سياسة عربية

دمشق: القتال يتجدد في القلمون، وكي مون يقترح خريطة سداسية لحل الازمة

يبدو ان منطقة «القلمون»، كانت وما زالت تشكل الخاصرة الدامية في تفاصيل الازمة السورية. ويبدو انها بمثابة الجرح النازف، لجهة تمسك كل طرف بالسيطرة عليها وتنفيذ مواجهات دامية في سبيل الامساك بهذا الهدف.

بعد اشهر من اعلان الجيش النظامي السوري تحريرها، والسيطرة عليها بشكل كامل، عادت التقارير من جديد لتفصح عن تجدد القتال في تلك المنطقة. ولتكشف ان الازمة لم تحسم بعد في اي اتجاه، وان الحديث الرسمي عن استعادتها لا يمكن اعتباره حديثاً موثوقاً. السبب في ذلك ان موازين القوى ما زالت متغيرة، وان كلا الفريقين يعملان على استجماع عناصر القوة من اجل تحقيق هدف معين. وتكون النتائج مختلفة بين الحين والاخر، والمنطقة والاخرى.
في سياق مواز، بدا واضحاً ان الهيئات الدولية لم تفقد الامل بعد، بحدوث اختراقات سياسية من شأنها ان تعيد ترتيب الملف سلمياً. وما زالت ترى انه يمكن للفاعلة منها ان تضغط باتجاه حل سياسي، وتقوم بتحديد اطر لذلك الحل.
من ذلك التصورات التي اقترحتها الامم المتحدة والتي اطلق عليها «الخريطة السداسية»، املاً بان تكون اساساً للحل.
فقد شهدت منطقة القلمون وتحديداً المنطقة الواقعة –  شمال دمشق – معارك عنيفة بين القوات النظامية السورية ومقاتلي المعارضة بعدما كانت المواجهات تراجعت منذ حوالي شهرين نتيجة سيطرة قوات النظام بشكل شبه كامل على المنطقة.

سيطرة على التلال
وقال التلفزيون الرسمي ان الجيش السوري سيطر على بعض التلال المطلة على سهل رنكوس في القلمون، ولاحق «مجموعات ارهابية» حاولت التسلل الى المنطقة.
واوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان مقاتلي المعارضة الذين لا يزالون مختبئين في تلال ومغاور واودية في جبال القلمون، بعد انسحابهم من قراها وبلداتها خلال الشهرين الماضيين، نفذوا خلال الايام الماضية سلسلة عمليات مباغتة على مواقع وحواجز لقوات النظام وحزب الله اللبناني في سهل رنكوس وقرى مجاورة، ما اضطر بعض قوات النظام الى الانسحاب منها. الا ان القوات النظامية مدعومة بحزب الله شنت هجوماً مضاداً خلال الساعات الماضية، وتمكنت من استعادة مواقعها وتحصينها وتوسيع رقعة السيطرة. وقال عبد الرحمن ان هذه المواجهات في القلمون اوقعت خلال الاسبوعين الماضيين، قتلى في صفوف الطرفين، بينهم 14 قتيلاً على الاقل من حزب الله.
ويقدر المرصد ان ثمة اكثر من الفي مقاتل لا يزالون موجودين في جرود القلمون.                  وبث التلفزيون السوري من جهته صوراً من رنكوس ومحيطها، واجرى مقابلة مع ضابط في الجيش السوري في المكان قالوا ان الوحدات العسكرية «قطعت الطريق على مجموعات ارهابية تحاول بين الفينة والاخرى العودة الى المنطقة».
وقال التلفزيون ان الجيش سيطر على «بعض التلال المشرفة على سهل رنكوس بعد طرد مجموعات كانت تسللت من الداخل اللبنان». «واشار الضابط الى ان» العملية مستمرة ليتم تطهير كامل منطقة القلمون.
وكانت القوات النظامية وحزب الله، سيطرا منتصف نيسان (ابريل) بشكل شبه كامل على منطقة القلمون بعد معارك عنيفة استمرت اشهراً. وللقلمون حدود طويلة مع بلدة عرسال اللبنانية ذات الغالبية السنية والمتعاطفة اجمالاً مع المعارضة السورية. وينفذ الجيش اللبناني منذ حوالي عشرة ايام حملات دهم وتوقيفات في عرسال لملاحقة مسلحين متورطين بتدريبات مع مجموعات ارهابية.
ويصعب ضبط حدود عرسال الشاسعة والجرداء والتي توجد بينها وبين الاراضي السورية العديد من المعابر غير القانونية.

مواجهات عسكرية
في الاثناء، تتواصل المواجهات بين المعارضة والجيش في اكثر من موقع. وتتغير موازين القوى تبعاً لتقلبات الوضع في العراق وفي مناطق متعددة داخل سوريا.
ويستخدم طرفا الصراع في تلك المواجهات كل وسائل التدمير المتاحة، ومنها السيارات المفخخة – بالنسبة الى المعارضة – والبراميل المتفجرة، بالنسبة الى الجيش النظامي.
من ذلك، ما اعلنته الوكالة السورية للأنباء – سانا – من  أن انفجار سيارة ملغومة في محافظة حماة بغرب سوريا أسفر عن مقتل 34 وإصابة أكثر من 50 آخرين وألقت الوكالة بالمسؤولية عن الهجوم على المسلحين الذين يقاتلون القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد.
ويعتقد أن جبهة النصرة – المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تخوض قتالاً مع منافستها الدولة الاسلامية في العراق والشام – تقف وراء العديد من التفجيرات في حماة خلال الاشهر القليلة الماضية. وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان المعارض للأسد أن 38 شخصاً قتلوا وأصيب أكثر من 40 في الانفجار الذي وقع في قرية الحرة وهي قرية علوية قريبة من حماة.
وأضاف المصدر أن المفجر الانتحاري كان يستقل شاحنة مما أدى الى مقتل عدد كبير من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

حل من 6 نقاط
وضمن اطار التصورات التي من الممكن اعتمادها كحل سياسي للازمة، وضع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون تصوراً طموحاً من ست نقاط لإنهاء الحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي بدأت تنتقل الى العراق وربما الى لبنان.
ففي خطاب أمام جمعية «آسيا سوسايتي» في نيويورك بعنوان «الأزمة في سوريا: حرب أهلية، تهديد عالمي»، دعا بان كي – مون مجلس الأمن الى فرض حظر أسلحة على جميع المتحاربين، والى اتخاذ قرارات تكفل ارسال المساعدات الإنسانية من دون عوائق الى جميع المحتاجين، والى انشاء آلية دولية للمحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الخطرة الأخرى لحقوق الإنسان، والى لجم التهديد الذي تمثله الجماعات المتطرفة على المنطقة، مسمياً «حزب الله» والجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة» مثل «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، (داعش).
وقدم تصوراً من ست نقاط لرسم «طريق مبدئي ومتكامل» لأي عمل دولي حيال سوريا، يبدأ أولاً بـ «وقف العنف»، قائلاً إن «استخدام الحكومة العشوائي للقنابل البراميل وصواريخ سكود والمدفعية، واستخدام المعارضة مدافع الهاون، والتكتيكات الإرهابية للمتطرفين تسلّط الضوء على الحاجة الملحة لوقف القتل والتدمير». وحض مجلس الأمن على فرض حظر أسلحة. وإذا حالت الانقسامات في المجلس دون خطوة كهذه، «حض الدول على القيام بذلك فردياً». وقال إن على المجتمع الدولي ثانياً أن يقوم بما في وسعه لحماية الناس، مطالباً بـوقف الحصارات، وبوصول غير معرقل للمساعدات عبر الجبهات الداخلية وعبر الحدود.
وتحدث ثالثاً عن ضرورة بذل جهود في اتجاه «بدء عملية سياسية جدية من أجل سوريا جديدة»، قائلاً إن بيان جنيف لـ ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٢ «وضع خريطة طريق واضحة لانتقال سياسي ديموقراطي، لا يزال هو الأساس لأي تسوية سياسية»، ملاحظاً أن الإنتخابات الرئاسية التي أجريت أخيراً في سوريا «لم تلب حتى المقاييس الدنيا لاقتراع ذي صدقية، وانها أدت الى جملة نتائج تعاكس مضامين وثوابت اتفاق جنيف واحد».
وكشف بان كي مون النقاب عن أنه سيسمي قريباً مبعوثاً خاصاً جديداً  الى سوريا بدلاً من الاخضر الابرهيمي الذي استقال من منصبه. وسيكون مكلفاً بالسعي الى حل سياسي، غير أنه اعترف بان المبعوث الجديد لن يتمكن من هز عصا سحرية.

الدول الاقليمية
وذكّر بأن الدبلوماسية من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي ساعدت على احضار الطرفين الى طاولة المفاوضات. ودعاهما وكل أعضاء مجلس الأمن الى «الانخراط مجدداً في العملية السياسية»، لافتاً الى أن الدول الإقليمية «لديها مسؤولية خاصة للمساعدة في انهاء هذه الحرب»، ورحّب تحديداً بـ «الإتصالات الأخيرة بين ايران والسعودية»، وأمل أن «تعكسا المنافسة المدمرة في سوريا والعراق ولبنان وغيرها».
وشدد على أن أي عملية سياسية يجب أن تكفل المحاسبة على الجرائم الخطرة رابعاً، لأن «الشعب السوري له حق أساسي في العدالة».
وفي إشارة الى روسيا والصين، طالب «أولئك الذين يقولون لا للمحكمة الجنائية الدولية، لكنهم يقولون إنهم يدعمون المحاسبة في سوريا، الى تقديم بدائل ذات صدقية». وأصر خامساً على انجاز مهمة تدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية. وتحدث سادساً عن «وجوب معالجة الأبعاد الإقليمية للنزاع، بما في ذلك تهديد المتطرفين»، لافتاً الى أن هذه الحرب «أوجدت أرضاً خصبة للجماعات المسلحة الراديكالية من داخل سوريا وخارجها، بمن في ذلك حزب الله وأولئك التابعون للقاعدة أو مستلهموها أو غيرها من الجماعات المتطرفة».
وبعدما قال إن المقاتلين الأجانب ناشطون في الجانبين، خلص أن العالم يجب أن يتحد لوقف التمويل وغيره من الدعم للمنظمات المصنفة جماعات ارهابية لدى مجلس الأمن، بما فيها جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وأعرب عن اعتقاده بأن «النزاع السوري انتقل الآن بشكل واضح ومدمر الى العراق، مع تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود المشتركة بين البلدين.
وحذر بان كي – مون من محاولات «داعش» إظهار كون الحكومات في العراق وايران والولايات المتحدة تتعاون من أجل دعم الاعمال الوحشية ضد السنة، قائلاً ان «نجاح داعش في ذلك سيساعدها في حشد الدعم من الغالبية السنية، ولذلك من الضروري أن تبذل حكومة العراق والذين يساندونها كل جهد ممكن لتجنب الوقوع في هذا الفخ». وختم بان توجيه ضربات عسكرية الى داعش قد يكون له أثر قليل أو ربما أسفر عن نتائج عكسية، اذا لم يكن هناك أي تحرك نحو تأليف حكومة شاملة في العراق.

ا. ح
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق