خطة طوارىء للطلاب النازحين… دق جرس الانذار

انه موسم العودة. عجقة شراء كتب، قرطاسية، حقيبة… لكن كل هذا في سلة والطلاب النازحون في سلة أخرى. والواضح أنهم الحدث على أبواب السنة الدراسية. في العام الماضي كان عدد الطلاب السوريين في المدارس الرسمية يقارب الـ 33 ألف طالب سوري موزعين على المدارس الرسمية في لبنان. وهذه السنة؟ لنقل ان العدد مضاعف وان كانت وزارة التربية لم تحص أعداد الطلاب المسجلين في مدارسها الرسمية. لكن الواضح أن هناك حالة طوارىء تربوية. فهل ثمة مطارح بعد لطلابنا اللبنانيين في المدارس الرسمية؟ وعلى أية مقاعد سيجلس الطلاب السوريون؟ هل ستستوعبهم المدارس الرسمية أم تفتح لهم القاعات والمباني التي كانت مخصصة للتعليم الرسمي؟ كيف سيتأقلم الطلاب اللبنانيون مع زملائهم النازحين الذين لا يتساوون معهم في مستوى التعليم والمناهج؟ وما هي خطة الطوارىء التي وضعتها وزارة التربية لتأمين التعليم لكل الطلاب السوريين؟
كنا ننتظر رنة الجرس. اليوم اختلفت الهواجس مع اقتراب الموسم الدراسي. وجرس الإنذار الذي دقه وزير الشؤون الإجتماعية وائل أبو فاعور على خلفية ارتفاع عدد النازحين مع كثرة الكلام عن الضربة الأميركية على سوريا (وقد تكون حصلت مع صدور العدد)، وتقليص الجهات المانحة مساعداتها لهم، لم تعد مجرد كلام وبيانات وهواجس. إنه الواقع المأزوم في دولة اللا دولة. كيف؟
من الصعب تحديد نسبة النازحين في لبنان حتى الساعة لأن هناك أعداداً وافرة تدخل من دون تسجيل أسمائها في سجلات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين. لكن التقارير الحكومية تشير إلى وجود مليون و200 ألف نازح سوري في لبنان، ويتم تسجيل نحو 18 ألف نازح أسبوعياً في مراكز مفوضية الأمم المتحدة. وبحسب إحدى المتطوعات في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هناك 716 ألف لاجىء سوري اليوم في لبنان. ومع كل إشراقة شمس يدخل ما يقارب الـ 2000 الى 10 آلاف بحسب الظروف الأمنية في سوريا. أما خارج السجلات فالعدد يقارب المليون ونصف المليون. نعم. مليون ونصف المليون سوري في لبنان أي ما يوازي ربع عدد سكان لبنان. وقد يصل إلى النصف عند حصول الضربة الأميركية. أما الخبر الأبرز فيتمثل في تسجيل الطفل السوري المليون في شهر آب (اغسطس). وبذلك يكون عدد الاولاد السوريين النازحين في المنطقة قد تجاوز المليون، من بينهم 350000 ولد في لبنان.
دق الجرس؟ ليس بعد فالتحضيرات التي أعلنت عنها وزارة التربية تحضيراً لموسم مدارس على وقع النزوح السوري تؤكد أن الأزمة حاصلة. والتعاميم الرسمية التي وزعت على جميع مدارس مناطق النزوح بوجوب تسجيل أسماء الطلاب السوريين في المدارس الرسمية والخاصة، وحتى قبول الطلاب الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية تؤكد أن العمل على الأرض يجري على قدم وساق.
يرق: خطة طوارىء معتمدة والعدد النهائي غير مسجل بعد
مدير عام وزارة التربية فادي يرق أكد في حديث الى مجلة «الأسبوع العربي» أن الوزارة وضعت خطة لكل التلامذة الذين يتقدمون للتسجيل في المدارس الرسمية كما وضعت خطة طوارىء بديلة في حال تبين أن الأعداد المسجلة تفوق قدرة استيعاب المدارس.
حتى الساعة يرفض يرق الكلام عن عدد الطلاب السوريين المتوقع دخولهم هذه السنة إلى المدارس الرسمية، «في العام الماضي وصل عدد الطلاب السوريين إلى 33 ألفاً، ويضاف إليهم 18 ألف طالب من المقيمين مع أهاليهم في لبنان. هذه السنة لا يمكننا التكهن لأن التسجيل لا يزال قائماً لكن نتوقع أن يرتفع العدد بطبيعة الحال مع ارتفاع أعداد النازحين». وكشف عن خطة الطوارىء التي وضعتها الوزارة لجهة تخصيص صفوف للطلاب الذين يتجاوزون العشر سنوات بسبب صعوبة اندماجهم مع الطلاب اللبنانيين، أو إعطائهم دورات تعليمية خاصة أو فتح حصص في فترة بعد الظهر. وختم «كل شيء رهن بعدد الطلاب الذين سيتقدمون لأن هناك إمكانية أن يترك البعض بعد التسجيل ليعودوا إلى بلدهم. من هنا لا يمكن التكلم منذ الآن عن بورصة أعداد الطلاب النازحين في مدارسنا».
يتوزع الطلاب النازحون على المحافظات اللبنانية على الشكل الآتي: 3 في المئة في البقاع، و30 في المئة في جبل لبنان، و33 في المئة في الشمال، و30 في المئة في النبطية، و8 في المئة في بيروت و8 في المئة في الجنوب. واتخذت إجراءات لتمكين الطلاب من الإفادة من دروس الدعم التي تقدمها الجمعيات المدنية إضافة إلى الدورات التي تنظمها الوزارة بالتعاون مع اليونيسيف وغيرها من المنظمات الدولية. وشكلت لهذه الغاية مجموعة متخصصة لتنفيذ برنامج التعليم المعجل الذي يركز على تدريس مواد محددة على مدى يومين في الأسبوع من أجل تمكين هؤلاء الأولاد من الإندماج في البرنامج التعليمي اللبناني.
خطوات جريئة وفعالة إذا افترضنا أن هؤلاء الطلاب الذين جهزت لهم هذه الهيكلية آتون من بيئة حاضنة للعلم والثقافة. لكن إذا انطلقنا من الأسباب التي أدت إلى نزوحهم نكتشف أن هناك صعوبة في قدرة الإندماج والتركيز، خصوصاً بالنسبة الى الأولاد الذين شهدوا معارك دامية أو كانوا من ضمن أطفال الكيميائي. مشاهد لن تغيب عن بال أحد فكيف بالنسبة إلى الأطفال؟ ولو سلمنا انهم كانوا في منأى عن الكيميائي والمجازر التي تحصل في سوريا فهل يكونون في منأى عن حملات التهجير والنزوح؟ ومن يعيد إلى تلميذ سُلخ عن عالمه وألعابه وكتبه ومدرسته ورفاق الصف، القدرة على الإندماج والتركيز؟ وهل لحظت الخطة قدرة المباني والصفوف على استيعاب اعداد الطلاب؟ وما صحة الكلام عن إعطاء الطلاب السوريين الأولوية على مقاعد المدارس الرسمية؟
مصادر مقربة من وزير التربية أكدت أن هناك تعميماً صادراً عن وزارة التربية يقضي بالطلب من مدراء المدارس الرسمية بعدم ترك اي مقعد فارغ في المدارس الرسمية. وهناك دراسة معدة لتجهيز مبان “prefabriqués” على العقارات التي تملكها الدولة ومخصصة لبناء مدارس رسمية عليها. وفي حال تم التوافق على ذلك يصار إلى طلب المساعدة من الدول المانحة والمنظمات الدولية «لأن الوزارة عاجزة عن دفع أية مبالغ إضافية لتجهيز مبانٍ جديدة. وهي بالكاد تقوم بتغطية كلفة رسوم تسجيل الطلاب في المدارس الرسمية والكتب حتى صف الرابع متوسط. أما بالنسبة إلى الطلاب السوريين فأكد المصدر أن المنظمات الدولية تتكفل في دفع جميع المبالغ المتوجبة على كل تلميذ بدءاً برسم التسجيل والكتب والقرطاسية والزي المدرسي وحتى بدلات النقل. كما أصدرت الوزارة تعاميم تتعلق بقضية ممارسة العنف ضد التلامذة السوريين وضرورة التصدي لها ووجوب الإبلاغ عنها فوراً».
سعادة:المستوى التعليمي إلى انحدار إذا لم تتخذ تدابير وقائية
نصل إلى المناهج. وهنا بيت القصيد. فالوزارة تدرك تماماً اننا على أبواب أزمة تربوية لأن الطلاب السوريين لا يتلقون علومهم لا سيما في المواد العلمية إلا باللغة العربية. أما اللغتان الأجنبيتان المعتمدتان في المناهج التربوية اللبنانية فغير واردتين في المطلق في المناهج السورية. من هنا يؤكد المعنيون: إننا أمام ازمة تربوية خصوصاً مع تلامذة الصفوف الثانوية والمتوسطة. أما الحضانة والإبتدائي فيمكن تجنب هذه المشكلة مع تكيف الولد بشكل أسرع. وما يزيد الأمور تعقيداً هو تعدد جنسيات النازحين حيث ينضم إلى الطلاب السوريين زملاء لهم من الجنسيات العراقية والفلسطينية وهذا كله يفرض اجواء جديدة سواء على مستوى الإندماج في اللغة أو المحيط الإجتماعي.
إلى هنا يمكن القول: إن إمكانية ترتيب الأمور بالتي هي أفضل واردة مع بعض الجهد الإضافي والأموال المعدة لصرفها على الطلاب النازحين السوريين. لكن من يضمن البيئة الإجتماعية وظروف العيش والسكن والنظافة؟ وهل من تدابير ستتخذها وزارتا الصحة والتربية لتفادي نقل الأوبئة والأمراض التي قد يكون حملها الطالب السوري النازح نتيجة ظروف إقامته في خيمة ربما وقد لا تتأمن له فرصة الحصول على شروط النظافة كاملة؟
«كيف ما برمتا مش ظابطا». تعليق في مكانه. فإذا تكلمنا من الناحية الإنسانية للنازحين السوريين فالتمييز العنصري لا يجوز، وإذا تكلمنا من الناحية الإجتماعية والتربوية نكتشف وجود ازمة لا بل أزمات صحية وتربوية ونفسية أما على المستوى المالي فحدث ومن دون حرج.
ومن الحلول المقترحة لإنقاذ السنة الدراسية «إعطاء ساعات دوام بعد الظهر. «لكنه الحل الأخير المطروح. وقد ينعكس سلباً على نفسية التلامذة وحتى الأساتذة والجهاز التعليمي ككل، ويتطلب موازنة إضافية لتأمين مستلزمات التعليم لساعات إضافية. لكن إذا كان لا بد منه فنحن له». كلام مقنع وواقعي للمصدر المقرب من وزير التربية لكن ماذا عن المستوى التعليمي وهل سيتأثر طلابنا بالواقع التربوي الجديد في مدارسنا الرسمية والخاصة؟
نقيب المعلمين في المدارس الخاصة سابقاً الأستاذ جورج سعادة أكد أن هناك استحالة في دمج التلميذ اللبناني مع الطالب السوري لأسباب تتعلق أولاً باختلاف المناهج التعليمية بين البلدين وعدم وجود تكافؤ في مستوى اللغة الأجنبية. ولفت إلى أن هذه المشكلة موجودة في المدارس الرسمية كما الخاصة. «ففي مدرسة الليسيه مثلاً لوحظ أن الطلاب الذين جاءوا من مدرسة الليسيه في حلب وجدوا صعوبة في الإندماج مع المنهج اللبناني لا سيما في مواد اللغة الفرنسية. وانعكس ذلك على المعلمين الذين وجدوا بدورهم صعوبة في «دوزنة» الأمور بين الطلاب السوريين واللبنانيين بسبب عدم التكافؤ في المستوى اللغوي.
قد تكون الخطة التربوية التي وضعتها وزارة التربية بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات التربوية جيدة في المبدأ. لكن الأمور على الأرض تختلف. والثابت ان هناك حلولاً يفترضها البعض تعجيزية أو «عنصرية» لكنها جذرية. ومن هذه الحلول التي اقترحها الأستاذ جورج سعادة (مع التشديد على عدم وجود نية في التمييز العنصري) فصل الطلاب السوريين عن اللبنانيين لأن الإختلاف في المستوى التعليمي يؤخر الأستاذ من استكمال المنهاج بالشكل العادي المطلوب. وسيجد نفسه ملزماً في السير بالبرنامج ببطء لاستلحاق الطلاب (السوريين) العاجزين عن استيعابه بالسرعة التي يتمتع بها الطلاب اللبنانيون. من هنا كان الإقتراح في فصلهم وإعطائهم حصصاً بالسرعة المؤاتية لقدرات استيعابهم. «ولا ضير إذا تأخروا في تحصيل المنهاج كاملاً. فهم في النهاية لن يتقدموا إلى امتحانات الدولة وسيعودون إلى بلادهم حتماً لإنهاء المناهج بحسب البرامج السورية التي تعودوا عليها».
أما على المستوى التربوي فيشدد سعادة على ضرورة فصل الطلاب اللبنانيين عن السوريين (وأكرر أن كلامي ليس من باب العنصرية إنما لصالح الطلاب) على أن لا تسري هذه النظرية على النشاطات التربوية والرياضية وفي الملعب طبعاً. وأبدى سعادة خشيته من انحدار المستوى التربوي في لبنان إذا طال عمر الأزمة السورية واضطر الأساتذة الى دمج الطلاب في صف واحد. «حتماً سيكون هناك تراجع لا سيما في المدارس الرسمية بحيث سيتفوق عدد الطلاب السوريين على اللبنانيين، وعندها لا يعود امام الأستاذ إلا خيار اتباع المنهج وفق قدرات استيعاب التلميذ السوري. وإذا امتدت الأزمة أكثر فأكثر فالنتيجة محسومة: إنهيار المستوى التربوي في المدارس الرسمية في لبنان وتراجع في الخاصة.
ثمة نسبة كبيرة من التلامذة السوريين بدأوا التسجيل والتحضير لامتحانات الدخول، في محاولة لتخطي إشكالية اللغة الاجنبية على مستوى تدريس المواد العلمية. ذلك أن المدارس السورية تعلم تلك المواد باللغة العربية، ما يتطلب جهوداً مضاعفة من الوافدين الجدد، ليتمكنوا من الانطلاق في العملية التربوية من ضمن المناهج اللبنانية، فضلاً عن أمور تقنية وإدارية أخرى. وثمة عائلات سورية نازحة لا تزال تفكر في كيفية إقناع ولدها في التعلم في مدرسة رسمية بعدما كان يتلقى علومه في مدرسة خاصة في سوريا. إنه دولاب الزمن؟ صحيح يقول مصطفى الذي نزح منذ نحو 6 أشهر ويقطن في إحدى الشقق المستأجرة في منطقة جونية مع شقيقته وعائلتها. ويضيف: «نعيش وضعاً مادياً مأزوماً. وفي وضعنا تصبح المدارس نوعاً من الكماليات، لكن إن وجدت عملاً فلن أتردد في تسجيل الاولاد في إحدى المدارس الخاصة».
33 ألف طالب العام الماضي و18 ألفاً من المقيمن
يروى أن بعض المدارس الرسمية في الشمال تعتمد التدريس في كتب بحسب المنهاج السوري. وهناك مدارس كانت تستوعب نحو 10 طلاب لبنانيين. وبموجب قرار وزارة التربية بعدم ترك اي مقعد شاغر في المدارس الرسمية تفوق عدد الطلاب السوريين على اللبنانيين بمعدل مرتين وثلاث في بعض المدارس. فكان قرار التلامذة والأهل بمغادرة مقاعدهم وتركها للطلاب السوريين لأنهم أدركوا منذ البداية عدم قدرتهم على الإندماج معهم سواء على المستوى التربوي أو الإجتماعي؟
وفي آخر تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين أن نسبة الأطفال النازحين وصلت إلى 50 في المئة، أما عدد الطلاب الذين تسجلوا في المدارس الرسمية في العام الدراسي الماضي فبلغ 33 ألفاً من ضمن 150 ألف طفل سوري في سن الدراسة. اليوم هناك 300 ألف طفل سوري في سن الدراسة قد يتسجل نصفهم أو الثلث . أيا يكن العدد هناك تحد كبير على أبواب السنة الدراسية. وليس مستغرباً أن تعلن بعض المدارس الرسمية عن عدم قدرتها على تحمل الوضع إلا إذا نجحت الوزارة في خيار فتح الصفوف في فترة بعد الظهر لاستيعاب الطلاب النازحين. والظاهر أنه الخيار الاخير والأوفر حظاً.
قلتم دق الجرس؟ إنه جرس الإنذار والآتي أعظم!
جومانا نصر