على انسجامه مع الموقف الذي عبر عنه اوباما، والذي يمكن ان يكون قراراً اممياً. لكنه – اي هولاند، اقترح على اوباما ان تتم دعوة ايران للمشاركة في مؤتمر «جنيف – 2» بهدف تعظيم الفائدة من انفتاحه على العالم. وتقديم دعم له امام الشارع السياسي الايراني.
اجواء اجتماع نيويورك، كانت ايجابية في بعض جوانبها، وغير ذلك في جوانب اخرى. فللحظة معينة، تعتقد انك في اجواء لا يمكن اخراجها عن وصف «حوار الطرشان»، وللحظة اخرى يمكن ان تتلمس بين الكم الكبير من الكلمات ما يؤشر الى بعض الخطوط التي من شأن التشبث بها الوصول الى نقطة محددة، ولكن ليس الى نتيجة محددة.
هذه هي النتيجة التي توقف عندها محللون تابعوا مجريات «القمة الاممية» في نيويورك، والتي جرت على شكل خطابات كانت في اغلبها مكررة، وفي جزء كبير منها تشير الى قضايا لم يعرها القادة المؤثرون اية اهمية. بينما جرى التركيز على جملة من المحاور، تتركز في مجموعة ملفات ابرزها ملفات سوريا وايران، والارهاب، وعملية السلام، والمعاناة الاقتصادية لدول الجنوب والتي تشعبت الى جملة ملفات سياسية واجتماعية وامنية. هنا يمكن التوقف عند مجموعة من المعطيات التي وجهت النقاش ضمن محاور محددة. وارسلت محاور اخرى الى مواقع اقل اهمية. وقد تكون اسست لما يمكن تسميته «حوار الطرشان» لجهة تعمد عدم سماع بعض الاصوات والطروحات والمقترحات.
ومن ابرز تلك المعطيات كلمة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي وجهت النقاش ضمن مسارات معينة، واسست لاجواء تنسجم مع الموقف الاميركي، وتبدي تشدداً قد لا يكون متسقاً مع الاطار العام لمجريات الدبلوماسية الاميركية. ذلك ان الخطاب اعتمد الموقف الرسمي اساساً، ودون اية محسنات، او مؤثرات دبلوماسية.
تشدد اوباما
على سبيل المثال، ابقى الرئيس الاميركي باراك اوباما على تشدده في ما يخص الملف النووي الايراني، وكال المزيد من التهم للنظام الايراني، وبما يرتقي الى مستوى تحميله مسؤولية التوتر القائم، واية توترات مستقبلية. لكنه احتفظ بخط «غزلي» مع الرئيس روحاني، تمثل بالاشارة الى حالة التفاؤل بوصوله الى الحكم. مع ان خط طهران – واشنطن كان مشغولاً على مدى الاسابيع القليلة الفائتة بكم من رسائل النوايا بين الطرفين. ومع ان ساعة القاء الخطاب كانت تشهد اتصالات وترتيبات – لم تنجح – لعقد لقاء قمة تاريخي بين الرئيسين اوباما وروحاني. وفي مسار آخر استكمال ترتيبات لقاء القمة مع الرئيس الفرنسي. اضافة الى سلسلة لقاءات قال متابعون لاعمال الاجتماع انها كانت اكثر من نشطة، وتقدم ايران بطريقة مختلفة عن اي وقت مضى.
الرئيس اوباما، قدم لكلمته بتحديد موقف متشدد من الازمة السورية، وهو الموقف الذي تمسك به غالبية من تبعه في القاء الكلمات، بما في ذلك بعض الكلمات الاستعراضية، وتلك التي القاها قادة يعتقدون ان اللقاء فرصة يمكنهم من خلالها استعادة بعض البريق المفقود، او محاولة دخول بوابة الشهرة من نافذة حظيت بتركيز عالمي ليس بحكم اهميتها كمنبر سياسي هدفه تحقيق العدالة، وانما كمنبر جرى تدجينه من اجل الانحياز الى مواقف محددة قد تتقاطع مع العدالة احياناً، وقد تقف عاجزة عن تنفيذ قرارات كانت قد اتخذتها، ولا تملك امكانية التراجع عنها. كما قدم لكلمته بمواقف اكثر تشدداً في موضوع الملف النووي الايراني، وقضايا الارهاب. ومواقف متساهلة في ما يخص عملية السلام، وقضايا الجنوب والبيئة وغيرها.
فقد دعا أوباما في كلمته كلاً من روسيا وإيران الى عدم الإصرار على بقاء حكم بشار الأسد، معتبراً ان بقاء الأسد سيؤدي الى عنف متزايد والى مساحة كبيرة لعمل المتطرفين. كما دعا إلى صدور قرار حازم عن مجلس الأمن للتأكد من أن نظام الأسد يلتزم بتعهداته في ما يخص الاسلحة الكيميائية، معتبراً أن المجتمع الدولي لم يكن على المستوى المطلوب أمام المأساة في سوريا بعد أن شاهد استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في آب (اغسطس) الماضي.
ورفض اوباما مجرد التشكيك باستخدام النظام السوري اسلحة كيميائية ضد شعبه، واعتبر انه من الإهانة لمشروعية الأمم المتحدة أن يوحي أحد بأن طرفاً غير النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية.
ومع تأكيده على عدم ايمانه بان الحل العسكري سيحقق سلاماً دائماً، فقد اوضح انه «حان الوقت لأن تدرك سوريا وإيران أن لا مجال للعودة إلى مرحلة ما قبل انطلاق الثورة»، واكد أن بلاده على استعداد لاستخدام كل الوسائل لتأمين مصالحها في المنطقة.
خطر الارهاب
وفي مسار آخر، حذر الرئيس الأميركي من أن خطر الإرهاب ما زال قائماً، وكشف النقاب عن ان تنظيم القاعدة توزع على شبكات إقليمية، وان جهود بلاده في مواجهة الارهاب حققت نجاحاً، مشيراً الى ان «الاستخدام المحدود للطائرات من دون طيار مكننا من تجنب الدخول مباشرة في مواجهات مع تلك الشبكات».
وبشأن إيران اعرب اوباما عن قناعته بأن «التاريخ الصعب من عدم الثقة مع إيران لا يمكن تجاوزه بين ليلة وضحاها». معتبراً أن اعادة بناء الثقة لا يمكن ان تتحقق بدون ابرام اتفاق حول برنامج إيران النووي.
وفي رسالة لا تخلو من المضامين المهمة اكد اوباما أن الولايات المتحدة لا تطمح إلى تغيير النظام في إيران، وان كل ما تريده هو تسوية تؤكد سلمية برنامجها النووي. لكنه اشار الى انه يعتبر «انتخاب روحاني رئيساً لإيران مشجعاً على السير في طريق التصالح». رافضاً في الوقت نفسه قبول تطوير أو استخدام أسلحة الدمار الشامل بحكم انها تضر بالامن القومي للولايات المتحدة.
وبشأن الصراع العربي – الإسرائيلي كشف اوباما عن إدراك اسرائيلي متزايد بأن احتلال الضفة يمزق النسيج اليهودي. ودعا إلى المضي قدماً في مسار السلام في الشرق الأوسط، معتبراً أن أمن إسرائيل كدولة مرهون بقيام الدولة الفلسطينية.
وفي ما يخص الربيع العربي اعترف اوباما بأن تلك الثورات قد «صدمتنا» بسرعتها، وأشار إلى أن مصر شهدت صعوبة في التحول نحو الديمقراطية، واعتبر أن مرسي أثبت عدم قدرته على الحكم، ووعد بمواصلة العمل مع الحكومة المؤقتة لمحاربة الإرهاب.
اما الامين العام للامم المتحدة فلم يضف جديداً على ما قاله اوباما بخصوص الملف السوري، باستثناء اشارة واحدة الى الحل السياسي، حيث اكد أن «النصر العسكري في سوريا مجرد وهم»، وأن الأزمة ليس لها حل إلا الحل السياسي، مناشداً الحكومة والمعارضة المسارعة إلى عقد مؤتمر جنيف – 2 في أقرب وقت.
ورحب بان باستئناف مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مشيراً إلى أن اللجنة الرباعية ستلتئم هذا الشهر في نيويورك للدفع قدماً بهذه المفاوضات من أجل تحقيق حل الدولتين. كما وجه نداء لمساعدة الدول الفقيرة خصوصاً في أفريقيا، مشيراً إلى أن عام 2015 فرصة تاريخية لتحقيق أهداف الألفية التي رسمتها الأمم المتحدة.
الى ذلك، ومع تعدد الملفات الساخنة اممياً، وتشابكها، يتوقف المحللون عند تصدر ملفي سوريا و«النووي الايراني» على موقع الصدارة في اروقة الامم المتحدة، وعلى هامش اجتماعها الدوري الذي انطلق يوم الاثنين الفائت في مقرها الدائم في نيويورك. واحتفظ ملف عملية السلام بموقع وسطي ضمن اطار الاهتمامات الدولية، رغم محاولات الدفع به الى المقدمة، باعتباره اقدم الملفات واكثرها تعقيداً ليس على نطاق الامم المتحدة فحسب، وانما على نطاق العلاقات الثنائية والحوارات المتعددة الاطراف ضمن اطار دولي.
«نجومية» روحاني
حافظ الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني على «نجومية» ذلك اللقاء الاممي، بحكم ارتباطه بهذين الملفين، وبحكم التوقعات التي رافقت الاحتفالية الكبرى بحدوث انفراج، بناءً على موقف تلك الشخصية المعتدلة التي وصلت الى الحكم، والتي يعتقد ان وصولها كشف عن توجه واضح بالسعي نحو الاعتدال. ساعد في ذلك كم الرسائل التي اطلقها روحاني باتجاه الولايات المتحدة، والتي تؤشر على رغبة في طي بعض الملفات، وانهاء الخصومة بين ايران والعالم، طبقاً لمشاريع وفاقية تضمن انهاء العقوبات التي اضرت بالبلاد ووضعتها على حافة سلسلة من الازمات الداخلية والخارجية. وقد سبقتها رسائل على درجة كبيرة من الاهمية جرى تبادلها بين الرئيسين الايراني حسن روحاني، والفرنسي فرانسوا هولاند، والتي اسفرت عن توافق على عقد لقاء قمة على هامش الاجتماع الاممي الذي شارك فيه اكثر من مائتي زعيم عالمي. وهي القمة التي اعتبرها المحللون حدثاً عالمياً بارزاً بحكم انه الاول منذ قيام الجمهورية الاسلامية كنتيجة لثورة الخميني عام 1979.
وفي المحصلة، تمكنت حكومة إيران الجديدة من نقل حملتها الدبلوماسية الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووافقت على مفاوضات نووية دولية يشارك فيها وزير خارجيتها محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري. وادارت ملفها بحملة علاقات عامة متميزة، في مقدمة عناصرها اصطحاب روحاني أحد النواب من طائفة اليهود الايرانيين معه في رحلته الى نيويورك. حيث رافق ممثل اليهود في البرلمان الإيراني، سيامك مره صدق، الرئيس الإيراني في الزيارة كعضو في الوفد الرسمي لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تلك الاجواء كانت سبباً في انزعاج اسرائيلي، عبر عنه مبعوث تل ابيب الى الامم المتحدة يوفال شتاينيتز، الذي اعتبر ان ايران بممارساتها التي تظهرها كدولة حسنة النية، تريد خداع المجتمع الدولي. مؤكداً ان دور بلاده – اسرائيل – يتمثل بشرح الحقيقة. ويرى الوزير الاسرائيلي أن امتلاك إيران قنبلة نووية يشكل تهديداً لوجودها، وتقول بلاده إنها تتوقع أن ما يفصل بين طهران وامتلاكها قنبلة نووية قد لا يكون سوى أشهر، وأن خطواتها في ذلك الطريق قد تتسارع إذا تراجعت القوى العالمية عن العقوبات وعن استعدادها لشن حرب على طهران كخيار أخير.
حذر الغرب
ورغم ما تم رصده من تغيير اميركي وغربي في صدى الاستجابة لتلك الرسائل الايرانية ، الا ان قيادات تلك الدول التي عملت على تشجيع ذلك النهج، ومررت معلومة بانها اخذت علماً بالتغيير في نبرة الخطاب الإيراني، ما زالت ملتزمة بالحذر، وعبرت عن حذرها من خلال مسارين اثنين: الاول داخلي يحاول التعبير عن دهشته للتغيير الحاصل، والثاني تأكيدات بان تصريحات روحاني الأخيرة «غير كافية» للاستجابة لمخاوف الأسرة الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وفي موازاة الاجتماعات الرسمية للجمعية العامة، واصلت الدول الكبرى مناقشاتها في الكواليس بشأن الملف السوري، من باب الازمة الخاصة بالسلاح الكيميائي اولاً، والملف بتفاصيله كاملة ثانياً. وسجلت الكواليس تعميقاً للخلاف القائم منذ اسبوعين بين واشنطن وباريس ولندن من جهة، وموسكو من جهة مقابلة، حول سبل إلزام دمشق بتطبيق خطة إزالة أسلحتها الكيميائية، التي يتهمها الغرب باستخدامها ضد شعبها. من ضمن ذلك، اتهام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة بـ «ابتزاز» روسيا من أجل القبول بقرار ملزم ضد حليفها السوري.
وفي الكواليس ايضاً جرى التركيز على جهود اللجنة الرباعية ومحاولة تسهيل مهمتها الصعبة. وسط توقعات بأن تستخلص اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أول حصيلة لاستئناف المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين، الذين التقى رئيسهم محمود عباس باراك أوباما يوم الثلاثاء الفائت.
وعلى صعيد آخر، ناقشت الأمم المتحدة من خلال جمعيتها العامة الخطوات التي تحققت على صعيد تنفيذ «أهداف الألفية للتنمية» التي حددتها عام 2000 من أجل خفض الفقر وتحسين إمكانات الوصول إلى الخدمات والمياه والتربية في العالم.
احمد الحسبان