تشكيل

أعمال غير معروفة للفنان السوري مروان تعرض لاول مرة امام الجمهور اللبناني

مرة جديدة يطل الفنان السوري المشهور عالمياً مروان على الجمهور اللبناني من مركز بيروت للمعارض على الواجهة البحرية لوسط بيروت. لكن هذه المرة  بباكورة اعماله غير المعروفة (1962– 1972) التي تكشف للجمهور العربي للمرة الاولى وتستمر متاحة الى 27 تشرين الاول (اكتوبر) المقبل  وهي  تعكس  مرحلة نادرة ومهمة من حياته ومسيرته.

ان اراد مروان ان تكون بيروت نقطة انطلاق هذا المعرض الذي سينتقل بعدها الى عواصم عالمية منها باريس ومدينة بورتو في البرتغال وفيينا وغيرها من المتاحف العالمية فلأنه يعرف ويقدر قيمة بيروتنا  والدور الحضاري التواصلي الذي لطالما لعبته وتلعبه  بين الشرق والغرب كما وقيمة اعماله النادرة التي قرر ان تعرض لاول مرة في الوطن العربي.
معرض مروان يتضمن 44 عملاً زيتياً بالاضافة الى الاعمال المائية والتخطيطات الاولية لتلك الاعمال الفنية  التي تعبر عن مرحلة مهمة ونادرة اثبتت الايام فرادتها الفنية والانسانية بعد مرور اربعة عقود ونصف العقد عليها: اننا هنا في صدد لوحات من مختلف الاحجام بقياسات كبيرة ومتوسطة وصغيرة، بالوان ارضية وترابية  توزعت على قاعات مركز بيروت للفن، انجزها الفنان بتقنيات متنوعة، وهو امر مألوف بالنسبة اليه كونه لا يهتم بوسيلة التعبير خصوصاً  انه يستخدم في كل لوحة الوسيلة التي يراها صالحة وضرورية.

تطور وتدرج حذر
اما اذا تأملنا اللوحات فنرى ان «عمل مروان  تطور على مدى رحلة فنيّة طويلة، اي ان الإعادة كانت خلالها تعني التطوّر، ولطالما كانت جزءاً من التدرّج الحذر لا بل الاستكشاف الجاد للروح البشرية بجميع جوانبها من أفراح وأتراح. وبما أن لوحاته، التي لا تقَدّر بثمن، نادراً ما كانت تُعرَض، فلم تصل اخبارها إلا للقلائل. واذا قارنا أعماله بين الستينيات والسبعينيات من جهة والاعمال الاخرى تبدو للوهلة الأولى وكأنها غير مألوفة، أو غريبة، وتختلف بشكل دراماتيكي كما لو خطتها ريشة رسام آخر.
واذا نظرنا الى الوجوه العديدة التي قدمها او بتعبير ادق الرؤوس نلاحظ انها اتت بدورها بعيدة جداً عن التكرار والانتاج لاننا نجد في كل رأس رؤية جديدة تحمل تأثيرات المنطق الروحي للفنان الصوفي، ونقصد الوجوه العريضة الكبيرة والممغوطة في بعض الاحيان، والتي تحمل تأويلات بين المنظر والوجه. والوجوه بالنسبة الى مروان تمثل الارض وكل رأس يظهر جديداً يغطيه ليختفي على حد قوله  لكنه يظهر بتفاصيل جديدة يستوعبها تهرب لتأتي من جديد في رؤية مختلفة.
وفي ما خص الدمية فقد تحولت عنده الى شيء حي يتصرف به كما يشاء. فنرى انه اخذ الاوضاع والحالات التي عوضت له عن استعمال الموديل البشري «اخترت الدمية لانها صورة استطيع ان احركها وارسم عليها ساعات واشهراً وسنوات وهي صابرة اعطيها تصوراتي الشكلية في ما يتعلق بقضية اللوحة والرسمة والانسان».

جمال روحي
مما لا شك فيه ان قدرة مروان على الخلق اخذت ركيزتها من الفن الغربي والعادات والتقاليد العربية على حد سواء فهو قادر على اضفاء صبغة الحقيقة او الواقع على ما هو غير مرئي  وانك اذا ما  تأملت لوحاته التي قد تبدو لوهلة بشعة الا ان ثمة جمالاً روحياً يخرج منها.
انها لوحات تسحر الناظر لانه اينما حسبنا سكوناً يكون يضج بالحركة ومن خلال النظرات الفارغة لشخصياته يمكننا ان نفهم العالم نوافق مع الناقد  يواكيم سارتوريوس.
ازاء لوحات مروان يشعر الزائر بالدهشة والفرح ذاتهما اللذين احسهما الرسام حين لامست عينيه للمرة الاولى في اول ايلول (سبتمبر) مدينة ميونخ بسقوفها الوردية، المدينة التي عملت في فنه كما كان فعل مدينة برلين فيه التي وجد فيها  مرآة حساسة للعالم بين الشرق والغرب عنها قال: «فيها رسمت قصتي وفيها وجدت دمشقي».
لماذا قال هذا الكلام؟
لاننا كلنا نعرف وندرك تأثير الابتعاد والغربة على الانسان عموماً، فكيف بالحري على الفنان الحساس والامثلة كثيرة في هذا الاطار  عن فنانين رسموا افضل واصدق نتاجاتهم عن بلدهم الام خلال اقامتهم في بلدان الاغتراب لاننا في بلدان الاغتراب نشعر بارضنا اجمل وبشواطئنا ارحب وبجبالنا نرى العظمة والانفة والعزة ونستمد منها قوتنا على الاستمرار لنتخطى قلقنا ومخاوفنا في الغربة.
كل هذا يعطي الفنان المغترب شحنات كبيرة من الحنين تضفي على لوحاته عن الوطن المزيد من الجمالية. ويشرح مروان:
«من سوريا اخذت الحليب الاول الذي رضعته: رؤية دمشق القديمة: الحارات، البيت العربي، السماء الفيروزية، امتداد الغوطة، السهوب الامتداد البنفسجي والبرتقالي للجبال الجميلة والوديعة، الفسحة الفراغية بين السماء والارض والتربة الشقراء كل هذه الصور حملها مروان معه الى المانيا وفي برلين كانت دمشق اقرب الي من اليوم الذي كنت اعيش فيها وفي موقع اخر يقول: «في برلين رسمت قصتي وفيها وجدت دمشقي».

شخصية معروفة
بات مروان اليوم فناناً مرموقاً وشخصية معروفة. ترى إسمه في باريس ولندن وبيروت وعمّان ورام الله وخصوصاً في برلين، مرتبطاً بعالم تصويري، على الرغم من تنوّعه. ركّز لعقود وبشكل شبه حصريٍ على  الملامح البشرية، أو بالأحرى الرّأس، حيث تميّزت بتنوّعات لا متناهية مشبعةً بنتائج تصويرية واكتشافات مدهشة».
ولد في دمشق عام 1934، حاز على اجازة في الادب العربي من جامعة دمشق 1957 دخل الى جامعة برلين تابع دروساً في الرسم، وفي العام نفسه نال في دمشق الجائزة الاولى للنحت على اثر انجاز منحوتة هي الوحيدة في مسيرته الفنية.
منذ العام 1963 يعيش في برلين حيث يرسم ويعلم الرسم في جامعاتها. في العام 1966 نال جائزة كارل هوفر للرسم بعد تخرجه من المعهد العالي لكلية الفنون الجميلة في برلين حيث اصبح عام 1980 بروفسوراً دائماً وهو مركز يتبوأه من اكتسب مستوى عالياً في عالم الرسم وعضواً في المجتمع الفني في برلين وبرادبورغ…

كوثر حنبوري

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق